محمد الفوزانبعد وفاة أبيه، ورث ملكشاه حكم دولة السلاجقة في الأناضول، وكان يلقب بالأحمق، فكان على وشك تسليم الأناضول للرومان مرة أخرى، فلجأ أخوه ركن الدين مسعود إلى إمارة تركمانية مجاورة تدعي "دنشمند" لمساعدته ضد أخيه الأحمق ملكشاه، وبالفعل انتصر عليه عام 1116، وأصبح ركن الدين مسعود أميراً لإمارة قونية الصغيرة، وهي كل ما تبقى من دولة السلاجقة.سمع ركن الدين بمجيء الحملة الصليبية الثانية ردا على تحرير إمارة الرها على يد الزنكيين، وكان البطل ركن الدين مسعود يعلم أن تحرك آل زنكي من مواقعهم في الشام للوقوف ضد الحملة القادمة سيجعل الإمارات الصليبية الموجودة تتحالف وتستعيد الرها، وربما يأخذ الحلفاء دمشق الصامدة.وقد كان ركن الدين من قبل قد خسر معظم أملاكه على يد الصليبيين، وظل هو وأجداده فقط من يقاوم الصليبيين بمفردهم في الحملة الاولى، وهزموهم وانهزموا منهم على مدار نصف قرن أو يزيد.كان ركن الدين يعتمد على المناوشات والاستنزاف، فهو غير قادر على الدخول في مواجهة مباشرة، فجيشه أقل من عشرة آلاف مقاتل ما بين فارس ورام.تحرك الجيش الألماني بقيادة كونراد الثالث ومعه 30 ألف فارس، وخمسة الاف من الرماة، فيما تحرك الجيش الفرنسي بقوة خمسين ألف فارس.طلب آل زنكي من ركن الدين مسعود أن يواجه تحركات الحملة لأن مخابراتهم كانت قوية رغم انهم أبعد من الامير مسعود، وسألوه إن كان يريد دعما منهم، ولكن الرجل رفض، وسألهم الدعاء فقط.كان بطلنا يعلم أن الألمان سيصلون أسرع من الفرنسيين الذين أخذوا طريق البحر، وهو ممتلئ بالإمارات البيزنطية، وسوف يتعطلون للراحة على عكس الألمان المحاربين.كان جيش الامير مسعود على صغر عدده يضم فرساناً بمعنى الكلمة، أصحاب خبرة وتكتيك وبُعد نظر، ترك مسعود الرماة خلفه وتقدم بجيشه حتى التقى الألمان ناحية فريجيا، وهي بلدة قرب أرمينيا، وهنا أعطى للقائد بريجادين بن أرسلان فرقة من ألف فارس لضرب غنائمهم وعتادهم، والأعلاف والمياه، ونفذ الامر بنجاح في معركة استمرت نحوساعتين. كاد الامبراطور كونراد يجن، فأمر جيشه بالمسير كتلة واحدة، فأصيب الجنود بالانهاك والتعب، وكان كل همه ان يصل لنهر لبيتيس ليروي خيله وجنوده ويرحمهم من العطش القاتل،وهنا كانت المذبحة، اذ انقض الرماة السلاجقة من بين جبال دوريليوم في الوقت الذي قام فيه ركن الدين بإبادة الرماة الالمان الذين عبروا النهر كإجراء دفاعي لإراحة الجيش، وفوجئ الالمان بالسلاجقة على مرمى بصرهم، وهم الذين ظنوا ان الرماة سيؤمنون وجودهم، وكانت الكارثة التي أفنت تسعة اعشار الجيش الألماني الذي انتهى، ولم يبق سوى كونراد المصاب و800 رجل، ففروا الى حيث الجيش الفرنسي.هل انتهي مسعود؟ لا، بل كانت تلك البداية اذ ذهب الى طريق الفرنسيين وانتظرهم، ووقعت كارثة كبرى، فقد نصب مسعود كمينا لم يسمع عنه الصليبيون من قبل، اذ بعد دخولهم بلدة أزنيق للراحة والعبث كالعادة كان ينتظرهم ركن الدين مسعود الذي حاصرهم وأمر الرماة بضربهم، فلم يتحمل الفرنسيون، فخرجوا إلى البوابات ليجدوا أبطال السلاجقة يسحقون كل من يحاول الهرب.هنا اصدر لويس السابع أمراً غريبا، وهو أن يخرج الجيش كله دفعة واحدة بالصدادات والدروع، وليعش من يعيش ويموت من يموت، وفي هذه الخطوة المجنونة التي لا بد منها تم تدمير نصف الجيش الفرنسي، وقتل منه أربعة أمراء وفرّ الباقي الى أنطاكية في مشهد اثار سخرية السكان، وكانوا يعاملون من السكان باحتقار، فقرروا الرحيل الى القدس ليقابلوا بلدوين، ويسحقون بعدها بشهر في موقعة دمشق الكبرى، مكللين بعار الهزيمة، وهكذا انتهت الحرب الصليبية الثانية.كل هذا بفضل الله ثم عشرة آلاف فارس من الأتراك السلاجقة يقودهم فارس بطل اسمه ركن الدين مسعود.إمام وخطيب
[email protected]