كل الآراء
"شنو سويت فيهم يالربعي"؟
الاثنين 04 مارس 2019
5
السياسة
يوسف عبدالكريم الزنكويفي مثل هذا اليوم، الخامس من مارس، وقبل 11 عاما رحل عنا الأستاذ الدكتور، والفيلسوف، الزميل الكاتب المبدع في القضايا الإنسانية، وصاحب اختراع "الهرم المقلوب" وفنون الأربعائيات، أحمد عبدالله الربعي، الذي علمنا معنى البساطة في أعقد معانيها، فكتب من خلال سيرة حياته، التي مرت علينا كحلم ليلة صيف عابرة، تفسيراً غريباً لمفهوم "السهل الممتنع" عند الإنسان، حتى صار الخامس من مارس طقساً من طقوس المحبين للإنسانية الحقة التي كانت تفيض من فكر الربعي ومن عقليته التي كانت تساير كل الأفكار، وتمتزج بكل العقليات، حتى أحبه الكل، وافتقده الكل، فأجبر على تذكره واستذكار مناقبه وإنجازاته الكل. ومع انسياب هذا التيار الذي فاض بالحب لهذا الراحل الكبير، والمتألم لثقل هذا الفقد، وقبل حفل تأبين الدكتور الربعي بأيام، يخرج علينا أحد أتباع تيار الإسلام السياسي"ويا ليته ما تكلم"، لينطق كفراً فاضحاً، ويقول إن الدكتور أحمد الربعي لم ينجز شيئاً يذكر. ولو كان هذا الذي يحاول أن يناطح شموخ الجبال بأسلوب دونكيشوتي غريب، صاحب أي إنجاز يذكر، لوجدنا له العذر، ولو حظي هذا المتأسلم بأي درجة من المحبة الشعبية لدى جمهور المراقبين، حتى ينافس بها عشق غالبية الناس لأحمد الربعي، لقلنا "والله معذور"، لكن أن يطل علينا محاولاً إخراج عينة من حقده الأسود، محاولاً الطعن في إنجازات راحلنا الكبير، فهذا ما لم يرق للشعب الكويتي، وعامة الخليجيين والعرب، وبسببه طفحت وسائل التواصل الاجتماعي بنيران الانتقاد اللاذع لهذا السياسي الذي خرج في الوقت الخطأ لينفث سمومه المنتهية الصلاحية على الناس الخطأ. لأننا نعرف أن الربعي، يرحمه الله، كان في موقف الضد لتدخلات تيارات الإسلام السياسي في المناهج الدراسية، ما دفع نواب التأسلم السياسي في فبراير من العام 1995 الى تقديم استجواب للدكتور الربعي، الذي كان حينها وزيراً للتربية، وزيرا للتعليم العالي. حينها، ومن منطلق واجبي الوطني، وبسبب الادعاءات الباطلة للمتأسلمين وأكاذيبهم في حق الدكتور الربعي، كتبت مجموعة مقالات نشرت خلال الأسبوع الأول من شهر مارس من العام 1995، وهي فترة الاستجواب، دفاعاً عن الربعي، ومن بينها مقالة بعنوان "الدكتور الربعي...وفهد العسكر"، قارنت فيها بين ظروف شاعرنا العبقري فهد العسكر، ومدى تشابهها مع ظروف فيلسوفنا الكبير الربعي، مستشهداً ببعض أبيات من قصيدة نظمها العسكر في العام 1946، يقول فيها: "وطني وما أقسى الحياة به على الحر الأمينوألــد بين ربوعه مــن عيشتي كأس المنونقد كنت فـردوس الدخيل وجنة النذل الخئونلهفي على الأحرار فيك وهم بأعماق السجونودموعهم مهج وأكباد ترقرق فـي العيونما راع مثل الليث يؤسر وابن آوى في العرينوالبلبل الغريد يهوي والغراب على الغصونوطني وأدت بك الشباب وكل ما ملكت يمينيوقـبرت فـيك مواهبي واستنزفــت غــللي شؤونيهذا رماني بالشذوذ وذا رماني بالجنونوهناك منهم من رماني بالخلاعة والمجونوتطاول المتعصبون ومـا كفرت وكفرونيوأنا الأبي النفس ذو الوجدان والشرف المصونالله يــشهد لي وما أنا بالذليل المستكينلا در درهم فلو حزت النضار لألهونيأو بعت وجداني بأسواق النفاق لأكرمونيأو رحت أحرق في الدواوين البخور لأنصفونيفـعرفت ذنبي، أن كــبشي ليس بالكبش السمين"صباح يوم السبت الماضي جاءتني رسالة رقيقة عبر البريد الألكتروني من مملكة البحرين الشقيقة، وهي دعوة كريمة من الأخ العزيز المهندس عبدالنبي العكري، للمشاركة في إحياء حفل تأبين المغفور له بإذن الله الدكتور أحمد عبدالله الربعي، المزمع إقامته في مقر جمعية المهندسين البحرينية، وذلك في يوم الجمعة 8 مارس الجاري، وقد أرفق الأستاذ العكري برسالته قائمة بالسادة المشاركين في هذا الحفل، وهم نخبة من مثقفي الوطن العربي، من أقصاه إلى ادناه. وبدا لي من برنامج حفل التأبين أنه احتفال مكثف و"متعوب عليه"، وكأن الراحل الكبير قد رحل بالأمس، وليس قبل أحد عشر عاماً، وهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مناسبة سنوية لا يقيمها الكويتيون فقط، تعبيرا عن امتنانهم لما قدمه هذا الفيلسوف الراحل للثقافة الإنسانية، وإنما تشاركهم حزنهم غالبية العرب من مختلف أرجاء الوطن العربي أيضاً. ولو مررت على برنامج هذا الحفل لاكتشفت أن كل المشاركين يتسابقون على إلقاء كلمات التأبين. فكلمة الافتتاح يلقيها رئيس اللجنة المنظمة، المهندس عبدالنبي العكري، ثم لاحظ صياغة بقية القائمة، كلمة أصدقاء الفقيد من البحرين د. علي فخرو، ثم كلمة أصدقاء الفقيد من الكويت، الأستاذ أحمد الديين، تليها كلمة أصدقاء الفقيد من السعودية، د. يوسف مكي، وبعدها كلمة أصدقاء الفقيد من الإمارات، الأستاذ محمد الشكر، ثم كلمة أصدقاء الفقيد من سلطنة عمان، الأستاذ مراد عبد الوهاب. كما سيشتمل حفل التأبين على فيلم وثائقي حول إنجازات الراحل أحمد الربعي، تليه كلمة أبن الفقيد قتيبة أحمد الربعي، ثم معرض كتب وصور الفقيد، ليختتم الحفل بكلمة الدكتورة هدى آل محمود من مملكة البحرين الشقيقة. بعد كل هذا العشق الجارف للراحل المحبوب بسبب إنجازاته الكثيرة، وأهمها أخلاقياته الإنسانية الحقة، يأتينا واحد غريب الأطوار، استفاد من تيار التأسلم السياسي ليصعد على المنبر السياسي، ولم ينجز شيئاً يذكره التاريخ، ليخبرنا متسائلاً: ما هي إنجازات الدكتور أحمد الربعي؟ كلامه وحده يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الدكتور أحمد الربعي "معور" تيارات الإسلام السياسي و"مأذيهم" و"مأثر" فيهم حتى وهو ميت. ويقولون ما هي إنجازاته؟ هذا التأثير لوحده إنجاز.إعلامي كويتي