منوعات
روبرت دي نيرو: تجمعنا السينما حين تخذلنا السياسة
الاثنين 03 ديسمبر 2018
5
السياسة
سيتذكر عشاق المهرجان الدولي للفيلم بمراكش طويلاً أمسية تكريم النجم الأميركي روبرت دي نيرو، الذي أكد تواضع الكبار والأفكار التي يتعين أن يعبروا عنها كلما استدعى الأمر، فقد تجاوب بتلقائية مع الجمهور الذي غصت به الجنبات المحيطة بمدخل قصر المؤتمرات، مستجيباً لعشرات الطلبات بتوقيع أوتوغرافات أو أخذ صور "سيلفي"، قبل أن يضع توقيعه على العلم المغربي كان مع واحدة من الجمهور، ثم حين أكد في كلمة تكريمه "أن السينما تجمعنا حين تخذلنا السياسة، وأن الفن ليس أنانياً وليس عنصرياً، بل يعطينا الأمل".في منتصف طريقه على البساط الأحمر، وجد دي نيرو المخرج الأسطورة مارتن سكورسيزي الذي بادله العناق، قبل أن يتوجها إلى قاعة الوزراء بقصر المؤتمرات، حيث جرى تكريمه، وتسليمه نجمة التكريم من قبل سكورسيزي، في حفل أكد قيمة الرجلين واسهاماتهما التي طبعت مسيرة السينما العالمية على مدى نصف قرن. قبل الحديث عن دي نيرو، تذكر سكورسيزي المخرج برناردو برتولوتشي الذي رحل قبل نحو أسبوعين. وقال إنه كان، وما زال، "مصدر إلهام ثابت"، بالنسبة له ولآخرين عبر السنين.وقال سكورسيزي إنه يبقى من الصعب في هذه الأيام تنظيم حدث دولي من هذا القبيل. لذلك هنأ العاهل المغربي الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش على "جهودهما إزاء المهرجان والفن السينمائي"، مشدداً على أن "هناك العديد من الأفلام التي تحتاج لمهرجان مميز كمهرجان مراكش، ومؤكداً على وجود جيل جديد مبدع من المخرجين عبر العالم يستحقون تشجيعنا ودعمنا".ثم تحدث المخرج الكبير عن دي نيرو، فوصفه بالصديق ورفيق الدرب، الذي عمل معه في 8 من بين أفلامه الـ15 الأولى التي أخرجها، قبل أن يتوسع في إبراز مميزات ومؤهلات النجم المكرّم.ومن جهته شكر دي نيرو العاهل المغربي والأمير مولاي رشيد، مؤكداً فخره وسعادته بزيارة المغرب وحفاوة الاستقبال، ثم شكر الشعب المغربي ومؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مشيرا إلى تأثره وفخره بالتكريم، وفق "إيلاف".واستعاد دي نيرو أول فيلم له مع سكورسيزي، فقال إنه يعود إلى 45 سنة، مشيراً إلى أنهما أنهيا للتو آخر فيلم جمعهما هذه السنة.وقال دي نيرو، عن علاقته بسكورسيزي: "من النعم الكبرى التي حظيت بها في حياتي، أننا اشتغلنا معا في بداية مسيرتنا تقريباً، وها نحن على نفس الدرب، وآمل أن يكون هناك مزيد من العطاء. لا يمكنني أن أتصور كيف كانت ستكون حياتي دون ضربة الحظ هذه". وتحدث المخضرم روبرت عن مهرجان مراكش، فقال إنه يتقاسم معه العديد من الأشياء، لذلك عاد إلى 2001، السنة التي تم فيها إطلاق مهرجان "تريبيكا بنيويورك"، وهي نفس سنة إطلاق مهرجان الفيلم بمراكش، مشيراً إلى أن "كلا التظاهرتين خرجتا إلى الوجود من تحت ظلام الأحداث المأساوية لـ11 سبتمبر". وتابع: "كان هدف مهرجان تريبيكا، جلب الناس من جديد إلى حينا المجروح"، مشيرا إلى أنه حين أطلق العاهل المغربي مهرجان مراكش "لم يكن الهدف، فقط، خلق حدث يهتم بالمواهب السينمائية، بل أن يمد جسراً ثقافياً بين الدول". ثم أضاف: "لقد حققنا نحن الاثنين أهدافنا وأكثر. وفي وقت قصير، شيئا ما، أصبح مهرجانا تريبيكا ومراكش موعدين مهمين في الساحة السينمائية العالمية". ثم عدل دي نيرو من زاوية تناوله، ليبدي أسفه على سياسة بلده، حيث قال: "للأسف، في بلدي نحن نمر بمرحلة غريبة من الوطنية. ليست تلك الوطنية التي تمجد مزايا وتنوع شعبنا، ولكن نوعا شيطانيا من الوطنية يسودها الجشع وكراهية الآخر والأنانية تحت شعار "أميركا أولا". وهذا يناقض ما يجمعنا هنا الليلة. فالفن لا يعترف بالحدود ولا يقصي الآخرين. الفن ليس أنانيا وليس عنصرياً. الفن شمولي يحتفي بتنوع الأصول والأفكار. هنا يجمعنا حب السينما والإنسانية. قد تخذلنا السياسة، ولكن الفن يجمعنا ويعطينا الأمل". يشار إلى أن مهرجان مراكش الذي يتواصل، في دورته الـ 17، اختار الاحتفاء بالنجم دي نيرو، الوجه الأسطوري للسينما العالمية، تكريماً لمسيرته المذهلة.ويعتبر دي نيرو، بمسيرته الاستثنائية، واحداً من أكبر الممثلين في تاريخ السينما والأكثر شهرة في العالم بفضل مشاركته في أفلام لأكبر المخرجين العالميين مثل مارتن سكورسيزي، فرانسيس فورد كوبولا، براين دي بالما، إليا كازان، سيرجيو ليوني، بيرناردو برتولوتشي، مايكل تشيمينو، مايكل مان وكوينتين ترانتينو.وحصد دي نيرو، الممثل والمخرج والمنتج، النجاحات والجوائز منذ بداياته في السينما عند نهاية الستينيات؛ حيث دشن مسيرته تحت إدارة المخرج براين دي بالما بدور رئيسي أثار الانتباه في فيلم "حفلة زواج" عام 1969. لكن موهبته الكبيرة لن تطفو حقاً إلى السطح سوى في "شوارع متوسطة" (1973) لمارتن سكورسيزي. ومنذ تلك السنة، أخذ دي نيرو يراكم الأدوار الكبيرة والمؤثرة، وتحولت أفلامه إلى مراجع حقيقية في السينما العالمية. بل صار ملايين الأشخاص عبر العالم يحفظون مقاطع من حواراته كأقوال مأثورة.وفي 1974، فاز بأوسكار أفضل دور ثان عن أدائه لشخصية "فيتو كارليون" في فيلم "العرّاب 2" لفرانسيس فورد كوبولا. أما "سائق التاكسي" لمارتن سكورسيزي (السعفة الذهبية سنة 1976) فأدخله إلى نادي الكبار ومكنه من الترشح مجددا للأوسكار.وتكرر الأمر ذاته، في 1979، مع "صائد الغزلان" لمايكل تشيمينو. كما نال أوسكاراً جديد وجائزة "غولدن غلوب" عن أدائه لدور بطل الملاكمة "جاك لا موطا" في "الثور الهائج" (1980) لمارتن سكورسيزي. ولتفانيه في عمله، لم يتردد في زيادة وزنه 30 كلغ حتى يكون مناسبا لهذا الدور.وفي بداية الثمانينيات، تم بذلك تكريس دي نيرو، الذي لم يكن يبلغ الأربعين بعد، كواحد من أكبر الممثلين في العالم، ممثل بموهبة فريدة، وكاريزما استثنائية.وفي 2009، حصل على المكافأة الشرفية لمركز كينيدي تكريما لمسيرته، وعلى جائزة "ستانلي كوبريك" من مؤسسة "بافتا" البريطانية. كما نال جائزة "سيسيل بي دي ميل" في "غولدن غلوب" عام 2011. وكان رئيسا للجنة تحكيم الدورة الـ64 لمهرجان "كان" العالمي.ويعتبر دي نيرو، اليوم، ضمن الأساطير الحية للسينما العالمية، بحيث يؤكد حضوره، حسب المنظمين، في مهرجان مراكش "التقدير والثقة اللذين يكنهما للمملكة وللمهرجان الدولي للفيلم بمراكش".