الخميس 15 مايو 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

زنوج المنزل وزنوج الحقل

Time
الأربعاء 03 أبريل 2019
View
10
السياسة
محمد الفوزان

كان الناشط الحقوقي وداعية الحقوق المدنية، مالكوم إكس، يخطب في قومه متحدثاً عن نوعين من العبيد عرفتهما أميركا: زنجي المنزل وزنجي الحقل، وفي تفصيل النوعين قال: أما زنوج المنازل، فقد كانوا يعيشون مع السيد بنفس البيت، وكانوا يلبسون ملابس جديدة، ويأكلون طعاماً جيداً هو طعام السيد نفسه أو ما يتبقى منه، وكانوا يعيشون في سطوح المنزل أو الطابق التحتي، ولكنهم كانوا بالقرب من السيد على الدوام، ولقد أحبّوا السيد ربما أكثر مما أحب هو نفسه، وكانوا على استعداد للتضحية بحياتهم لإنقاذ السيد. إذا قال السيد: لدينا منزل جديد، كان زنجي المنزل يقول:نعم لدينا منزل جديد، وإذا مرض السيد كان زنجي البيت يقول: ما الأمر أيها السيد، أنحن مرضى؟ وإذا أتيت لزنجي المنزل وقلت له:هيا نهرب، فلننج بأنفسنا، نظر إليك قائلاً: ويحك يا رجل! هل جننت؟ ما معنى نهرب؟ أين نجد بيتاً أفضل من هذا؟ أين يمكنني أن أجد ملابس خيراً من هذه؟ وأين أستطيع أن آكل طعاماً خيراً من هذا؟ هكذا كان زنجي المنزل، وللأسف مازال بيننا عبيد من نفس النوع حتى الآن، وزنجي المنزل العصري يحب أن يعيش أيضاً بالقرب من سيده وهو على استعداد لشراء منزل بثلاثة أضعاف قيمته لكي يعيش بالقرب من سيده!
ثم يمضي مالكوم إكس متحدثاً عن النوع الثاني من الزنوج وهو زنجي الحقل: وزنوج الحقل هؤلاء كانوا الجماهير، وكانوا يفوقون زنوج المنازل عدداً، وهم الذين تعرضوا للتعذيب على الدوام، وعندما كانت النار تشب في منزل السيد لم يكونوا يحاولون إطفاء اللهب، بل كانوا يُصلّون لكي تهب الرياح، وعندما كان السيد يمرض كان زنجي الحقل يصلي لموته، وإذا أتى أحدهم لزنجي الحقل وقال له: هيا نهرب، فإنه لم يكن ليقولك إلى أين؟ بل إن أي مكان لهو أفضل من هنا، ونحن لدينا اليوم في أميركا زنوج حقول، أنا زنجي حقل.
عندما أنظر لهذه الخطبة التي ألقاها مالكوم إكس في أنصاره عام 1964 قبل اغتياله بعام واحد، فإنني أجده يتحدث عن نوع من الحياة مألوف تماماً وليس بعيداً عما نعرفه ونراه حولنا. إن عبيد المنزل يعيشون بيننا وهم الذين يقبلون بتدني نوع الحياة وتدهور الخدمات وتوقف التنمية والتطور، وهم الذين يدافعون عن المسؤولين الذين خربوا حياتنا وعاثوا فيها جهلاً وفساداً، كما أنهم ينظرون للتغيير للأفضل على أنه شر وفتنة، ويحمّلون من يسعون إلى الأفضل بالنقد والنصيحة أنهم أهل فتن، وهؤلاء لا تسوؤهم الحياة الذليلة رغم أن معظمهم لا يحصلون على ما كان يحصل عليه عبيد المنازل في أميركا، لكنهم يعتبرون مجرد البقاء على قيد الحياة نعمة يشكَر عليها المسؤولون ! وإلى جانب هؤلاء يوجد زنوج الحقل الذين يرفضون الهوان ويتحملون على مضض الحياة القاسية التي فُرضت عليهم ويحلمون بأي فرصة للفرار من واقعهم البائس، وربما يضطرّون إلى اللجوء السياسي هرباً من واقعهم البائس.
ومن الطبيعي أن السادة البيض يفضلون زنوج البيت ويتخذون منهم إعلاميين مساندين مرتشين ورجال أعمال موالين، وقضاة فاسدين مهمتهم قمع زنوج الحقل، ورغم هذا فإنهم أحياناً يضحّون بهم، فهم في النهاية ليسوا أكثر من عبيد.
آخر الأخبار