لم يكن قرار الاعتزال مفاجئاً لكنه صدم الجميعالقاهرة - أمل زيادة:بريق الشهرة والأضواء رئة يتنفس بها الفنانون، لذا يضحون بالكثير، بل يقاتلون من أجل البقاء في هذه الدائرة، حيث المال وحب الجمهور وتهافت علية القوم عليهم، وعندما يقرر البعض، خصوصا الفنانات، الابتعاد والتضحية بكل هذا، سواء بسبب ارتداء الحجاب أو الاحتجاب طواعية أو رغما عنهن، فلابد أن تكون هناك قصة تستحق أن تروى، لذلك تفتح "السياسة" ملف "فنانات بين الحجاب والاحتجاب"، عن بعض من ضحين بالأضواء والشهرة لأسباب عدة، حتى إن عادت بعضهن.
* هوجمت عند عودتها للتمثيل بعد غياب 10 سنوات بسبب شروطها * ندمت على فيلم "العاطفة والجسد" واعتبرته نقطة سوداء في تاريخها * تحرص على أداء العبادات وتصوم طوال العام مثل النبي داود* تزوجت 5 مرات انتهت بالطلاق منهم منير مراد وأحمد خليل * خفة ظلها وجرأتها في تقديم قضايا سياسية جعلتها نجمة مسرحفنانة قررت ارتداء الحجاب بعد أن فاجأتها ابنتها الوحيدة بارتدائه، شعرت بالتقصير تجاه الله وخطأها بحق نفسها وتساءلت: هل يعقل أن تكون بصيرة ابنتي أوسع وأنقى مني أنا الفنانة الواعية الناضجة! إنها الفنانة الكوميدية سهير البابلي التي سكنت قلوب المشاهدين بخفة دمها، وموهبتها التي لا تبارى، أطلق عليها الجمهور والنقاد الكثير من الأسماء التي حملتها في العديد من أفلامها بسبب تألقها فيها، مثل "بكيزة هانم الدرملي"، بعد أن جسدت هذه الشخصية في مسلسل "بكيزة وزغلول" وأيضا هناك من يناديها "سكينة" بعد تميزها في تقديمها من خلال العرض المسرحي الشهير "ريا وسكينة"، كما أطلق عليها البعض اسم "عطية الإرهابية " عندما جسدت هذه الشخصية في مسرحية تحمل الاسم نفسه.ولدت الفنانة سهير حلمي إبراهيم البابلي عام 1937، في مدينة فارسكور بدمياط، رغم أنها لم تعش طويلا ًبها، إلا أنها تعتز بأصولها وجذورها، تؤكد دائما أن دمياط لها مكانة خاصة في قلبها حتى بعد أن عاشت لفترة في مدينة المنصورة، بعد انتقال والدها إليها للعمل ناظرا في أحد مدارسها الثانوية.ظهرت عليها موهبة التمثيل مبكرا، عندما كان زملاء المدرسة يلتفون حولها وهي تقلد كبار الفنانين والمطربات، فلم يكن تقليدها لهم مجرد صوت ولكنها كانت تتقمص الشخصية وتؤديها بصوتها وحركاتها، ما جعلها تختار التمثيل مستقبلا لها، وما ان انتهت من دراسة الثانوية حتى أبلغت أسرتها بأنها ستلتحق بمعهد الفنون المسرحية وأيضا معهد الموسيقى في الوقت نفسه، فلم تجد منها سوى معارضة شديدة، خوفا عليها من هذا المجال وما يقال عنه بشكل جعل البعض يراه مشبوها، لكنها عارضت رغبة الأهل وانتصرت لرغبتها وشغفها بعالم الفن، وانضمت لركب الفنانين واستجابت لنداء نداهة الشهرة والأضواء، رغم ما سببه قرارها من مشاكل كثيرة مع أسرتها.التحقت سهير بمعهد الفنون المسرحية، وكان من أساتذتها حمدي غيث، وعبدالرحيم الزرقاني، كما التحقت بمعهد الموسيقى، فوجدت نفسها في مأزق كبير، بسبب مصروفات الدراسة في المعهدين علاوة على نفقاتها الشخصية، ما جعلها تتجه لاحتراف التمثيل وهي لا تزال تدرسه، وساعدها في ذلك المخرج المسرحي الراحل فتوح نشاطي، حيث جعلها تشارك في بعض الأعمال المسرحية التي يقوم ببطولتها كبار الفنانين مثل، سناء جميل، وأمينة رزق، كما اتجهت للعمل في السينما في بعض الأدوار الثانوية مثل دورها في فيلم "يوم من عمرى"، ورغم أنه دور صغير لكنها استطاعت لفت الانتباه لها مما جعل بعض المخرجين والمنتجين يطلبونها في العديد من الأفلام، وفي كل دور تقدمه تثبت أنها جديرة به، بل تستحق مساحة أكبر من ذلك، ويبدو أنها كانت تتعامل مع الفن بنوع من التحدي لكي تثبت لمن يعارضها من الأهل أنها تسير على الطريق الصحيح، وأن معارضتهم لها غير صحيحة.بمرور الوقت كبر اسم سهير البابلي وأصبح عنوانا لخفة الدم مع الموهبة الحقيقية في التمثيل، واستطاعت أن تحقق نجاحا كبيرا في المسرح وجذب اسمها الجمهور الذي كان يذهب إليها وباتت أعمالها تحقق إيرادات كبيرة، قدمت البابلي للمسرح الكثير من الأعمال، التي تعد من الأهم في تاريخه مثل "شمشون وجليلة، سليمان الحلبي، مدرسة المشاغبين، نرجس، ريا وسكينة، على الرصيف، نص أنا ونص أنت، الدخول بالملابس الرسمية، وعطية الإرهابية". ولم تكن أعمالها المسرحية مجرد أعمال للضحك فقط، بل كان الكثير منها يقدم أفكارا جادة وأحيانا سياسية كان البعض يراها جريئة وضد النظام وقتها مثل "على الرصيف"، لذلك أثارت بعض مسرحياتها جدلا كبيرا بسبب جرأة الموضوعات التي تطرحها.خطأ فادحلم يكن نجم سهير لامعا فقط في المسرح بل صاحبها هذا الوهج في السينما، خلال مشاركتها في العديد من الأفلام مثل "جناب السفير، فجر يوم جديد، لعبة الحب والجواز، وفاء إلى الأبد، رسالة إلى الله، موعد مع الماضي، صائدة الرجال، البنات والصيف، نهر الحب، لن أعود، المرأة المجهولة، حياة امرأة، ساحر النساء، صراع مع الحياة"، وواصلت فيها رحلتها حتى قدمت البطولة في بعض الأفلام مثل فيلم "ليلة عسل"، "استقالة عالمة ذرة "، "ليلة القبض على بكيزة وزغلول"، "السيد قشطة"، "الجنسية مصري" وغيرها. وأيضا خاضت العديد من بطولات الدراما التلفزيونية ومن أشهر أعمالها مسلسل "بكيزة وزغلول" الذي تقاسمت بطولته مع الفنانة إسعاد يونس، مسلسل "قلب حبيبة"، "ألف ليلة وليلة"، "قانون سوسكا"، علاوة على العديد من الأعمال الأخرى.رغم كل ما قدمته سهير من أعمال تفتخر بها لكنها ندمت فقط على تجربتها مع فيلم "العاطفة والجسد"، الذي تراه أسوأ أعمالها الفنية، ودائماً تعتذر عن ارتكابها مثل هذا الخطأ الفادح الذي لوث تاريخها الفني، نظرا لما كان يضمه من مشاهد ساخنة وإغراء شاركت في بعضها مع الفنان عمر خورشيد، لكنها تبرر بأنها تورطت في هذه التجربة المخجلة، التي تعتبرها نقطة سوداء في حياتها بسبب قلة خبرتها وحداثة سنها، ما يجعلها تستغفر ربها كثيرا عليه، طامعة في كرمه ومغفرته، لأنه الوحيد المطلع على النوايا والقلوب. وإذا كان هذا الفيلم كما تعتبره نقطة سوداء، لكن من يتابع باقي أعمالها يكتشف أن هذه النقطة السوداء أضاءت لها الطريق فيما بعد، حيث كانت شديدة الحرص على حسن اختيار وانتقاء أدوارها، فلم تمثل دوراً بعده يحوي تجاوزات أو مشاهد ساخنة على مدار تاريخها، مما يؤكد أنها بالفعل كانت ضحية سوء اختيار وقلة خبرة.قصة الابتعادفي منتصف التسعينيات تقريبا فاجأت سهير الجميع بارتدائها الحجاب واعتزال الفن، وكشفت وقتها أن الفضل في ذلك يرجع إلى الإمام الراحل الشيخ محمد متولي شعراوي، لكنها كانت نصف الحقيقة، حيث إن موضوع الحجاب بدأ معها قبل ذلك بسنوات قليلة وتحديدا عندما كانت تقدم مسرحية "عطية الإرهابية" العام 1992 ويؤكد ذلك عندما سئلت في أحد البرامج التلفزيونية عن الغيرة في حياتها، أجابت وابتسامة خجولة تعلو وجهها الصبوح "ما يعنيني هو الغيرة المحببة في العبادات والتقرب من الله، هذا ما حدث بيني وبين ابنتي الوحيدة نيفين، التي أراها صديقتي وناقدي وعيني في الحياة، فهي لا تفارقني لحظة، دائمة المواظبة على حضور بروفات أعمالي السينمائية والعروض المسرحية. دائمة التوجيه والنقد لي، عندما كنت أقدم مسرحية "عطية الإرهابية" فوجئت بها قادمة للمسرح وهي تضع الحجاب، رغم ما أصابني من دهشة كبيرة، شعرت بالسعادة من أجلها وقررت الاحتفال والاحتفاء بها وتشجيعها على حسن اختيارها، كما شعرت أيضاً بمشاعر متضاربة بين خجل وغيرة، سبقتني بخطوة وهي أصغر مني سناً وتبتغي مرضاة الله وأنا الإنسانة الناضجة الواعية لم أفكر يوماً في هذه الأمر من قبل، لم أكن شجاعة مثلها، لم أفكر أن هناك نهاية للحياة وميعاد وكشف حساب، فهل أنا مستعدة أم لا؟ احتفلت بابنتي اثناء العرض المسرحي وذبحت عجلاً، وأنا في غاية السعادة أن ابنتي صاحبة الفضل الأول في الدنيا بعد الله، وانها بإذن الله ستكون سبباً لدخولي الجنة إن شاء الله في الآخرة".إذن ابنتها أول من فتح لها الباب، وكان للقدر دوره الكبير عندما ذهبت لأداء فريضة الحج وهناك التقت الشيخ متولى الشعراوي، الذي شجعها أكثر على الحجاب، ولم يمنعها من الفن إذا قدمت من خلاله أعمالا لها قيمة وهي ترتدي حجابها وملابسها المحتشمة.ابتعدت عن الاضواء ظنا أن الاحتجاب هو الأفضل تماماً بالنسبة لها، وأنه الخيار الأنسب في هذا التوقيت واحتراما لقدسية الاعتكاف، وبعد أن كانت حياتها تقضيها بين استديوهات التصوير وكواليس المسرح وخشبته، حتى لا تكاد تستقر في بيتها، خصوصا إذا كانت تشارك في أكثر من عمل، إلا أن حياتها اختلفت تماما بعد بالاحتجاب، أصبحت تستيقظ فجراً لتصلي الفجر ثم تعكف على قراءة القرآن والذكر والتسبيح لأكثر من خمس ساعات، حتى يستيقظ أحفادها فتشاركهم اللعب، حيث كان تقيم ومعها ابنتها وزوجها الداعية الإسلامي رضا طعيمة، ثم تعود إلى الصلاة والذكر حتى آذان المغرب فتتناول إفطارها، لأنها تحرص على صيام النبي داود طوال العام، فهي تصوم يوماً وتفطر يوماً، بعدها تنسحب من مجالسة العائلة لصلاة العشاء والتسبيح، وتشارك العائلة مرة آخرى حيث تتناقش مع ابنتها نيفين وزوجها في بعض القضايا الدينية، وتعتبر حديثهم هذا وقوداً إيمانيا ًيمدها بالطاقة والمعلومات.بعد سنوات من احتجابها واجهت سهير مشكلة، أنها بعد اعتزال الفن الذي كان مصدر رزقها الوحيد، صارت بلا مورد رزق حقيقي، فذهبت لاستشارة الشيخ الشعراوي الذي نصحها بالعودة إلى التمثيل شرط أن تقدم أدوار تشكل قيمة للناس، حتى لا تشعر أنها بحاجة لشخص أو تشعر بأنها تشكل عبئاً على أحد، وقبل أن تغادره قال لها "الناس بتشوف التلفزيون أكتر ما بتروح الجامع، وممكن تسمع منك أكتر ما تسمع مني". لحظتها رأت أن عودتها للتمثيل بالحجاب لم يكن خياراً وإنما ضرورة لعدم وجود مصدر رزق لها غير الفن، وفي نفس الوقت لن تقدم شيئا يخالف الدين والشرع.تعددت زيارات سهير البابلي للشيخ محمد متولي الشعراوي سواء بمفردها أو بصحبة بعض الفنانات، واصطحبت معها في إحدى المرات السندريلا سعاد حسني قبل سفرها الأخير إلى لندن، حيث كانت تحرص على أن تلتقي بالشيخ الشعراوى لتسأله عن أمور الدين، وكانت لديها رغبة دائمة في المعرفة والتفقه والتبحر في العلوم الشرعية، وبسبب كثرة ترددها على الشيخ الشعراوي اعتاد أن يداعبها ويناديها باسم "سكيننة" كما كانت تناديها الفنانة شادية وعبدالمنعم مدبولي وأحمد بدير الذين شاركوها بطولة مسرحية "ريا وسكينة".حملات ممنهجةصاحب عودة سهير للتمثيل مرة أخرى وبعد عشر سنوات من احتجابها جدلا طويلا، بسبب الشروط التي وضعتها أمام المنتجين والمخرجين، ورأت أنها ضرورية لتقديم عمل جاد ومحترم، وأن الفن يمكن أن يقدم بأي شكل كان وأنه ليس حكراً على أنصار المشاهد المتحررة فقط. بسبب ذلك هاجمها العديد من الفنانين والمخرجين، لأنها عادت بهذه الصورة التي لم يعتادوها، ومنهم الفنان عادل إمام الذي رأى أن ما تفعله يؤذي الفن والفنانين فكان ردها عليه "الأرزاق بيد الله إذا كنت تعطيني شيئاً امنعه وأوقفه من فضلك.. لست أدري كيف يتسبب حجابي في إيذائك؟ لماذا يزعجك على هذا النحو!".غضبت أيضاً من تدخل السيناريست الراحل رفيق الصبان وهو صديق تجمعها به علاقة طيبة على مدار ثلاثين عاما في عملها، حيث اعترضت على تقبيل فنان شاب لها خلال تأديتها دور والدته، فلم يرق له امتناعها عن أداء المشهد. في حين كان موقفها واضحاً وكلمتها واحدة "أنه ليس ابني الحقيقي حتى احتضنه وأقبله في المشهد"، وأضافت قائلة "لن يفيدني أحد عندما أقف بين يدي الله وأحاسب"، مؤكدة أن الفن ليس أحضان وقبلات، هناك روائع سينمائية قُدمت دون تجاوزات تذكر ومازالت بصمة وعلامة في تاريخ الفن، لذلك أتعجب من الحملة الممنهجة، التي شنت على الحجاب خصوصا فيما يتعلق بالفنانات اللاتي ارتدين الحجاب".كذلك اتهمها الكاتب الراحل أسامة انور عكاشة بأنها مترددة ولا تعرف ماذا تريد؟، فردت عليه وهي تشعر بالأسى بأنها لم تتوقع أن يقول مثل هذه الكلمات بحقها، ووجهت إليه سؤالا: هل أنت تعرفني حق معرفة؟ هل تقيم معي بصفة دائمة حتى تستطيع أن تطلق حكما ًعلى كهذا؟ ولم تنتظر منه إجابة لتجيب هي "لا أظن".كانت صدمتها كبيرة من هذا الهجوم عليها حتى أنها قالت "كنت أتوقع أن يفتح الجميع يديه لنا في ثوبنا الجديد نظراً لقيمتنا الفنية ومكانتنا وتاريخنا الفني واسمنا الذي يعد علامة في الفن، من يكره أن يقدم عملاً خالداً مثالياً لا يشوبه شائبة. الحجاب بالنسبة لنا الفنانات المحجبات رسالة هكذا أراه الله اختصنا بنعمة الحجاب حتى نكون عظة للغير مثل يُحتذى به. يجب أن تحترم رسالتنا وأن تجد مساحة ودعم أكبر من هذا. لكن ما يحدث هو العكس تماماً فالفنانات المحتجبات المحجبات عرضة للشائعات والقيل والقال أكثر من مثيلاتها غير المحجبة نحن نتعرض لهجمة شرسة من جهات غير معلومة وأشخاص غير معروفة ولست أدري لماذا ؟". لكنها أكدت أن ما يحدث لها ولغيرها من الفنانات اللاتي تحجبن امتحان من رب العباد يختبر به مدى ثباتهن وإيمانهن الحقيقي".وعن حياتها الشخصية فقد تزوجت سهير خمس مرات كان أولها من محمود الناقوري وأنجبت منه ابنتها الوحيدة نيفين، ثم المطرب والملحن منير مراد وتاجر المجوهرات أشرف السرجاني، الذي توفي لتتزوج بعده من رجل الأعمال محمود غنيم، كما تزوجت الممثل أحمد خليل.لم يجد الهجوم الذي لاقته بسبب حجابها وحتى بعد عودتها للفن الذي لم تقدم فيه سوى مسلسلين هما "قلب حبيبة" و"قانون سوسكا"، سوى إصرار وتمسك بما أرادت، ورغم غيابها عن الساحة الفنية وظهورها في مناسبات عديدة وفي مقابلات تلفزيونية، إلا أنها لا تزال باقية في قلوب محبيها وتنال الاحترام من المحيط إلى الخليج، ولا تزال أعمالها ترسم الضحكة على الوجوه وتجعل المشاهد في حالة فكر وتأمل لعمق ما تقدمه.