نجمات الشباك (2 من 14)القاهرة ـ ريهام غزال:نجمة استثنائية منذ ظهورها الأول، تمتلك موهبة فذة وقدرات مّكنتها من خطف قلوب الملايين بالعالم العربي، ترقص، تغني وتمثل، بنفس المقدرة التي أدهشت الجمهور، إنها السندريلا سعاد حسني، التي وهبها الله الجمال والأنوثة والبراءة وخفة الظل وروح ممتلئة بالمرح والبهجة لتصبح حلم كل شاب وصديقة كل فتاة. لم تكن كغيرها من الفنانات اللاتي قضين سنوات في السينما لتحقيق النجاح والشهرة، سعاد بدأت نجمة منذ الإطلالة الأولى لها في السينما وهي في عامها الـ17، بفيلم "حسن ونعيمة"، الذي لعبت فيه دور "نعيمة"، التي تقع فى حب محرم فؤاد، "المغني الفقير"، واستطاعت بحضورها الطاغي أن تحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، وكان بمثابة شهادة ميلاد لنجومية لم تفارقها فيما بعد.
* قدمت 85 فيلمًا خلال مشوارها المميز أولها "حسن ونعيمة"* تزوجت 5 مرات... ولم تحب إلا عبدالحليم حافظ* وزير الداخلية منع عرض "أهل القمة" والسادات أعاده لدور السينما * مخرج "الكرنك" رفض أحمد زكي، فمنحته بطولة "شفيقة ومتولي"* فشل "الدرجة الثالثة" تسبب في تدهور حالتها النفسية والصحية
أكثر من فيلم جمعها مع عادل إمام

سعاد حسني تتوسط أحمد رمزي وفؤاد المهندس
شاركت سعاد في "حسن ونعيمة" بمحض الصدفة، حينما شاهدها الشاعر عبدالرحمن الخميسي، مؤلف الفيلم في منزلها باعتباره صديق مقرب لعائلتها، ولاحظ حضورها الملفت وخفة ظلها، فقال: "هذه البنت نجمة"، ورشحها على الفور لبطولة الفيلم، ليفٌتح لها باب الشهرة على مصراعيه، حيث توالت الأعمال والبطولات في رحلة فنية دامت 32 عامًا، استحوذت خلالها على لقب "سندريلا الشاشة العربية"، ورغم رحيلها في حادثة شهدت ملابسات كثيرة حول حقيقة انتحارها، ظلت الدلوعة التي بدأت حياتها بالنجومية وقدمت 85 فيلمًا وانتهت بالانتحار.الموهبة التي امتلكتها سعاد استمدتها من عائلة فنية، فقد ولدت في القاهرة، لأم مصرية وأب سوري، جدها حسني البابا، مغني معروف في دمشق، ووالدها محمد كمال حسني البابا، الخطاط الدمشقي الشهير، وعمها الفنان أنور البابا، الذي عمل في الإذاعة والتلفزيون، وشقيقتها المطربة نجاة الصغيرة، نشأتها كانت ثرية وسط أصدقاء والدها الذين يترددون على المنزل، لا سيما أنها مولعة بالفن والسينما وعاشقة للتقليد.رغم بدايتها كنجمة شباك؛ إلا أنها لم تكن تتعامل بهذا المنطق، كانت تفكر فقط في الفن ويحركها عشق التمثيل والرغبة في تقديم الأدوار المتنوعة، لتشارك بفيلم "البنات والصيف" مع المخرج صلاح أبو سيف، ولم يكن دورًا قويا مثل "حسن ونعيمة"، ثم "غراميات امرأة" في ثاني مشاركة مع الفنان كمال الشناوي بدور البطولة، "مال ونساء" مع المخرج حسن الإمام، وفي العام ذاته قدمت فيلم "إشاعة حب" الذي شهد التعاون الأول مع الفنان عمر الشريف، وحقق نجاحًا كبيرًا بمشاركة العملاق يوسف وهبي بإدارة المخرج فطين عبدالوهاب، ثم تلاه "ثلاثة رجال وامرأة"، "مفيش تفاهم"، "السبع بنات"، "السفيرة عزيزة"، "أعز الحبايب"، و"عائلة زيزي"، لتثبت أنها لا تبحث عن البطولة؛ بل عن الفن والتمثيل، وفي كل عمل تقدمه تفرض نفسها أمام النجوم، ومع كل فيلم تظهر موهبتها الاستثنائية أكثر وتطغى الكاريزما التي تتمتع بها على من حولها، فتخطف الأضواء وتستحوذ على شاشة السينما، علاوة على أنها استطاعت في فترة الستينات وحدها أن تشارك في 55 فيلًمًا و3 مسلسلات إذاعية، رغم أنها كانت لا تزال في العشرينات. بل استطاعت أن تضع بصمة في تاريخ الفن، حيث تحتفظ بـ 8 أفلام ضمن قائمة أفضل مائة فيلم مصري."صغيرة على الحب"ظلت سعاد لسنوات في عيون الجمهور ممثلة جميلة تريد الرقص والغناء والحب، لتفاجئ الجميع بدور صادم عن امرأة سيئة السمعة بفيلم "القاهرة 30"، العام 1966، قصة الأديب نجيب محفوظ وإخراج صلاح أبو سيف، لكن فى العام نفسه تعود للفتاة الدلوعة في "صغيرة على الحب" مع الفنان رشدي أباظة، ولم تقف عند هذا التحول؛ بل ذهبت إلى دور الفلاحة في "الزوجة الثانية" الذي تناول قصة من الريف، ولعبت دور البطولة أمام شكري سرحان وصلاح منصور، وهكذا كانت التحولات الفنية، التي تثبت موهبتها أكثر.مع تقديم سعاد حسني لأغلب الشخصيات المتنوعة خلال الستينات، بحثت في السبعينات عن هدف جديد وهو النضج الفني، فلم تعد الشابة التي تريد تقديم جميع الأدوار؛ بل تجسيد شخصيات تخلد في ذاكرة التاريخ، فقدمت حينذاك 18 فيلمًا فقط، وهو عدد قليل جدا مقارنة بما قدمته في الستينات، إذ جعلها عشقها للفن لا تكتفي بالأدوار التي تحقق نجاحًا جماهيريًا فقط، بل تريد متعة الأدوار الصعبة، وهذا ما فعلته خلال السبعينات، لتشارك في فيلم "الكرنك" عن رواية نجيب محفوظ وإخراج علي بدرخان، عن مجموعة من الشباب الجامعي يتعرضون للتعذيب في المعتقل، وقد تعرض الفيلم للممارسات القمعية من قبل المخابرات آنذاك، لكنه خرج إلى النور بعدها ليصبح من أهم الأفلام في تاريخ السينما. وتطل السندريلا مرة أخرى بفيلم سياسي آخر "غروب وشروق"، الذي تقع أحداثه في أعقاب حريق القاهرة والاعتقالات التي قام بها البوليس السياسي وقتها، ثم تذهب إلى الأدوار المعقدة في "شفيقة ومتولي" مع المخرج علي بدرخان، العام 1978، وهو اللقاء الأول مع الفنان أحمد زكي، بعد استبعاده من دور البطولة أمامها في "الكرنك" بسبب جسده النحيف ولونه الأسمر، لكنها كانت تشعر بموهبته وعشقه للفن، لذا لم تتردد في مشاركته أمامها بفيلم "شفيقة ومتولي" وهي النجمة الشهيرة وهو في بدايته."الاختيار"في ظل الأدوار المعقدة والأفلام السياسية تظهر سعاد بدور مختلف تمامًا في "خلي بالك من زوزو" العام 1972 بالاشتراك مع حسين فهمي وتحية كاريوكا، وحقق نجاحًا كبيرًا ودام عرضه سنة كاملة من إخراج حسن الإمام وسيناريو وحوار صلاح جاهين، ثم عادت لتشترك معهما ثانية في "أميرة حبي أنا" وحقق أيضًا نجاحًا خياليًا، لتستأنف بعدها الأدوار الصعبة في "الاختيار" مع المخرج علي بدرخان، عن رواية نجيب محفوظ، وتذهب للاختلاف التام بـفيلم "أين عقلي" مع المخرج عاطف سالم والسيناريست رأفت الميهي، عن رواية إحسان عبدالقدوس، عن فكرة تحرر الفتيات وعلاقاتها قبل الزواج وتعارض ذلك مع العادات والتقاليد، ورشح الفيلم حينها لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، العام 1974.خلال رحلتها، اثبتت سعاد حسني أنها قادرة على تجسيد أصعب الشخصيات، وتحولت بهذه الأدوار إلى نجمة استثنائية نالت العديد من الجوائز أبرزها، أفضل ممثلة من المهرجان القومي الأول للأفلام الروائية العام 1971 عن دورها في "شروق وغروب"، وأفضل ممثلة من جمعية الفيلم المصري 5 مرات عن أفلام "أين عقلي"، "الكرنك"، "شفيقة ومتولي"، "موعد على العشاء"، "حب في الزنزانة" وجوائز أخرى عديدة وتكريمات يصعب حصرها.التوهج الأخيرعلى مدار عقدين كاملين تربعت سعاد حسني، على عرش نجمات الشباك في السينما، لكن في الثمانينات ومع تقدمها في العمر، اعتقد البعض أنها توارت وخفت توهجها؛ لكن موهبتها الاستثنائية لم تكن وصلت إلى التوهج الكامل بعد، فقد كان لا يزال في جعبتها الكثير، حيث لعبت أدوارًا أكثر اختلافًا وتنوعًا لتصبح فترة الثمانينات الأكثر تألقًا بداية من فيلم "موعد على العشاء" مع المخرج محمد خان، ثم "أهل القمة" مع علي بدرخان عن رواية نجيب محفوظ، وقد منع الفيلم من العرض من قبل وزير الداخلية بسبب انتقاده سياسة الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس أنور السادات، لكنه ُعرض بأمر من الرئيس نفسه دعمًا منه لحرية الإبداع. كما قدمت بتألق كبير شخصية "فريدة" في "القادسية" مع المخرج صلاح أبو سيف، وانطلقت إلى التجديد في "المشبوه" من خلال اللقاء الأول مع عادل إمام، وفاز الفيلم بجائزة جمال عبدالناصر التذكارية العام 1982. وبذكائها استطاعت وسط هذه الأفلام الدرامية أن تبحث عن الاختلاف فعادت إلى الكوميديا بفيلم "غريب في بيتي" أمام نور الشريف، الذي تناول حياة لاعب كرة القدم، وحقق نجاحًا كبيرًا، وأثبتت سعاد من خلاله أن الموهبة أقوى من العمر، والنجمة الاستثنائية تستطيع النجاح دائماً.فشل واكتئابإن الموهبة الحقيقية التي تمتعت بها سعاد جعلتها تشعر بكل فنان موهوب يمتلك قدرات فنية مختلفة، وهذا ما وجدته في عادل إمام، لتشارك معه مرة أخرى بفيلم "حب في الزنزانة"، الذي حقق نجاحًا كبيرًا ونال جائزة أفضل فيلم من المركز الكاثوليكي العام 1984، ثم قدمت "أفغانستان لماذا؟"، الذي تناول الاحتلال السوفيتي لأفغانستان وكفاح الشعب ضد الاحتلال، "عصفور الشرق" لتوفيق الحكيم وبطولة نور الشريف، "الجوع" مع المخرج على بدرخان عن رواية نجيب محفوظ، ثم عادت للتعاون مع أحمد زكي في فيلم "الدرجة الثالثة" بعد "شفيقة ومتولي" و"موعد على العشاء"، وهنا كانت الصدمة لفشل الفيلم في دور العرض، مما أصاب سعاد بحالة اكتئاب، فكيف لها أن تتعرض للفشل الجماهيري، ولأول مرة تشعر بأن موهبتها خذلتها؛ خصوصا أنها لم تكن تتحرك بالحسابات الفنية ولا تحكمها في اختياراتها للأعمال التي تجسدها؛ بل تترك الأمر لإحساسها وموهبتها، كان الفشل صدمة لم تتحملها، وقررت الابتعاد عن السينما.استمرت القطيعة مع السينما فترة، حتى عرض عليها أحمد زكي فيلم "الراعي والنساء" العام 1991، مؤكدًا أنها لن تفشل هذه المرة وستعود إلى التوهج كنجمة شباك مثلما كانت على مدار 30 عامًا، وبالفعل حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا واستطاعت أن تعود لقمة نجاحها، لكنها قررت الانسحاب وهي على عرش نجومية الشباك، فقد أدركت أنها لن تستطيع تحمل الفشل مرة أخرى بعد "الدرجة الثالثة"؛ لأنها تعودت النجاح والتألق منذ أول عمل لها ولا ترضى إلا أن تكون نجمة استثنائية.تجربة وحيدةعشق سعاد حسني للسينما جعلها لا ترى غيرها، لذلك لم تشارك في أعمال مسرحية؛ حتى مشاركتها في الدراما التلفزيونية جاءت متأخرة ولم تكن لها سوى تجربة وحيدة في مسلسل "حكايات هو وهي" وشجعها على المشاركة فيه أن البطل أمامها أحمد زكي، الذي تؤمن بموهبته وقدراته الفنية، علاوة على توأم روحها الشاعر صلاح جاهين، فقد كان صاحب السيناريو والحوار ومؤلف أغنيات المسلسل الذي حقق نجاحًا غير مسبوقً، عندما عرض في شهر رمضان العام 1985، خصوصا أنها جسدت شخصيات متعددة خلال أحداث المسلسل، الذي تناول حكايات متعددة بشكل استعراضي، ورغم هذا النجاح لم تكرر التجربة، لأنها لا تحب إلا السينما.الحب والزواجرغم النجاح الكبير لسعاد حسني في الفن؛ إلا أنه لم يحالفها في الحياة الشخصية، حبها للتمثيل جعل قلبها ينبض بالحب، لكنها لم تدرك أن الواقع بخلاف السينما لا ينتهي دائمًا بالأحداث السعيدة. ارتبطت سعاد بأول قصة لها مع مطرب الحب عبدالحليم حافظ، وكانت مولعة به وتعشقه حتى قبل دخولها الفن، وبعد نجاحها شاهدها عبدالحليم وتعرف عليها ووقع في غرامها، ورغم أن قصتهما كانت سرية إلا أنه تزوجها في العام 1960، لمدة 6 سنوات، وبسبب رفض عبدالحليم حافظ إشهار الزواج؛ خوفًا على مكانته وحتى لا يخسر المعجبات، وفقًا لوثيقة الزواج التي ظهرت أخيرا، ويؤكد المقربون من سعاد وحليم أن قصة حبهما استمرت رغم الانفصال، فلم يدخل قلب عبدالحليم أخرى تعوضه عنها، ولم تستطع سعاد أن تنسى حب عبدالحليم الذي ظلت تحبه حتى وفاته، رغم أنها تزوجت مرات عدة بعده، منها زواجها بالمخرج صلاح كريم، بعد أن شاركت معه في فيلم "الزواج على الطريقة الحديثة" العام 1968، ولكن لم يكتب لهذا الزواج الاستمرار ووقع الطلاق بعد نحو عامين، كما تزوجت المخرج علي بدرخان، الذي كان يعمل حينها مساعد مخرج لوالده في فيلم "نادية" الذي قامت ببطولته سعاد العام 1969، واستمر الزواج نحو 11 عامًا ، وخلال هذه الفترة قّدما سويا مجموعة من أهم الأفلام في تاريخ السينما، كما تزوجت الفنان زكي فطين عبدالوهاب ابن الفنانة ليلى مراد، لكنها لم تستمر معه سوى بضعة أشهر فقط، ثم جاءت آخر زيجاتها من السيناريست ماهر عواد ودامت على ذمته حتى وفاتها في 2001.هروب ومعاناةبدأت سعاد رحلة جديدة من المعاناة، بظهور بعض المشاكل الصحية، فخلال تصوير مسلسل "هو وهي" بدأت تعاني من أعراض الإصابة فى العمود الفقري، حيث تآكلت لديها الفقرتين "العجز والقطنية"، والحقيقة أن ابتعادها عن السينما نتيجة فشل فيلم "الدرجة الثالثة" كان السبب الرئيسي في تدهور حالتها الصحية، حيث أصيبت بضغط في الأوعية الدموية وتمزق فى الشرايين، وبعد الانتهاء من "الراعي والنساء" سافرت لتلقي العلاج بفرنسا، وكان العلاج يعتمد على "الكورتيزون" الذي سبب زيادة كبيرة في وزنها، ما أثر على نفسيتها وجعلها تهرب من الأضواء، حتى لا يراها الجمهور بهذه الصورة. واستمر غيابها عن الجمهور وبلدها سنوات، وهي تتلقى العلاج وفي الوقت الذي قررت فيه العودة وكتابة مذكراتها، توفيت إثر سقوطها من شرفة منزلها في مبنى ستيوارت تاور بلندن في 21 يونيو 2001، وأغلق التحقيق على أنه انتحار وليست جريمة قتل، في قضية أثارت الجدل سنوات طويلة دون الوصول إلى حقيقة مؤكدة، لتنتهي حياة سندريلا الشاشة العربية، التي بدأتها كنجمة شباك استثنائية وانتهت بالانتحار الغامض والمفاجئ.