الأخيرة
سيد علي بطل معركة جناق قلعة
الأربعاء 20 مارس 2019
20
السياسة
محمد الفوزانألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الاثنين الماضي بياناً تضمن فيه بعض المفاهيم وهي: أن الأمة التركية باقية في إسطنبول، ولن يتمكن أحد من تحويل هذه المدينة إلى “قسطنطينية” مجددا، جاء ذلك في كلمة له خلال مشاركته في احتفالات الذكرى السنوية الـ 104 لانتصار الدولة العثمانية في معركة جناق قلعة عام 1915، ويوم الشهداء.وقال أردوغان في هذا السياق:" سنبقى هنا إلى يوم القيامة، ولن تجعلوا من إسطنبول قسطنطينية".أضاف أن في حال استهداف تركيا، فإن شعبها لن يتردد في جعل جناق قلعة مقبرة للأعداء كما فعلت قبل 104 أعوام. ولفت أن الأمة التركية سطرت بدمائها تاريخا مجيدا في معارك جناق قلعة.يوم الاثنين الماضي 18 مارس وافق ذكرى معركة جناق قلعة التي وقعت سنة 1915، وكان هدف الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) احتلال اسطنبول، ففي مثل هذا اليوم شن أسطول التحالف هجوما كثيفا على مضيق جناق قلعة، وأمطره بوابل من القذائف التي قتلت وحطمت الكثير، لكنها أخطأت "سيد علي".وسيد علي هو الجندي المسؤول عن المدفعية في معقل روملي في شبه جزيرة غاليبولي الذي أصابه وابل القصف، فتكسرت الرافعة التي تحمل القذائف، فما كان من الجندي سيد علي إلا أن حمل قذيفة بوزن 215 كيلوغراما على ظهره، وصعد بها سلم المدفع واثبتها داخله، وصوب نحو المدمرة واطلقها، فنزلت في منتصف المدمرة التي انشطرت الى نصفين، واضطر الانكليز الى الانسحاب بعد خسارة تاج الاسطول البريطاني، ثم غرق سفينة فرنسية من أسطول التحالف، الذي كان يرمي إبان الحرب العالمية الأولى إلى عبور مضيق جناق قلعة، واحتلال شبه جزيرة غاليبولي، ومن ثم احتلال العاصمة إسطنبول.وسيد علي ليس إلا واحدا من أبطال معركة جناق قلعة التي تقف تركيا اليوم وقفة صمت تحية لأرواح الشهداء الذين سقطوا في يوم 18 مارس عام 1915 الذي سقط فيه أكبر عدد من الشهداء.لم يكن للدولة العثمانية فعل شيء إلا خوض هذه المعركة أمام الاتفاقيات التي عقدتها الدول الكبرى المتحالفة ( إنكلترا وفرنسا) التي تنوي الاستيلاء على إسطنبول، فاتحة بذلك الطريق أمام روسيا لإمدادها بالمساعدات العسكرية والغذائية في حربها ضد ألمانيا، حيث كانت روسيا بالكاد تنتج ثلث حاجتها من المعدات العسكرية، بالإضافة إلى المعاناة التي كانت تعيشها جراء قطع علاقاتها التجارية مع العالم.ويمكن القول إن الاستيلاء على المضائق بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وإيقاع مدينة إسطنبول تحت السيطرة كانت له منافع، تجارية وعسكرية، لدول التحالف إنكلترا وفرنسا.وطلبت ألمانيا من تركيا دخول المعركة إلا أن أنور باشا لم يرغب ذلك فعليا لعدم اكتمال الاستعدادات في الحاميات العسكرية في جناق قلعة. وحسم الأمر بدخول سفن الأسطول الحربي الإنكليزي التي دخلت البحر الأبيض المتوسط.أعلن بدء الحرب في 1914 بقصف سفن الأسطول العثماني المرافئ الروسية في البحر الأسود التي كانت تجهز فيالقا لاحتلال المضيق، وكان ونستون تشرشل يرى أن جناق قلعة ستكون لقمة سائغة بعد الضعف الذي أصاب دفاع الأتراك عقب حرب البلقان.ودخلت فرق أسترالية ونيوزلندية مجهزة بكامل التجهيز المعركة، حيث كانت وحداتها المقاتلة تنتظر في مصر، وخاضت هذه القوات الحرب بدل الفيالق الروسية التي قاتلت في معارك أخرى.وحاك القدر الظروف لتبدأ معركة جناق قلعة بشنّ أسطول مؤلف من سفن إنكليزية وفرنسية هجوما واسعا بلغ ذروته في 18 مارس 1915، إلا أنّ هذا الهجوم باء بالفشل ليعدل أسطول التحالف عن الهجوم البحري، ويستبدله بالهجوم البري، والاستيلاء على المواقع الدفاعية الساحلية. فدخلت القوات الإنكليزية والفرنسية لتتمركز في خمس مناطق جنوب شبه جزيرة غاليبولي في 25 أبريل واستطاعت في البداية إحراز تقدم سرعان ما قابلته إرادة الجنود العثمانيين مجبرةً إياها على التراجع لتفشل مخطط استيلائها على غاليبولي، رغم وصول قوات للإمداد، وخرجت القوات الأجنبية جميعها من شبه جزيرة غاليبولي في ديسمبر من عام 1915.سقط في المعركة 56 ألف شهيد في حين لاقي 21 ألفا مصرعهم في المستشفيات، وفقد 11 ألف جندي وجرح 97 ألف جندي، و64 ألفا مرضى خارج الحرب، أي ما مجموعه 250 ألفا من الأتراك، في حين سقط 252 ألف قتيل من القوات المتحالفة.وتذكر الإحصاءات أن عدد من المؤسسات التعليمية في ذلك الوقت لم تخرج طلابا لأنهم استشهدوا جميعا في المعركة.كما تدلنا شواهد القبور في جناق قلعة على أن فلسطينيين وسوريين وشبانا من الشرق الأوسط ودول البلقان يرقدون اليوم بسلام بين شهداء جناق قلعة.أما الجندي سيد علي، فقد طلبوا منه بعد انتهاء المعركة حمل القذيفة التي يتجاوز وزنها الـ200 كيلو غرام من أجل تصويره، فلم يستطع حملها، وصنع من أجل الصورة قذيفة خشبية وقال:" لو حصلت معركة أخرى لحملتها".إمام وخطيب