يوسف وهبي وضعها على خريطة "الهوانم" في "غرام وانتقام"تسرعت في الزواج فقبض عليها ضمن عصابة تهريب المخدراتأدمنت الخمر وحاولت الانتحار بسبب لهو ابنتها في إيطالياجسَّدت شخصيتها الحقيقية في عملها الأخير "القضية رقم 1"القاهرة - آية ياسر:حين يُذكر اسم الفنانة المصرية زوزو ماضي، فإن جمهور السينما العربية سيتذكر على الفور أدوار الأرستقراطية الحازمة، الأم وزوجة الأب القاسية، الثرية اللعوب التي تسعى لخراب البيوت، ورغم أنها لم تصل إلى البطولة المطلقة، وظلت تؤدي أدوار السنيد، إلا أنها كانت من ألمع الفنانات في هذه النوعية من الأدوار، التي جسدتها ببراعة في الأفلام منذ نهاية الثلاثينات وحتى أوائل ثمانينات القرن الماضي، كانت خلالها ولا تزال "أيقونة" الطبقة الأرستقراطية في السينما المصرية.تكشف "السياسة" في هذه الحلقة الكثير عن رحلة زوزو الفنية الطويلة وسبب تألقها والمحن التي عاشتها وأبعدتها عن الشاشة وغيرها.كان الظهور السينمائي الأول للفنانة زوزو ماضي، في العام 1938 عندما أدت أول أدوارها كسنيدة في فيلم "يحيا الحب"، للمخرج محمد كريم، حيث جسدت شخصية شقيقة بطل الفيلم الموسيقار محمد عبدالوهاب، في حين كانت البطولة النسائية للمطربة ليلى مراد.لم تأت هذه المشاركة إلا بعد صراعٍ مع والدها تاجر الأقطان الثري، الذي رفض فكرة عملها بالفن ومنعها من مغادرة المنزل، بل سارع بزواجها وهي صغيرة من ابن عمها الذي لم تكن تحبه، وأنجبت منه طفلين، ورغم ذلك ظل حلم التمثيل يراودها، حتى قرأت في مجلة "الصباح" عن مسابقة للوجوه الجديدة للعمل مع المخرج محمد كريم في فيلمه الجديد مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، فأرسلت صورتها، وعند عرض الصور على المخرج محمد كريم اختارها دون غيرها، وكانت سعادتها كبيرة عندما عرفت أن الاختيار وقع عليها، لكنها صدمت عندما وجدت أن عملها بالفيلم إذا نجحت في اختبار الكاميرا مشروط بموافقة والدها أو من يتولى أمرها، فظلت تلح على زوجها حتى وافق بسبب حبه لها وخوفا من أن يفقدها، وبالفعل سافرت إلى القاهرة وخضعت للاختبار الذي نجحت فيه وتم قبولها للعمل بالفيلم، فاستأجرت شقة قريبة من الستديو إلى أن انتهت من تصوير دورها.تمكنت زوزو، من أن تلفت الانتباه بشدة بعد عرض الفيلم في دور السينما، فجاءتها عروض عدة لتقديم أعمال مسرحية وبالفعل التحقت بفرقة الشاعر خليل مطران "الفرقة القومية" ثم تركتها لتنضم إلى "فرقة رمسيس" في العام 1940، وظلت تشارك في أعمال الفرقة أمام صاحبها الفنان يوسف وهبي، الذي عرض عليها في العام 1944 العودة مجددا إلى التمثيل السينمائي في فيلم من إخراجه، وافقت وعادت ثانية لمواجهة كاميرا السينما وجسدت شخصية الأرستقراطية "عنايات هانم" في فيلم "غرام وانتقام"، ليكون يوسف وهبي أول من وضعها على طريق هذه النوعية من الأدوار بعد أن أدرك موهبتها من خلال عملها المسرحي معه، وما أن عرض الفيلم حتى حقق نجاحاً مبهراً، وبدأ نجمها يسطع في السينما إثر إشادة الجمهور والنقاد بها، مما دفع مدير "ستديو مصر" حسني نجيب أن يرشحها للمخرج إبراهيم عمارة بعد خلاف مع الفنانة فاطمة رشدي والتي كانت أشهر منها في ذلك الوقت، لتحل محلها في فيلم "الزلة الكبرى" العام 1945، أيضا وقع عليها الاختيار بعد ما حققته من نجاح لتشارك في فيلم "العقاب" في 1948."الأسطى حسن"مضت زوزو ماضي، قُدماً في طريق الفن، مقدمة شخصية ذات العواطف الدافئة، في فيلم "قتلت ولدي" في العام 1945، بطولة أنور وجدي، وإخراج جمال مدكور، ثم دور الزوجة الخائنة اللعوب، لتتوالى أدوارها بعد ذلك في العديد من الأفلام ومنها فيلم "أولاد الشوارع" سنة 1951، تأليف وإخراج وبطولة يوسف وهبي، فيلم "حكم القوي" في العام نفسه، للمخرج حسن الإمام، فيلم "أمريكاني من طنطا" العام 1954، الذي جسدت فيه شخصية زوجة نصاب، وبين هذين الفيلمين قدمت دورا من أهم أدوارها من خلال فيلم "الأسطى حسن" أمام الفنان فريد شوقي وهدى سلطان، حيث جسدت شخصية سيدة المجتمع الراقي التي تعيش في فيلا بحي الزمالك، وتعجب بالأسطى حسن ابن حي بولاق الشعبي، بعد أن لفت جسمه القوى انتباهها وهو يقوم بتركيب بعض الديكورات في فيلتها، فتنجح في إغرائه ويتورط معها في علاقة محرمة ويهجر منزله."الطريق المسدود"لم تأت براعة زوزو، في تقديم أدوار المرأة الارستقراطية من فراغ، فهي ولدت بمحافظة بني سويف جنوب مصر في 14 ديسمبر 1914، لأسرة مسيحية ثرية ذات جذور لبنانية من عائلة أبو ماضي، التي ينتمى إليها الشاعر اللبناني الشهير إيليا أبو ماضي، فهو حسب تصريحها في أكثر من لقاء ابن عم أبيها، علاوة على أنها تجيد التحدث بثلاث لغات أجنبية وماهرة في عزف البيانو، فأهلتها هذه النشأة بجانب ملامحهما أن تكون من أنجح الممثلات اللاتي قدمن هذه النوعية من الأدوار، خصوصا بعد أن أعطت كل اهتمامها للفن عقب نجاحها في الحصول على الطلاق في منتصف الخمسينات.يسجل التاريخ لهذه الفنانة أنها أول من جسد دور الثرية في أول فيلم مصري سكوب ملون، وهو الفيلم الاستعراضي الغنائي "دليلة" في العام 1956، للمخرج محمد كريم، بطولة شادية، عبدالحليم حافظ، رشدي أباظة، حيث أدت دور الارستقراطية "فكرية هانم"، التي تساعد بطل الفيلم الشاب الفقير الذي يهوى الموسيقى والتلحين، وتقنعه بأن يستأنف مشواره الفني الراقي بعد انتحار حبيبته، وتتولى تقديمه لمدير الإذاعة وضيوفها في الأوساط الراقية.وقد أقبل الجمهور على مشاهدة الفيلم لرغبته في حضور السينما بالألوان ولحبهم الكبير للفنانين عبدالحليم حافظ وشادية، فإذا بكل من شاهد الفيلم يتحدث عن زوزو ماضي وكيف أبهرت الجمهور بأدائها، ليزداد الإعجاب بها في العام التالي عندما شاركت في رائعة المخرج صلاح أبو سيف "الطريق المسدود" قصة إحسان عبدالقدوس، سيناريو وحوار نجيب محفوظ، حيث كشفت عن تميزها رغم وجودها وسط كوكبة كبيرة من نجوم السينما مثل فاتن حمامة، أحمد مظهر، شكري سرحان، وذلك عندما جسدت ببراعة دور الأم اللعوب، التي فتحت بيتها لسهرات الرجال ومجالس الخمر.ونتيجة قدرتها الكبيرة على التقمص وإجادتها دور اللعوب الذي قدمته كسنيد في أفلام عدة، صدقها الجمهور لدرجة جعلتها تتعرض لمواقف محرجة عندما كان البعض يلتقي بها في مكان عام، بل أنها عانت من المحيطين بها، خصوصا الزوجات اللاتي كن يتعاملن معها بعدائية بسبب غيرتهن على أزواجهن منها لظنهن أنها كما في الأفلام "خرابة بيوت" و"خاطفة أزواج".الملهمةالمدهش في الأمر أن الفنانة زوزو، التي كان يراها البعض نتيجة أدوارها السينمائية "خرابة بيوت"، تردد أنها كانت ملهمة الشاعر الكبير د.إبراهيم ناجي، وأنه كان يحبها ونظم فيها قصيدته الشهيرة "الأطلال" التي غنتها أم كلثوم، وهي لم تنف أو تؤكد ذلك عند سؤالها عن ذلك، لكنها أكدت تواصلهما معا سواء من خلال رسائل عديدة متبادلة بينهما أو من خلال لقاءات تجمعهما، كاشفة أنه بدأ بمراسلتها أولا عندما شاهد صورتها عند زوجة أخيه محمد ناجي، وهي كانت على صداقة وطيدة بها، خصوصا بعد أن عرف أنها مثقفة ومتذوقة للشعر.محنة السجنابتعدت زوزو، عن التمثيل لفترة بسبب محنة كبيرة تعرضت لها كادت تجعلها تقضي سنوات عمرها خلف قضبان السجن، وبدأت هذه المحنة بعدما تسرعت في الزواج من رجل الأعمال كمال عبدالعزيز، بعد عشرة أيام فقط من معرفتها به، لتفاجئ بعد تسعة أشهر من زواجهما بإلقاء القبض عليها وزوجها ضمن عصابة لتجارة وتهريب المخدرات، وفي الحبس الاحتياطي قضت زوزو تسعة أشهر عصيبة، حتى برأتها المحكمة وأفرج عنها في مارس 1957، بينما قضت بالأشغال الشاقة المؤبدة على زوجها كمال عبدالعزيز، الذي حصلت على الطلاق منه بعد عام.
بعد حصولها على الطلاق، استأنفت نشاطها بالتعاقد على المشاركة في أربعة أفلام جديدة، وعادت زوزو، لتلعب دور الثرية، مقدمة شخصية "ملك هانم"، في الفيلم الرومانسي "سيدة القصر" العام 1958، للمخرج كمال الشيخ، بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف، وفي هذا الفيلم تطل زوزو، كامرأة حقودة محبة للسهرات لا تفارق الكأس يدها، وواحدة من رفقاء السوء لبطل الفيلم، الذين يخططون للإيقاع بينه وبين زوجته.لم تكد زوزو، تفرح بنجاح الفيلم وعودتها للأضواء مرة أخرى، حتى واجهتها محنة جديدة، حين سافرت ابنتها إيفون إلي إيطاليا، سعيا للعمل في تصميم الأزياء وتحقيق حلمها بالشهرة فيه، خصوصا بعد حصولها على لقب ملكة جمال، حتى أنها ضحت بالعمل في الفن الذي كان متاحا أمامها من أجل هذا الحلم، إلا أن زوزو صدمت عندما وصلتها أخبار أن إيفون تعيش في إيطاليا حياة اللهو، فسعت بكل جهدها لكي تعيدها إلى مصر، لكنها فشلت في ذلك، فدفعها حزنها وخوفها على ابنتها إلى إدمان الخمر، بل تفاقمت أزمتها عندما حاولت الانتحار بحبوب منومة لكن خادمتها أنقذتها.التف المقربون منها حولها، وظلوا معها حتى تجاوزت أزمتها، وعادت بعدها إلى الجمهور في دور سنيد جديد، من خلال فيلم "الزوجة العذراء" العام 1958، إخراج السيد بدير، مجسدة شخصية الأرملة أم بطلة الفيلم فاتن حمامة.تألقت زوزو ماضي، مجددا في أدوارها، فمن ينسي دورها في فيلم "سكر هانم" الذي قدمته سنة 1960، ويعد أحد أروع أفلام الكوميديا المصرية، من إخراج السيد بدير، ولعب بطولته عبدالمنعم إبراهيم وكمال الشناوي وعمر الحريري، ففي هذا الفيلم جسدت شخصية عمة البطل الثرية "فتافيت السكر هانم" الحقيقية، التي ينتحل شخصيتها عبدالمنعم إبراهيم، بالاتفاق مع أصدقائه، وتتوالى الأحداث المليئة بالمفارقات والمواقف الكوميدية حتى تظهر فتافيت السكر الحقيقية. أيضا من أشهر الأفلام التي شاركت فيها زوزو ماضي، فيلم "يوم من عمري" العام 1961، بطولة عبدالحليم حافظ، زبيدة ثروت، إخراج عاطف سالم؛ حيث أدت دور زوجة الأب المليونير، التي ترغب في تزويج البطلة "نادية" من شقيقها دون موافقتها، فتهرب من المطار."شفيقة القبطية"لعبت زوزو، مجدداً دور سنيد في فيلم "شفيقة القبطية" العام 1962، للمخرج حسن الإمام، بطولة هند رستم، وجسدت فيه شخصية "عايدة هانم"، زوجة الباشا رئيس الوزراء الذي كان العشيق الأكبر للراقصة المعروفة شفيقة القبطية، ومع تألقها في الدور الذي أسنده إليها المخرج نيازي مصطفى، كزوجة السياسي المهم، أطلت في فيلم "جناب السفير" عام 1966، بطولة سعاد حسني وفؤاد المهندس، مجسدة دور زوجة المناضل الثوري الذي عُين بعد قيام الثورة سفيرا لدولة فيحان في مصر، لتواصل رحلتها مع دور الهانم، فأدت في فيلم "الخروج من الجنة" العام 1967، للمخرج محمود ذو الفقار، دور الارستقراطية خديجة هانم، خالة بطل الفيلم الفنان فريد الأطرش. بعد سنوات وتحديدا في العام 1973 شاركت زوزو في فيلم "البحث عن فضيحة" مع الفنانين عادل إمام وسمير صبري وميرفت أمين، ورغم قصر دورها في العمل لكنه أظهر قدرتها على التمثيل والمعايشة، حيث جسدت دور الارستقراطية والدة الفنانة زيزي البدراوي، ويبدو أنه في السنوات التالية جعلها المخرجون أسيرة لدور الهانم الارستقراطية، فقدمت هذه الشخصية أيضا في فيلم "ومضى قطار العمر" العام 1975، للمخرج عاطف سالم، ثم شاركت أوائل الثمانينات بفيلم "موعد على العشاء"، للمخرج محمد خان، مع سعاد حسني وحسين فهمي.الظهور الأخيربعد رحلة طويلة مع السينما والتألق في أدوارها جاء دورها في فيلم "القضية رقم 1" ليسدل الستار وتغيب بعده للأبد عن الكاميرا، إذ جسدت زوزو في الفيلم دور "زينب هانم"، والغريب أنها في فيلمها الأخير، وجدها الجمهور على عكس المألوف في أدوارها السابقة التي أظهرت براعتها في أداء الأم المسيطرة والمتسلطة، فكانت مفاجأة كبيرة لهم في هذا العمل، إذ كانت أماً شديدة الحب لأولادها تُفضّل سعادتهم الشخصية على سعادتها، بجانب لطفها الشديد مع زوجة ابنها واهتمامها بمشاعرها ودعمها وكأن القدر أراد أن تنهي حياتها الفنية بشخصيتها الحقيقية، التي خاصمتها في أفلامها السابقة بسبب براعتها في معايشة شخصيات بعيدة تماما عنها.لم تقتصر أعمال الفنانة زوزو ماضي، على السينما التي اشتهرت فيها بهذه النوعية من الأدوار، وقدمت خلالها نحو 76 فيلماً، لكنها برعت أيضا في الدراما التلفزيونية، حيث قدمت نحو 22 مسلسلاً تلفزيونياً منها "الجنة العذراء، الأبواب المغلقة، بستان الشوك، أشجان"، بجانب رحلتها الطويلة مع المسرح والتي قدمت له نحو 70 مسرحية منها "أوديب ملكا، الست هدى، النائب العام، بنات الريف، لوكاندة الأنس، قطر الندى، ابن مين فيهم، راسبوتين، الأستاذ كلينوف، كرسي الاعتراف، نرجس" وغيرها من الأعمال التي قدمتها سواء مع فرقة رمسيس بجانب أستاذها يوسف وهبي أو غيرها من الفرق المسرحية التي تعاملت معها على مدار حياتها، وعلاوة على ذلك فقد خاضت العمل بالدراما الإذاعية فقدمت العديد من المسلسلات لعل أشهرها "نادية" و"شيء في صدري"، قبل أن ترحل عن الدنيا في 9 أبريل 1982، عن عمر يناهز 67 عاماً.

زوزو ماضي

مشهد مع عبدالوارث عسر

زوزو وأحمد مظهر

مشهد مع حسن فايق

زوزو مع هدى سلطان في أحد أفلامها

يوسف وهبي اختار لها اللون الفني

مشهد من أحد أفلامها

زوزو سجينة بسبب زوجها