صمود الكويت عبر الأزمنة
شهدت الكويت منذ قدم التاريخ العديد من الأمراض والكوارث والمخاطر، التي أثرت بشكلٍ كبيرٍ على أهلها، لا سيما الأمراض؛ حيث لم تكن الخدمات الطبية ومراكزها متقدمة كما الآن، لمواجهة تلك الأمراض الفتاكة، أما من ناحية الكوارث الطبيعية، فلم يكونوا مستعدين لها، ليس بسبب خبرتهم فقط! بل لأن أدواتهم بسيطة، وعمرانهم متواضع من الطين، أو من كان يسكن في الخيام في البر، فلا يستطيعون التصدي للكوارث الطبيعية، التي حلت على الكويت وأنهكتها في ذلك الوقت.
والواقع أنه في بعض الأحيان تحل الكوارث والأمراض سوية! مما يعقد الموقف كثيراً، ففي سنة 1831م حدثت عاصفة هوجاء، وكذلك وباء الطاعون في الكويت؛ إذ هب غبار ناعم جداً، مما سبب خطراً نتيجة انعدام الرؤية، وضيق التنفس، ونتيجة لذلك مكث أهل الكويت في بيوتهم، ولم يخرجوا منها إلا للضرورة القصوى! وشلت حركة المواصلات البحرية بين الكويت ودول الخليج الأخرى، حتى اعتقد الناس أن الساعة آتية، ولكن حلت رحمة الله سبحانه وتعالى بهم، فرُفع الوباء عن أهل الكويت، وسميت هذه السنة بالسنة الحمراء، لأن الغبار كان لون أحمر، وما إن انتهت تلك الأيام العسيرة حتى تفشى وباء الطاعون في الكويت ونجد والعراق؛ حيث أفنى الوباء أكثر من ثلاث أرباع أهل الكويت، فمات خلقٌ كثيرٌ، والجدير بالذكر، أن المؤرخين يعزون ربما قلة عدد سكان أهل الكويت إلى كارثة الطاعون، ولم يسلم من هذا الوباء سوى أربعمائة شخص! بالإضافة إلى البحارة، الذين تفاجئوا عند عودتهم بما حصل في البلاد من وباء، فتزوج بعضهم للحفاظ على المجتمع من البلاد المجاورة، واستناداً إلى ما سبق، يؤكد المؤرخين أن سكان الكويت الحاليين هم من سلالة الناجين من ذلك الوباء الفتاك. ويذكر المؤرخ الرشيد قصة لأحد الأسر الكويتية في منطقة شرق؛ حيث أغلقوا دارهم بعد أن وفروا الطعام والشراب فلم يصبهم أذى الطاعون.
وفي سياق الحديث عن الجفاف والمجاعة، لابد من الاشارة إلى أزمة "الهيلك"، التي أصابت بلاد فارس، وشبه الجزيرة العربية عام 1868م، واضطر العديد من المتضررين من بلاد فارس اللجوء إلى الكويت، مما أثر على أهلها، الذين أصابهم الجوع أيضاً، فاضطروا إلى أكل دماء البهائم واستمر ثلاث سنواتٍ تقريباً، وكان لرجلين من أهل الكويت يدٌ خيريةٌ في مساعدة الناس منهم يوسف البدر، ويوسف الصبيح، وعبد اللطبف العتيقي، وسالم سلطان، وأسرتي معرفي، والإبراهيم، حيث فرجوا كربات المحتاجين، ووفروا لهم الطعام والكسوة في الأسواق والطرقات، وتجهيز المتوفى، ويقصد بلفظ الهيلك أنها جاءت من الهلاك المروع الذي حدث للناس في تلك الفترة. وبعد ثلاث سنوات تقريباً، حدثت فاجعة أخرى بسكان أهل الكويت؛ حيث تعرضت سفنهم إلى طوفان وإعصارٍ هائلين بين الهند ومسقط عام 1871م، فتسببت بموت أغلب البحارة والغواصين، الذين كانوا على متن السفينة، ولم ينجُ منهم إلا القليل! ودمرت أغلب أساطيل اللؤلؤ، وكانت هذه من أكثر السنوات قساوة على الكويت، بسبب موت كثيرٍ من الناس، ولأن اقتصادها كان يعتمد على تجارة البحر، فسميت بسنة الطبعة، التي تعني باللهجة الكويتية الغرق، ويُذكر ممن فقدوا سُفنهم، وهم عوائل: الإبراهيم، والعصفور، الصبيح، ونصف البدر، ومحمد الغانم.
أما سنة الدبا، فهي السنة التي شهدت غزو صغار الجراد لذي يزحف بأعداد هائلة كالبساط، فكان كالسيل على أرض الكويت عام ١٨٩٠م، فأتلف معه المزارع، وملأ الآبار وأنتنها، كما إنه آذى الأطفال أيضاً، فشعر الناس بالقلق، وقل نومهم، واستمر من اثني عشر مضان إلى أواخره في أربع وعشرين، وسميت بالدبا، لأن الجرادة لا تحب الطيران، فتفضل أن تدبي على الأرض.
أما سنة الرجيبة، فقد شهدت هطول أمطار قوية جداً صاحبتها رياح عاصفة على الكويت، فأوقعت أضراراً جسيمةً على المنازل والسفن، وجدير بالذكر، أن هذه الكارثة وقعت في شهر رجب عام ١٨٧٢م في عهد الشيخ عبد الله الصباح، وسميت بالرجيبة، لأنها وقعت في شهر رجب، كما تسمى بهدامة لانهدام كثيرٍ من البيوت، وتجاوز أهل الكويت تلك الكارثة بالصبر، والتضرع إلى الله تعالى، فضلاً عن صدقات المحسنين في مساعدة المحتاجين، الذين اعتادوا على بذلها في اليسر والعسر.
وعلى خلاف تلك السنة، فقد شهدت الكويت ارتفاعاً في محصول اللؤلؤ، وزيادة في الخيرات وكثرة السفن الكويتية عام ١٩١٢م، التي سُميت بسنة بالطفحة؛ حيث عوضت الكويت ما خسرته بعد معركة هدية، وهجرة كبار التجار، ونتيجة لذلك الرخاء نشطت الهجرات إلى الكويت، بالإضافة إلى ازدياد عدد الأسواق التجارية، ودخول فئة جديدة من العملات وهي الألف روبية، فاستحقت أن يسميها الكويتيون بذلك الاسم، لأنها سنة خير وفير.
والواقع أنه أهل الكويت فزعوا نتيجة انتشار مرض الأنفلونزا في قارة آسيا والدول المجاورة، وسبب اضطرابهم يعود لتذكرهم فاجعة وباء الطاعون عام ١٨٣١م، إلا أن رحمة الله وسعت كل شيء، فأذهب عن أهل الكويت تلك الموجة دون أن يصب أحدٌ بأذى؛ لذا سمي عام ١٩١٨م بسنة الرحمة.
واستمراراً في ذكر الأمراض التي حلت في المجتمع الكويتي، فقد انتشر في الكويت مرض الجدري عام ١٩٣١، الذي أنهى حياة العديد من سكان الكويت؛ حيث لم يكن هناك سوى مستشفى الإرسالية الأمريكية، الذي لم يكن مؤهلاً للتصدي لتلك الجائحة، والجدير بالذكر، أن المرض انتشر في الكويت عبر القادمين من بلاد فارس، وبناء على ذلك قام مدير البلدية آنذاك سليمان العدساني بجميع الترتيبات الوقائية، مثل منع دخول الإيرانيين إلى البلاد، وتجدر الإشارة أنه بلغ عدد المصابين بالجدري سبعة آلاف شخص غالبيتهم من الأطفال.
وحريّ بنا التطرق إلى عام ١٩٣٤م؛ حيث هطلت على الكويت أمطارٌ أشبه ما تكون بالسيول الجارفة، التي ستمرت أياما عديدة، حتى سُمي العام بسنة الهدامة، التي فاقت خطورتها كارثة الرجيبة، فهُدمت العديد من البيوت الطينية، وشردت ساكنيها، وقد أشرف الشيخ أحمد الجابر الصباح -رحمه الله- على أعمال الإغاثة بنفسه، في حين قام أصحاب البيوت غير المتضررة بفتح بيوتهم لإخوانهم المتضررين، ومن المفارقات العجيبة أن تلك الكارثة تسببت بشق شارع كبير في المدينة، وهو الأول من نوعه، وقد سمي بشارع دسمان ثم شارع أحمد الجابر.
وخلاصة القول، إن المجتمع الكويتي مر بظروفٍ صعبةٍ، وقاهرة، إلا أن أهله استطاعوا تجاوزها، بفضل الله ثم بصبرهم، وقوة إيمانهم وشخصياتهم، ورضاهم بقدر الله تعالى، ثم بصدقاتهم، التي جُبل الشعب الكويتي عليها، فاستحق معها أن تسمى الكويت بلد الصدقات.
كما يجب أن نحمد الله تعالى على نعمه، بتطور حياتنا نحو الأفضل، ووسائلها، بعد أن كانت معيشتهم بسيطة، وغير متطورةٍ.
إعداد الطالبات: نوت الصليلي، ديمه الظفيري، أنوار محمد، فاتن العنزي، روابي الهاجري، لولوة سعيد
إشراف: د. مبارك عشوي العنزي، كلية الكويت للعلوم والتكنولوجيا