منوعات
رسالة من مؤسس "سنار" حمت مملكته
الأربعاء 29 مايو 2019
60
السياسة
إعداد – إسلام مصطفى: يحفل التاريخ العربي بالنوادر، التي قلما يوجد مثلها في أمم أخرى، نظرا لما يتمتع به العرب من خفة ظل، حتى أنهم سخروا الشعر في كثير من هذه المواقف فتحولت بها إلى نادرة، "السياسة" طافت عبر تاريخ العرب قديمه وحديثه وقطفت بعض هذه النوادر لتقدمها للقارئ حتى ترسم على ملامحه البسمات.كانت سلطنة الفونج أو الدولة السنارية، أول كيان سياسي كبير في السودان، أعتنق حكامه الإسلام، صار الدين الرسمي للدولة، سميت أيضا بـ "السلطنة الزرقاء"، لأن السكان قبلهم كانوا زنوجا سود البشرة، بينما لم يكن ملوك الفونج من الزنوج، لكنهم اشتهروا بهذا اللقب الذي أطلق عليها، ولا يعرف السبب، فهل أطلق نسبة إلى أن المملكة كانت تطل على النيل الأزرق؟كان الشيخ عمارة دنقس، نزل ضيفاً عند الشيخ عبدالله بن حمد بن رافع، بالنيل الازرق، في الوقت الذي كان يقيم معه، ابن ابنته عبدالله جماع بن محمد الباقر، فتصادقا، اتفقا على ان يجمع عبدالله جماع القبائل العربية لهزيمة دولة علوة والاستيلاء على عاصمتها سوبا.أعد عبدالله جيشا من معظم القبائل العربية، سلحه بالسيوف والحراب، قاده مع عمارة دنقس، وانتصروا في منطقة اربجي كما يسميها النوبة حيث كانوا يقولون "العرب جي.. العرب جي"، فحرفت الى أربجي، ثم هزما سوبا.انشأ عمارة دنقس "سلطنة الفونغ" بالتحالف مع الشيخ عبدالله جماع، على أنقاض المملكة المسيحية الزنجية، سموها "السلطنة الزرقاء"، اتخذ سنار عاصمة لها، بعدما كانت العاصمة الأولى محل البلدة المعروفة اليوم، بـ "أم حجارة" أو "أم حجر"، عند هضبة الحبشة.كانت رتبة عمارة أعلى وأعظم من رتبة عبدالله، إذا اجتمعا في مكان، أما إذا غاب عمارة فيعامل عبدالله كما يعامل عمارة، حتى إن عمارة دنقس أورث منصب السلطان لابنه عبدالقادر، جاء بعده نايل بن عمارة دنقس، حتى السلطان عمارة أبو سكيكين، في عهده مات عبدالله جماع، الشريك الثاني في الحكم.يقال إن "سن النار"، هذه من سميت "سنار"، على اسم فتاة بعد دمج "سن" و"نار" في كلمة واحدة، فهل كان ذلك تأثير جمال الفتاة على عمارة دنقس فأراد أن يخلدها ويروى أيضا "ود ضيف الله" في كتابه "طبقات ود ضيف الله"، حكاية غريبة، إذ يقول، "ويقال إن الرجل كان يطلق المرأة ويتزوجها غيره في نهارها من غير عدة، حتى قدم الشيخ محمود العركي من مصر وعلّم الناس العدة". أي ان المرأة كان يطلقها زوجها فتتزوج غيره في نهارها، لولا قدوم الشيخ "محمود العركي"، من مصر الذي صحح لهم عقيدتهم، أي ان عمارة دنقس أو عبدالله جماع كانا لا يعرفان الشريعة الإسلامية وأحكامها، حتى جاء عالم وفقيه مصري علمهما وعلم باقي السكان أمور دينهم.أما اسم عمارة دنقس، فيعد لقبا،لأن دنقس تعني "النجاشي العظيم"، أو الملك العظيم، يبدو انه تأثر في ذلك، بألقاب ملوك الحبشة، فقد كان اسمه الحقيقي هو "عمارة بن الشيخ عدلان بن الشيخ أونسة"، أما اللقب الثاني الذي اشتهر به فكان "ملك الشمس والظل"، أي انه "ملك في الليل والنهار، والشمال والجنوب، وعلى البيض والسود، والنبلاء والعوام، والخاص والعام، والمسلمين وغير المسلمين"، في حدود مملكته التي امتدت فشملت دنقلا شمالا إلى بني شنقول جنوبا، من البحر الأحمر شرقا حتى كردفان غربا.بلغت السلطنة أوج مجدها في عهد السلطان بادي الثاني أبو دقن، الذي غزت جيوشه بلاد الشلك، لكنها هزمت في منطقة النيل الأبيض، لأنها كانت تغير باستمرار على القبائل العربية المقيمة هناك، غزا أيضا جبال تقلي حتى أخضع ملكها لسلطة الفونج، كما غزا جبال النوبة، جبال الداير بكردفان، بذلك سيطر على كل المناطق التي كانت تمدهم بالرقيق. امتدت رقعة السلطنة في عهده من "الشلال الثالث" إلى "النيل الأزرق"، ومن "البحر الأحمر" إلى "كردفان"، استمر توسعها في عهد الملك "بادي الرابع"و تميزت المملكة، لهذا السبب، بمكانة جغرافية وتجارية عظيمة، بين كل البلدان الأثيوبية، في حوض النيل.تألف النظام السياسي للسلطنة من حاشية السلطان، (شاغلي الوظائف الإدارية في البلاط والوظائف العسكرية)، أما شاغلي الوظائف السياسية، فكانوا حكام الأقاليم، والنبلاء، والعلماء (خطباء وأئمة ومؤذنين وكتبه وغيرهم).كان حكم الأقاليم حكما مباشر، إذ تم تقسيم السلطنة إلى مجموعة إقطاعات، يقوم بإدارتها شيخ ينوب عن السلطان، يقدم له جزية سنوية، ضمت المملكة أقاليم ومشيخات متباينة الحجم، مختلفة الأعراق والثقافات، بعضها كان قائما قبل السلطنة، تم إخضاعها.