منوعات
سورة النور... لتشريع الأحكام والاهتمام بالقضايا العامة والخاصة
الأربعاء 06 يونيو 2018
350
السياسة
إعداد- حمادة السعيد:القرآن الكريم كلام الله المحكم، والمعجز لأهل الإعجاز، نزل على حسب المواقف والأحداث، ثم رتبت آياته وسوره، الترتيب الذي بين يدينا اليوم وكان لهذا الترتيب أسراره.نتعرف من خلال كلماتنا على نفحات الرحمن وأسرار ترتيب سور القرآن، ولماذا رتب بهذا الترتيب؟وما الحكمة الإلهية والمعاني الربانية منه؟ نتعرف على كل هذا فنزداد فهما وتمسكا بكتاب ربنا.والكلام اليوم عن سورة من أعظم السور في القرآن - وسور القرآن كلها عظيمة – وهي سورة «النور» والتي تأتي تالية لسورة (المؤمنون).يقول الصابوني في تفسيره «صفوة التفاسير»: سورة النور من السور المدنية، التي تعنى بأمور التشريع، والتوجيه والأخلاق، وتهتم بالقضايا العامة والخاصة التي ينبغي أن يربى عليها المسلمون، أفرادا وجماعات، وقد اشتملت هذه السورة على أحكام مهمة وتوجيهات عامة تتعلق بالأسرة، التي هي النواة الأولى لبناء المجتمع الأكبر. كما أوضحت السورة الآداب الاجتماعية التي يجب أن يتمسك بها المؤمنون في حياتهم الخاصة والعامة، كالاستئذان، وغض الأبصار، وحفظ الفروج، وحرمة اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة المسلمة والبيت المسلم من العفاف والستر، والنزاهة والطهر، والاستقامة على شريعة الله، صيانةً لحرمتها، وحفاظا عليها من عوامل التفكك الداخلي، والانهيار الخلقي، الذي يهدم الأمم والشعوب.ولهذا كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة:علموا نساءكم سورة النور.وسميت (سورة النور) لما فيها من إشعاعات النور الرباني، بتشريع الأحكام والآداب، والفضائل الانسانية، التي هي قبس من نور الله على عباده، وفيض من فيوضات رحمته وجوده.أحكاموأما عن تناسب سورة النور مع سورة المؤمنون فيقول صاحب تفسير حدائق الروح والريحان :ومناسبة هذه السورة لما قبلها من وجهين: أنه قال في السورة السالفة: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)» وذكر هنا أحكام من لم يحفظ فرجه من الزانية والزنا، وما اتصل بذلك من شأن القذف، وقصة الإفك، والأمر بغضّ البصر الذي هو داعية الزنا، وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف، والنهي عن إكراه الفتيات على الزنا.- أنه تعالى لما قال فيما سلف أنه لم يخلق عبثًا، بل للأمر والنهي، ذكر هنا جملةً من الأوامر والنواهي. وتسميتها بسورة النور لذكر لفظ النور فيها.ويقول السيوطي في كتابه «أسرار ترتيب القرآن»: وجه اتصالها بسورة المؤمنون أنه لما قال: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ» المؤمنون: 5، ذكر في النور أحكام من لم يحفظ فرجه، من الزانية والزاني، وما اتصل بذلك من شأن القذف، وقصة الإفك، والأمر بغض البصر، وأمر فيها بالنكاح حفظًا للفروج، وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف، وحفظ فرجه، ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا. ولا ارتباط أحسن من هذا الارتباط، ولا تناسق أبدع من هذا النسق.وأما صاحب «البرهان في تناسب سور القرآن» فيقول:لما قال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) المؤمنون» ثم قال تعالى «فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) «المؤمنون استدعى الكلام بيان حكم العادين في ذلك، ولم يبين فيها، فأوضحه في سورة النور فقال تعالى: « الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)» (النور) ،ثم أتبع ذلك بحكم اللعان والقذف، والإخبار بقصة الإفك تحذيرا للمؤمنين من زلل الألسنة رجما بالغيب «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» (النور: 15) ، وأتبع ذلك بوعيد محبى شياع الفاحشة في المؤمنين بقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ... الآيات « (النور: 23) ثم بالتحذير من دخول البيوت إلا بعد الاستئذان المشروع، ثم بالأمر بغض البصر للرجال والنساء، ونهي النساء عن إبداء الزينة إلا لمن سمى الله سبحانه في الآية وتكررت هذه المقاصد في هذه السورة إلى ذكر حكم العورات الثلاث، ودخول بيوت الأقارب وذوي الأرحام، وكل هذا مما يبرىء ذمة المؤمن بالتزام ما أمر الله به من ذلك والوقوف عند ما حده تعالى من أن يكون من العادين المذمومين في قوله تعالى: «فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)»المؤمنون.آيات مبينات وقال عبدالكريم الخطيب في «التفسير القرآني للقرآن» :إن بدء السورة في الحقيقة هو قوله تعالى في الآية الثانية منها: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» .. وإن الآية التي بدئت بها السورة ليست إلا تنبيها على أن سورة ستنزل، وفيها فرائض، وأحكام، وآيات بينات.. وذلك أن الأحكام الشرعية.. وخاصة ما يتصل منها بالحدود- لم يجىء بها القرآن الكريم في صدر السور القرآنية، وإنما جاء بها بين ثنايا الآيات، حيث يمهد لها بآيات قبلها، ثم يعقب عليها بآيات بعدها.. وبهذا يجىء الحكم الشرعي وبين يديه ومن خلفه ما يدعمه، ويوضحه.فقوله تعالى: «سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» ..هو أشبه بالموسيقى، التي تتقدم موكب المجاهدين في سبيل الله، المتجهين إلى غزو مواقع الكفر والضلال، إذ أن الآيات التي جاءت بعد هذا المطلع، هى في الواقع أقرب شىء إلى أن تكون بعثا من جند السماء، يحمل الهدى والنور إلى هذه المواطن المظلمة من المجتمع الإسلامى، فيبدد ظلامها، ويكشف للأبصار والبصائر، الطريق المستقيم إلى مرضاة الله!.وثانيهما: تسميتها بسورة «النور» ..لسببين أولهما أنها جاءت بآيات كشفت ظلاما كثيفا، كان قد انعقد في سماء المسلمين قبل أن تنزل هذه السورة، وتنزل معها هذه الآيات.. وذلك أن السيدة عائشة رضى الله عنها، كانت في تلك الفترة موضع اتهام على ألسنة المشركين والمنافقين، وقد أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث المفترى، كما أوذيت زوجه رضي الله عنها، وأوذي المسلمون بهذا الذي طاف حول بيت النبوة من غبار تلك التهمة المفتراة.. فلما نزلت الآيات التي تبرّئ البريئة الصدّيقة بنت الصديق- انقشع هذا الظلام، وكشف النور السماوي، عن وجوه المنافقين المفترين.وثانيا: جاء في السورة الكريمة قوله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ.. الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ.. الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ.. نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ..» (35) فلهذه الأنوار التي تملأ الوجود من نور الله، ولهذه الآيات المنزلة التي أضاءت للمسلمين ظلام الليل الكثيف، وفضحت المشركين والمفترين- لهذا أو ذاك، أولهما معا، استحقت السورة أن تحمل هذا الاسم، وأن تكون نورا على نور.. من نور الله..!