الأربعاء 25 يونيو 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

سياستنا الخارجية والبترو دولار

Time
السبت 30 أكتوبر 2021
View
5
السياسة
حسن علي كرم

خلال سبعينات القرن الماضي حين كانت فرموزا(الدمية الاميركية) لا تزال تحتل مقعد الصين بمجلس الامن، حينها القى الملك السعودي الراحل فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، مقولته الشهيرة التي ما لبثت ان غدت نكتة تتداول بين الناس، اذ قال:" الدول العظمى خمس، اميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والخامسة الكويت".
قطعاً لم يقل هذا إعجاباً أو حسداً بقوة الكويت ونهضتها الوليدة، انما من قبيل التهكم، فهل كان الملك فيصل قاسياً، ام كان مشفقاً على الكويت؟
برأيي انه، رحمه الله، اشفق عليها، فالملك لم يكن طارئاً على السياسة الدولية، فمنذ نعومة اظفاره تشرب السياسة، وهو لم يكن رجلاً عادياً، بل نافذ الفكر، صلب الرأي، وعندما قال يتمنى أن يصلي في المسجد الاقصى، لم يكن ذلك لكسب تعاطف العرب أو الفلسطينيين، لأنه لم يكن بحاجة الى ذلك، فلقد كانت القضية الفلسطينية تسكن قلبه.
فما مناسبة قوله هذا عن الكويت؟
كان هاجس الاحتلال يقلق الكويت دائماً، ويقض مضاجعها حتى صبيحة 19 يونيو 1961، حين تبادل سمو الامير الشيخ عبدالله السالم الصباح، رحمه الله، مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج السير وليم لوس في قصر السيف رسائل انهاء وثيقة الحماية البريطانية الموقعة في 21 يناير 1899، وفي غمرة ذلك، واعلان الكويت دولة مستقلة ذات سيادة، انقلبت الفرحة الى غصة في قلوب الكويتيين عندما اعلن الزعيم العراقي، آنذاك، عبدالكريم قاسم، عدم اعترافه باستقلال الكويت باعتبارها "جزءا من التراب العراقي"، وشاءت الاقدار ان يبقى تهديد قاسم مجرد جعجعة، بعدما توالت الاعترافات باستقلالها، دولياً وعربياً، ما عدا الاتحاد السوفياتي الذي كان مشغولاً بالحرب الباردة مع اميركا، ونكاية بالاخيرة رفض نيكيتا خرتشوف الاعتراف باستقلال الكويت، الا ان بعد سقوط نظام قاسم (1963) سارعت موسكو للاعتراف بالكويت، واقيمت العلاقات الديبلوماسية بينهما. هل كانت الكويت بعد الاستقلال وزوال المطالبة العراقية بحاجة لتأصيل وجودها واستقلالها بأن تشتري مواقف الدول، وذلك بفرض منطق بترودولار، او هل كان عليها فرض وجودها كدولة وسيطة في الازمات العربية-العربية، او الخلافات الداخلية بين التكتلات السياسية والطوائف الاثنية؟
كلنا نذكر، في الستينات والسبعينات، كيف ان وزير خارجيتنا المرحوم الشيخ صباح الاحمد، رحمه الله، في الاسبوع الواحد كان يتغدى في عاصمة عربية ويتعشى في اخرى، ويفطر في ثالثة، حتى وُجدت الكويت ان من مسؤوليتها تأدية دور الجامعة العربية، واطفاء حرائق الخلافات العربية-العربية او الحروب الداخلية برشها بالدولارات بدلاً من الماء.
حروب اليمنين الشمالي والجنوبي، حروب الجنوب- الجنوب، حروب الفلسطينيين والاردن (ايلول الاسود1970)، الحرب الاهلية اللبنانية، وكان متوقعاً ان تنكفئ بعد الغزو العراقي الغاشم في أغسطس 1990، غير انها عادت لممارسة الوساطات.
لقد توسطنا في حرب اليمن وجاءت وفودهم الى الكويت، ومكثوا قرابة ثلاثة اشهر، ثم تَرَكُوا الكويت،اكثر عداءً، ثم كانت الازمة الخليجية، وقد سعى الشيخ صباح، رغم كبر السن وصحته المعتلة، الى حلها، الى حين اقتراب نهاية عهد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب الذي دعا الى حل الخلاف، فانتهى الخلاف بأقل من ثواني!
اليوم أكاد أرى وزير خارجيتنا الشاب أحمد ناصر المحمد الصباح، وريث ثلاثة وزراء خارجية سابقين، يرتدي البشت نفسه لهؤلاء، وكأني به يتقمص ادوارهم، حيث يحمل شنطة السفر من المغرب الى الجزائر فتونس فالسودان، فيما الازمات لا تزال قائمة.
ولا اعتقد الكويت في عهد وزير خارجيتنا الشاب في وضع مالي يسمح لها بأن تستمر بالنهج الذي أسسه الشيخ صباح الاحمد، حين كان يتنقل من عاصمة الى اخرى حاملاً شنطة الدولارات.
لنكن صريحين الخلافات العربية-العربية لا تحتاج الى واسطات أو "طَق صدر"، فهي ما ان تشتعل حتى تنطفئ كما ينطفئ مصباح الكاز، والزيارات المكوكية لوزير خارجيتنا هل اثمرت نتائج وحلحلة، أو هل نسينا مواقف السودان وتونس والجزائر إبان الغزو العراقي، وماذا تغير لا زالوا يشتموننا؟
لنكن واقعيين ولنضع أقدامنا في المكان الذي يحقق لنا مصالحنا، ولعل من حقنا أن نسأل وزير الخارجية عن مصير استثماراتنا في تلك الدول: ما مصير مصنع السكر في السودان والفنادق الكويتية في تونس وقروضنا للجزائر، 60 عاماً من اللهاث، واللا واقعية، وكأننا دولة عظمى، واحنا نشد ظهرنا بدول كبرى حتى تضمن بقاءنا كدولة في محيط من الكبار، لنترك للعرب خلافاتهم ولنتفرغ لأنفسنا، فالكويت اولى بالمصالحة وأولى بدولاراتها!

صحافي كويتي
[email protected]
آخر الأخبار