منوعات
"سورة النحل"... الوحيدة التي ذكر فيها لفظ النحل
الاثنين 28 مايو 2018
70
السياسة
إعداد- حمادة السعيد:القرآن الكريم كلام الله المحكم، والمعجز لأهل الإعجاز، نزل على حسب المواقف والأحداث، ثم رتبت آياته وسوره، الترتيب الذي بين أيدينا اليوم وكان لهذا الترتيب أسراره.نتعرف من خلال كلماتنا على نفحات الرحمن وأسرار ترتيب سور القرآن، ولماذا رتب بهذا الترتيب؟ وما الحكمة الإلهية والمعاني الربانية منه؟ نتعرف على كل هذا فنزداد فهما وتمسكا بكتاب ربنا.والكلام اليوم عن سورة من أعظم السور في القرآن - وسور القرآن كلها عظيمة – وهي سورة "النحل" وترتيبها في المصحف بعد سورة الحجر، وترجع سبب تسميتها بهذا الاسم انها السورة الوحيدة التي ذكر فيها لفظ "النحل" وفيها هذا إشارة إلى أن هذه الحشرة الصغيرة وراءها كثير من الأسرار التي تحتاج لبحث ودراسة خصوصا أن الآيات التي تكلمت عن النحل اختتمها الله تعالى بقوله "إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون".. وفي كل يوم يثبت العلم الحديث أسراراً لم تكن معروفة من قبل فسبحان من أوحى الى النحلة وأعلمها طريقها ..وتسمى كذلك سورة النحل بسورة النعم لكثرة ما ذكر الله فيها من النعم التي أنعم بها على الإنسان.نظام جميليقول ياسر عبد الرحمن في "موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق":انظر إلى خلية النحل الذي هو مخلوق صغير ضئيل من مخلوقات الله الكثيرة الجميلة، ستجد نظاما جميلا، فيصنع هذا المخلوق الصغير أشكالا جميلة من الشمع، من علّمه هذا؟ إنه الله، ولو علمت كيف يقوم النحل داخل الخلية بالعمل لوجدت أن كل نحلة تقوم بواجبها من أجل نظافة الخلية وإنتاج العسل الشهي، والدفاع عنها، ستعرف أن الله أبدع ونظم كل شيء في الدنيا حتى خلية النحل الصغيرة، وفي هذا يقول تعالى:"وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)".وقال الزحيلي في تفسيره "التفسير الوسيط" وفي سورة النحل إثبات القيامة ونزول الوحي حيث يقوم الدين الإلهي على إثبات عقائد جوهرية ضرورية: هي التوحيد لله، والبعث أو القيامة، والوحي، والنّبوة أو الرّسالة، أما التوحيد فهو أساس الاعتقاد بالله ربّاً واحداً وإلها فرداً لا شريك له، وأما البعث أو القيامة فهو عالم الغيب، ومستقبل الدهر، ومجمع الناس ليوم الحساب، وأما الوحي الإلهي فهو همزة الوصل بين الله والعباد لتصحيح مسيرة الإنسان ووضع دستور الحياة للفرد والأمة، وأما النّبوة أو الرسالة، فهي وسيلة التّلقي للوحي الإلهي وإبلاغه للناس، ومجادلتهم، وإقناعهم بأصول العقيدة، ومنهج العبادة، وتصحيح المعاملة، والتزام الأخلاق الكريمة. وفي مطلع سورة النّحل التي تسمى سورة النّعم بسبب ما عدّد الله فيها من نعمه على عباده، تصريح وجيز بوقوع القيامة حتماً، وتوحيد الله وتقواه، وإنزال الوحي على الرّسل بوساطة الملائكة.ويوضح العلامة محمد الأمين في "حدائق الروح والريحان" :والمقصود من هذه السورة الدلالة على أنه تعالى تام القدرة والعلم، فاعل بالاختيار، منزه عن شوائب النقص، وأدل ما فيها على هذا المعنى أمر النحلة لما ذكر من شأنها في دقة الفهم، من ترتيب بيوتها ورحبها وسائر أمرها، من اختلاف ألوان ما يخرج منها من أعسالها، وجعله شفاءً، مع أكلها من الثمار النافعة والضارة، وغير ذلك من الأمور، ورسمها بالنعم واضح.أعمال عجيبةويقول صاحب حدائق الروح والريحان:إنه تعالى سخَّرها لما خلقها له، وألهمها رشدها وقدر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة، التي يعجز عنها العقلاء من البشر، وذلك أن النحل تبني بيوتًا على شكل مسدس من أضلاع متساوية، لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها، ولو كانت البيوت مدورة أو مثلثة أو مربعة أو غير ذلك من الأشكال لكان فيما بينها خلل، وألهمها الله تعالى أيضًا أن تجعل عليها أميرًا كبيرًا نافذ الحكم فيها، وهي تطيعه وتمتثل أمره، ويكون هذا الأمير أكبرها جثة وأعظمها خلقة، ويسمى يعسوب النحل يعني ملكها، وألهمها الله سبحانه وتعالى أيضًا أن جعلت على باب كل خلية بوابًا، لا يمكن غير أهلها من الدخول إليها، وألهمها الله تعالى أيضًا أنها تخرج من بيوتها وتدور وترعى ثم ترجع إلى بيوتها ولا تضل عنها، ولما امتاز هذا الحيوان الضعيف بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والفطنة .دل ذلك على الإلهام الإلهي، فكان ذلك شبيهًا بالوحي، فلذلك قال تعالى: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ". أي: وألهم ربك النحل، وألقى في روعها وعلَّمها أعمالًا يتخيل منها أنها ذوات عقول، وقد تتبع علماء المواليد أحوالها، وكتبوا فيها المؤلفات بكل اللغات، وخصصوا مجلات تنشر أطوارها وأحوالها. ويضيف الإمامان السيوطي والمراغي في تفسيريهما: وجاءت سورة النحل بعد الحجر: أن آخر الحجر شديد الالتئام بأول سورة النحل؛ فإن قوله في آخر الحجر: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" " الذي هو مفسر بالموت، ظاهر المناسبة لقوله مطلع النحل: "أَتَى أَمْرُ اللَّهِ" وانظر كيف جاء في المقدَّمة بـ "يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" [بلفظ المضارع] ، وفي المتأخرة بلفظ الماضي؛ لأن المستقبل سابق على الماضي، كما تقرر في المعقول والعربية. وفي سورة الحجر لما قال تعالى: "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)"كان ذلك تنبيهًا إلى حشرهم يوم القيامة، وسؤالهم عما فعلوه في الدنيا، فقيل: "أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ". ثم أن سورة النحل شديدة الاعتلاق بسورة إبراهيم؛ وإنما تأخرت عنها لمناسبة الحجر، في كونها من ذوات "الر" حيث جاء في إبراهيم ذكر النعم، وقال عقبها: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا" "إبراهيم: 34"، ووقع في النحل ذكر ذلك معقَّبًا بمثل ذلك. كذلك ارتباطها بما قبلها أنه لما قال في سورة الحجر "فوربّك لنسألنهم أجمعين" كان ذلك تنبيها إلى حشرهم يوم القيامة وسؤالهم عما فعلوه في الدنيا، فقيل: "أتى أمر الله" وأيضا فإن قوله في آخرها: "واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين" شديد الالتئام بقوله أتى أمر الله.وجاء في تفسير الشعراوي: بدأت السورة الجليلة؛ مُوضِّحةً أن قضاءَ الله وحُكْمه بنصر الرسول والمؤمنين لا شَكَّ فيه ولا محَالة؛ وأن هزيمة أهل الكفر قادمة، ولا مَفرَّ منها إنْ هُم استمرُّوا على الكفر. وقد سبق أنْ أنذرهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما نَزل عليه من آيات الكتاب؛ أنذرهم في السورة السابقة ببعض العذاب الدنيوي، كنصر الإيمان على الكفر، وأنذرهم مِنْ قَبْل أيضاً ببعض العذاب في الآخرة، وقد وعد الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنْ يهزِم معسكر الكفر، وأنْ ينصرَ معسكر الإيمان؛ وإما أنْ يرى ذلك بعينيه أو إنْ قبض الحق أجلَه فسيراها في الآخرة.وليست بلاغة القرآن الكريم ونفحات الرحمن مقتصرة على ارتباط سورة النحل بما قبلها وإنما هناك نفحات في ارتباطها بالسورة التي تليها وهي سورة الإسراء وهذا ما سنعرفه في الحلقة المقبلة إن شاء الله.