الأربعاء 25 يونيو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

زواج المصلحة صفقة يخسر فيها الطرفان

Time
الثلاثاء 20 نوفمبر 2018
View
50
السياسة
القاهرة - محمد إسماعيل:

تبدلت نظرة الشباب والفتيات لأسس اختيار الشريك، فبعد أن كانت قائمة على أساس المودة والرحمة والسكن والألفة والمحبة، وكان الدين والأصل والجمال والأخلاق أهم تلك الأسس التي يبنى على أساسها الاختيار لضمان نجاح واستمرارية هذا الرباط المقدس الذي لا يتحمل أي خلل، بات الشباب يريدها غنية تمتلك المال والقصور والسيارات بغض النظر عن جمالها وسنها وأخلاقها، وأصبحنا نرى شبابا يتزوجون من نساء في سن أمهاتهم، ولم تكن نظرة الفتيات بالأفضل حالا، فبعد أن كن يحلمن بالزوج الشاب الوسيم الرومانسي العاطفي، أصبحن يفضلن الرجل العجوز صاحب الشركات ودفاتر الشيكات والأرصدة المالية والسيارات، وبتنا نرى كل يوم فتاة في عمر الزهور تتزوج من رجل اكبر من أبيها من أجل المال، وبعض الناس على قناعة أن الزواج لا تبنيه العلاقات العاطفية والمشاعر الرومانسية، بل بالارتباط بمن يضمن لهم مستقبلهم المادي في ظل ظروف المعيشة القاسية، وأصبحنا نسمع عن زواج المصلحة الذي صار الأكثر انتشار في مجتمعاتنا العربية.
وأفادت دراسة اجتماعية حديثة أجراها معهد "باوليستا" في مدينة ساو باولو البرازيلية، أن غالبية النساء والرجال بنسبة بلغت 65 في المئة يعتقدون أن زواج المصلحة بدأ يتحول إلى سمة تميز القرن الحادي والعشرين، وأن 70 % من نساء البرازيل يفضلن الزواج من رجال أغنياء من دون أي اعتبار للسن، وبهذا تحتل هذه الدولة المرتبة الأولى في أميركا اللاتينية، من هذه الظاهرة، وأوضحت الدراسة أن نسبة كبيرة من زواج المصلحة تحدث بسبب الحاجة للهروب من واقع ما، وعلى وجه الخصوص واقع الانتساب إلى عائلة فقيرة غير مثقفة همها هو الإكثار من الأولاد وعدم التفكير في مستقبلهم، ويؤيد الكثير من الشبان والفتيات زواج المصلحة ويرون أن الظروف الاقتصادية أو الخوف من العنوسة هما اللذان يفرضانه، وأشارت الدراسة إلى ارتفاع ملحوظ في ظاهرة زواج المصلحة والتي غالبا ما تنتهي بكوارث وصلت نسبتها إلى أكثر من 40في المئة، وأن هذا الصنف من الزواج محاط بالكثير من المخاوف لأن فشله يجلب عواقب مأساوية كما أن عدم الشعور بالرغبة تجاه شخص ما يعني أن على المرأة أو الرجل إجبار نفسها أو نفسه على مشاركة إنسان الحياة الزوجية دون أدنى شعور تجاهه.
وكشفت الدراسة أن الشباب والفتيات في العصر الحالي يستحسنون اختيار زواج المصلحة على زواج الحب ولديهم اعتقاد أن الزواج يجب أن يلبي الاحتياجات المادية دونما النظر إلى الحب والعاطفة لنجاح واستمرار العلاقة، وقالت الدراسة إن الشباب من الجنسين تخلى عن التدقيق في المواصفات الأساسية التي يجب توافرها في شريك الحياة، وظهر على السطح الزواج المبني على المصالح والمنافع الشخصية والخالي من الألفة والتوافق الروحي، وأصبحنا نسمع عن فتيات يوافقن على الزواج من رجال مسنين لكنهم يمتلكون الثروة والسلطة، أو شباب صغير يسعى للزواج من نساء فاتهن قطار الزواج ولكنهن يمتلكن المال الذي يجعلهم يعيشون منعمين، وأشارت الدراسة إلى أن 74 في المئة من حالات زواج المصلحة سواء للابن أو البنت يختارها الأولياء ومنزل الأسرة مكان لقاء شريك الحياة، حيث إن 52 في المئة من حالات زواج المصلحة المسجلة في البحث، كان الأولياء هم من اختاروا زوجة الابن، في حين انه في 22 في المئة من الحالات كان الأهل هم الذين يقترحون البنت، وأن المجال الأسري هو الميدان الوحيد تقريبا للقاء شريك الحياة.. وفي هذا التحقيق نستطلع أراء الرجال والنساء والشباب والفتيات وعلماء الاجتماع والنفس وخبراء الأسرة حول هذا النوع من الزواج وتأثيره على الحياة الأسرية.

تفرضه الظروف
يعارض رجب حسين 53 عاما مدرس ومتزوج ولديه من الأولاد ثلاث، زواج المصلحة، الذي فرضه الهوس بالماديات والتطلعات وتعقد شكل الحياة الاجتماعية وغياب الوعي والظروف الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها الكثير من الأسر العربية، فتحول الزواج من علاقة قائمة علىي المودة والرحمة إلى أخرى تحكمها المصلحة، وحل المال والمنفعة محل الحب والعاطفة، لذا انتشر زواج المصلحة بكل الطرق،فبات الشاب يفضل الموظفة التي تحصل على راتب ربة البيت، فالأولى بالنسبة له تساهم براتبها في نفقات البيت، أما الثانية فليس من ورائها مصلحة، وأصبحت الفتاة وأهلها عندما يتقدم لهم شاب للزواج أول شيء يسألون عنه المال والسكن والسيارة، وهكذا اختلفت معايير وأسس اختيار الزواج الكفء، بسبب كثرة المطالب المادية اللازمة لتأثيث عش الزوجية.
بينما تؤيد رحمة جمال فتاة في العشرينات زواج المصلحة، وترى أن الزواج القائم على الماديات أحيانا يكون الأفضل ومصدرا للسعادة وضروريا لتلبية الرغبة في حياة المتعة والرفاهية، فالمال هو العامل الرئيس في الزواج،والحب وحده لا يكفي لاستمرار الحياة الزوجية.
أما أسماء عبد الرحمن مهندسة 38 عاما وأم لطفلين، فهي ضد زواج المصلحة الذي أصبح سمة العصر الذي نعيش فيه، وترى أن الارتباط القائم على هذا النوع من الزواج مصيره الفشل والطلاق بعد أن يحصل أحد الطرفين على ما يرغب فيه ويخطط له، لأنه مبني على أساس المصلحة والمال، وليس مبنيا على الحب.
أحمد ممدوح شاب غير متزوج يبلغ من العمر 22 عاما، يؤيد زواج المصلحة الذي يعتبره بعض الشباب والفتيات الوسيلة الوحيدة للتخلص من جحيم الفقر وأعباء الزواج والظروف الاجتماعية الصعبة والحصول على المال والنفوذ والسلطة، وأنه شخصيا يرغب في الزواج من فتاة عاملة أو امرأة ثرية لتسانده في تسيير أمور الحياة ومواجهة التحديات، فالزوجة الموظفة تخفف العناء والتكاليف العالية، وهذه مصالح مشتركة مشروعة لتمضي الحياة، فما الضرر الذي ينتج عن زواج المصلحة إذا كان قائما على الصراحة والوضوح والاحترام المتبادل؟

زواج غير متكافئ
يؤكد الدكتور أسامة محمود أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، أن زواج المصلحة يفتقد شروط التكافؤ والتوافق في المستوى الاجتماعي والطبقي والتعليمي والعمري،ومبني على الطمع والاستغلال والانتهازية ولا يؤدي للاستقرار النفسي والعاطفي، ويقوم على أساس مادي ويهدف لتحقيق نقلة اجتماعية وتطلعات طبقية، وغالبا ما تكون نهايته الانفصال والطلاق، فتجد شابا من عائلة فقيرة يقبل على الزواج بامرأة من عائلة غنية أكبر من أمه في السن طمعا فيما تملك من مال وثروات. وفتيات يتزوجن من رجال في عمر آبائهن وأخريات يتركن الدراسة للزواج من رجل غني، وهناك مجموعة كبيرة من الأسباب أبرزت هذا النوع من الزواج في مقدمتها الفقر والبطالة والظروف المعيشية الصعبة وعدم تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس وقلة الوعي وضعف الوازع الديني والتنشئة الخاطئة القائمة على الطمع والجشع والانتهازية والاعتماد على الآخرين.
وأضاف : أساس الزواج المحبة والانسجام والتوافق، لكن الشباب أصبح يفضل المرأة العاملة لتحمل الأعباء الاقتصادية معه، والفتيات أصبحن يرغبن في الرجل العجوز الجاهز ميسور الحال الذي يوفر لهن الرفاهية التي يتمنينها ويحلمن بها، والقافلة الزوجية التي تسير في المسار غير الطبيعي ولا تحكمها القواعد والأسس الايجابية تكون هشة ولا تصمد في وجه الأزمات، ولا تستمر لوقت طويل، كونها مبنية على أسس استغلالية ونفاق وبمجرد حصول الطرف المستغل على مراده سوف تبدأ نهاية الزواج، فزواج المصلحة لا يؤدي أهداف الزواج المعروفة سواء فيما يتعلق بإنجاب الأطفال وتكوين أسرة متماسكة.ويعزو الدكتور أسامة ظهور زواج المصلحة وانتشاره في المنطقة العربية للتربية والتنشئة الخاطئة وغرس الأنانية والانتهازية والطمع وطغيان حب الذات والاستهتار بالمسؤولية والابتعاد عن القيم والمبادئ والمثل الطيبة كالعطاء والإيثار، كما أن وراء ظاهرة زواج المصلحة الربح السريع للمال، وحب الوصول للغنى بطريقة سهلة وقصيرة. ويحذر خبراء العلاقات الأسرية والدراسات الاجتماعية من تنامي ظاهرة زواج المصلحة الذي فرضه مستوى المعيشة المتدني، فصار الكل يبحث عن الاستقرار المادي والذي غالبا ما ينتهي بانقضاء المصلحة، كما أن آثاره السلبية تبقى مرسومة في حياة الشريكين.

ضغوطات
يقول الدكتور شريف توفيق استشاري الصحة النفسية: الزواج يبنى على أساس التفاهم والالتقاء الروحي والنفسي والإنساني بين الزوج والزوجة، أما إذا أسس على الأنانية والأطماع المالية والمنفعة الشخصية، فإنه يشير إلى أن طرفي العلاقة يعانيان من ضغوطات واضطرابات نفسية كالنقص والأنانية وحب الذات والاتكالية والإحساس بالدونية والقلق والتوتر وضغوط عصبية ويمثل أسوأ أنواع الانحطاط الأخلاقي، وزواج المصلحة تتعدد صوره وأشكاله، وأصبح ظاهرة مستشرية بمجتمعاتنا العربية يلجأ إليها بعض شرائح المجتمع الذين يغلبون مصالحهم المادية على عواطفهم ومشاعرهم. وغالبا ما يترتب على زواج المصلحة إقامة علاقات خارج إطار الزواج، لأنه ليس عن حب في الغالب، بل لتحقيق مركز اجتماعي مرموق، وبمجرد الوصول لمكانة اجتماعية ما، يحدث الانفصال، وعلى كل من يجهز نفسه للزواج أن يبتعد عن منفعته المادية من هذا الزواج، مهما كانت الغاية التي سيحققها منه، فالعلاقة بين أي زوجين يفترض أن تقوم على المودة والرحمة والتعاون، والسعي لتحقيق أحلامهما وتطلعاتهما بجهدهما.
ويقول الدكتور ياسر القاضي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: الإسلام رغب في الزواج بصور متعددة، وبين أنه آية من آيات الله في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) وقد يقبل البعض على الزواج بغرض تحقيق بعض المصالح المادية أو ما يعرف بزواج المصلحة، خوفا من الاضطلاع بتكاليفه، وهروبا من احتمال أعبائه، فيلفت الإسلام نظره إلى أن الله تعالى سيجعل الزواج سبيلا إلى الغنى، وأنه سيحمل عنه هذه الأعباء ويمده بالقوة التي تجعله قادرا على التغلب على أسباب الفقر. يقول الحق تبارك وتعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) وفي حديث الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف." ويقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها. "فنجد هنا الدين قد شرع الارتباط بصاحبة أو صاحب المال، وأجاز ذلك ولكن ألا يكون هو الغرض الوحيد والأساسي من الارتباط بل لغرض الإنجاب والحياة الزوجية السعيدة والديمومة أيضا، فمن شروط الزواج الاستمرارية بهذه العلاقة وألا تكون النية الزواج والارتباط لمدة قصيرة ومن ثم الإهمال وإنهاء العلاقة.
آخر الأخبار