السبت 07 يونيو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

طارق الطيب: عالجتُ في رواياتي معاناة الغربة والعنصرية في أوروبا

Time
الخميس 11 يونيو 2020
View
5
السياسة
"وأطوف عارياً" صورة مستترة للقسوة الأوروبية
النمسا لها ثقلٌ أدبيٌّ وترجمة أعمالي أضافت لي الكثير
كتاباتي كلها لم تتخلَّ عن حضور أفريقيا ومعاناة دولها


القاهرة - آية ياسر:

يمتاز قلمه بعذوبة اللغة ورشاقة الألفاظ، يغوص عميقاً في داخل النفس البشرية بأحزانها وأفراحها، تنحاز أعماله إلى القضايا الإنسانية الكبرى، مثل، التهميش، العنصرية، وقضايا الهجرة، تلقي الغربة بظلالها على كتاباته التي تتنوع بين الشعر، والرواية، القصة، المسرحية،والسيرة. نشرت ترجمات لكتبه في ألمانيا، فرنسا، مقدونيا، صربيا، إنجلترا، إسبانيا، رومانيا، و إيطاليا، كما ترجمت روايته إلى أكثر من عشرين لغة فى مجلات ودوريات أدبية أوروبية،أميركية، وآسيوية.
حول مسيرته الأدبية، وروايته الأخيرة "وأطوف عاريا"، اكد الروائي السوداني- المصري طارق الطيب في لقاء مع "السياسة" أن السودان ومصر حاضرتان بقوة في أعمالي، لافتا إلى أنه عالج قضية الغربة في رواية بيت النخيل، والعنصرية والمهاجرين في أوروبا في روايته "وأطوف عاريا" كما حمل هموم المجتمع السوداني في ثنايا روايته "مدن بلا نخيل" وكانت أفريقيا حاضرة بقوة في جميع أعمالي، وفيما يلي التفاصيل:

ماذا فعلت بك الغربة بعد كل هذه الأعوام في النمسا؟
لم أعُد أعتبرها غربة أو أسميها غربة بعد حياة وإقامة متواصلة في النمسا لمدة 36 سنة. هذا المكان الوسط-أوروبي الذي استوعبته بعد كل هذا العمر، كان لا بد أن تتساقط أشعته على كتاباتي بشكل طبيعي وغير مفتعل، فلغتي الأجنبية الأولى صارت الألمانية وأزاحت الإنجليزية من سباق اللسان.
كيف عالجت أدبياً قضية الغربة؟
"بيت النخيل" روايتي الثانية تدور أحداثها على أرض فيينا، قصة حب، معاناة، واغتراب لبطلها "حمزة"، السودان ومصر حاضران بقوة أيضا في الرواية، أما رواية "وأطوف عاريا" فأحداثها تدور على أرض فيينا، فيها كثير من الحب والكراهية، فيها تأريخ وفيها الصورة الأخرى المستترة للقسوة الأوروبية.
ماذا عن رواية "الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا"؟
أصدرتها هناك بين الروايتين، صدرت حتى الآن في ثلاث طبعات، منعت في بعض الدول العربية، تروى حكاية حب مستحيلة، يستحسنها البعض ويستنكرها البعض، لكنها حدثت وسجلت نفسها في تاريخ الرواية.
كيف عالجت قضايا العنصرية وحياة المهاجرين الأفارقة والعرب فى أوروبا؟
من الصعب اختصار الإجابة في معالجتي لقضايا العنصرية، العنصرية قضية ذهنية موجودة في كل المجتمعات، تجاهُلها من البعض لا ينفي وجودها، تحديدا في النمسا كدولة لم يكن لها مستعمرات مترامية الأطراف في أفريقيا أو آسيا؛ لم تكن الصورة العربية والأفريقية سيئة حتى أوائل الثمانينات.
ماذا حدث بعد ذلك؟
بعد سبتمبر2001 تغير كل شيء عربي أولا، ثم تدرج من العربي إلى كل شيء إسلامي، تحاول أوروبا مؤخرا التنصل من دورها الإنساني القديم بإرهاب ذهني للمواطنين من صناعة محلية ضد قوافل المهاجرين العرب والأفارقة تحديدا.

السودان ومصر
ماذا عن تجليات القارة السمراء وحضور العالم النامي في أعمالك؟
لو اعتبرنا السودان ومصر ضمن القارة السمراء والعالم النامي، هذا حاصل وأكيد؛ فإن كتاباتي كلها لم تتخلَ عن حضور أفريقيا في كل ما كتبتُ، فهي حاضرة في الروايات الأربع، حاضرة في أكثر من خمسين قصة منشورة، حاضرة في كتاب السيرة الذاتية، في دواويني الشعرية، في أكثر من خمس وخمسين مقالة، وحاضرة في أغلب اللقاءات الحية الكثيرة عبر العالم.
ما الذي قصدته بطواف الشخصية عكس عقارب الساعة في روايتك "وأطوف عارياً"؟
من الصعب للمؤلف أن يفسر عمله الذي كتبه، للقارئ أن يؤول ويفسر ما يقرأ بطريقته، لكن تفسيري الشخصي لأي عمل لي يعد تجميدا له وتضييقا لأفقه، كل تدخل بتفسير لي فيما كتبت، يقتل ملكة إبداع القارئ، فللقارئ ملَكة إبداع قرائي واستدلال استقرائي لنص الكاتب لا يجوز التعدي عليها.
لماذا جمعت بين أكثر من مستوى لغوي، ولغات أجنبية فيها؟
بحكم أنها تدور بين عالمنا العربي، في مصر والسودان تحديدا ثم في فيينا، فالعالم اللغوي هو العربية ثم الألمانية، هذا الصدام اللغوي لم يكن سهلا لحمزة في هذا الانتقال المفاجئ، انتقال محا أهم الحواس الضرورية التي لم يكن يفكر فيها أو في أهميتها، حاسة السمع، فقد أصبح ينصت إلى لغة بعيدة تماما عنه ومستغلقة عليه، هذه الورطة أو الصدمة درّبته على الصبر، على استعاضة السمع بالنظر، وتأويل ما استغلق على أذنيه بواسطة عينيه.
لماذا جعلت من تيمة التعري محوراً للرواية؟
سؤال يحرق مضمون الرواية، ترتبط إجابته بالسؤال السابق، لو كنت قادرا على شرح الأمر بكتابة تفسيرية له، لما أرهقتُ نفسي في كتابة الرواية.
كيف عالجت هموم المجتمع السوداني في روايتك "مدن بلا نخيل"؟
الروايات تُكتَب أيضا لتعالج هموم المجتمعات، بالتوقف عندها، واستيعاب مغزاها، ومحاولة البحث عن حلول الرواية، محاولة إضافة وعي مغاير أو وعي إضافي للقارئ بطريقة طوعية.
الرواية كانت السؤال الأول، في "بيت النخيل" كانت الإجابة حزمة جديدة من الأسئلة، الرواية تبرز قضية النزوح من الجنوب إلى الشمال في زمن آخر زمن الثمانينات هجرة بإمكانات فقيرة، بلا خطة للسفر، بلا لغة للمكان الجديد،وبلا أي سند مادي أو معنوي.
ما سبب تركيز كتابك "محطات من السيرة الذاتية" على سنوات حياتك في مصر قبل الهجرة للنمسا؟
لأن "محطات من السيرة الذاتية" تمثل الجزء الأول من حياتي لربع قرن في "مصر"، قبل أن تؤول معظم أحداث تلك الفترة إلى النسيان، أما الجزء الثاني الذي أعمل عليه، فسيمثل الفترة التالية التي ستتناول" فيينا " تفصيلا، وبعض الأمكنة المؤثرة حول العالم التي تركت بصماتها أو آثارها في حياتي.
ما سبب شقاء أبطالك فالحزن والألم النفسي تيمتان متكررتان في رواياتك؟
لكل منا حزن وألم في حياته، نظل في حياتنا في محاولات لتلافي الحزن أو علاج الألم والانكسارات لكننا لا ننجح على الدوام، كلنا نشقى في الحياة بمستويات مختلفة، الفرح له مكانه أيضا في الكتابة لكنه ليس سقفها أبدا، هو أحد الجدران التي يستند عليها الأشخاص لمواصلة متاعب وانكسارات الحياة، قد نكتشف لاحقا أنها كانت مائلة، كل الروايات الكبرى تنطوي على شقاء أصحابها، حتى سير الأنبياء مغزولة بالشقاء، السعادة الدائمة الخالصة حالة فردوسية مستحيلة على الأرض نسعى إليها بالحلم والأمنيات والكتابة.
لماذا يبدو أبطال بعض رواياتك مشدودين إلى ماضيهم وتطاردهم لعنة الذكريات؟
أوافق على أن بعض أبطال رواياتي مشدودون إلى ماضيهم، لكن لا أعتقد أن هناك لعنة تطاردهم، ببساطة، كل شخص ينتقل من مكان إلى آخر بالضرورة ينقل معه حملا من الذكريات والتاريخ، انه مُحمَّل بديهيا بهوية تمثل كتلة مترابطة من الثقافة من ضمنها اللغة، الاعتقادات، العادات، والتقاليد.

الصنوف الإبداعية
تكتب الشعر والرواية والقصة والمسرح، فأين وجدت ذاتك الإبداعية؟
أكتب بالفعل كل هذه الصنوف الإبداعية، لا أرى نفسي متخصصا في نوع منها، لا أرى أنني أحاول الظهور بكمال لن يناسبني، يوجد الكثير ممن سبقوني في المضمار نفسه ومارسوا تنوّع الكتابات نفسها وأكثر، في النهاية فإن القارئ هو الذي يحدد ما يروق له، الأمر يندرج تحت فكرة التنوع وليس التعدد.
هل كانت الترجمة أمينة مع أعمالك المترجمة؟
كانت أمينة في الترجمة الألمانية تحديدا لأنني كنت مع المترجمة فقرة بفقرة ولاقى الكتاب استحسان القراء بالألمانية. الترجمة الإنجليزية راجعني فيها المترجم في فقرات وكلمات دقيقة بشكل أفرحني، هذا حدث أيضا مع الإيطالية. الترجمة الأخيرة إلى الإسبانية قام بها خالد الريسوني "شاعر ومترجم ومتمكن جدا من اللغتين العربية والإسبانية". بقية الترجمات، مثل، المقدونية، الرومانية،و الصربية، لا أستطيع الحكم عليها إلا من استحسان الجمهور للنص المنقول إلى لغتهم الأم ومن ارتياحي لأن المترجمين شعراء كبار في بلادهم.
ما الذي أضافته الترجمة لتجربتك الإبداعية؟
الترجمة أضافت لي الكثير جدا، منها الوصول لجمهور آخر في بلدان بعيدة مثل، الصين، أميركا الوسطي، واللاتينية، الدول التي تتحدث الإنجليزية،الفرنسية،والألمانية، تعرَّفت من خلالها على شخصيات أدبية وفنية عظيمة، زرت دولا رائعة ملهمة لم أكن أحلم بزيارتها.
كيف أثّرت تلك الأسفار في تكوينك الإبداعي؟
سافرت حول العالم للمشاركة في فعاليات أدبية ومهرجانات شعرية، أسعدتني الكتابة أن أكون في أكثر من خمس وثلاثين دولة حول العالم وأكثر من تسعين مدينة بدعوات أدبية، أعتز بالكثير من المشاركات، منها مشاركتي الأخيرة في مهرجان "ميديين" العالمي للشعر في كولومبيا، في حضور الآلاف من الجماهير وفي الاحتفاء بالشعراء بشكل في غاية السمو والتقدير.
ماذا عن المشاركات الأخرى؟
مشاركتي في مهرجان سان فرانسيسكو أيضا لها في ذاكرتي إعزاز خاص، بالإلقاء على المسرح الكبير أو التعرف على عدد من الشعراء أصحاب القامات المهيبة، أيضا كل لقاءات مقدونيا الخمسة، باحتفائهم المميز في مدينة ستروجا، وغرس شجرة سنويا باسم شاعر عالمي كبير.
هل زرت السودان؟
لي في السودان ذكرى وإعزاز خاص في الوجدان بزيارتي الأدبية لمدة شهر كامل لسبع ولايات في احتفاء كبير ونادر في العام 2012.
ما العلاقة بينك كأديب وأستاذ جامعي بطلابك؟
علاقتي بطلابي طيبة، يحبون محاضراتي،ويحرصون على حضورها، أقرأ تقييماتهم عني في نهاية الفصول الدراسية بما يثلج الصدر دائما، أنقل لهم الكثير أبعد من المنهج المقرر. نتناقش في كل الأمور وأزج بالأدب كثيرا في النقاش، الطالبة أو الطالب سيحمل اسمي واسم جامعتنا بعد التخرج؛ لذا فأنا مسؤول عن جزء من قدراتي الأكاديمية والمعرفية وربما الإنسانية.
ما الذى تقدمه لهم فيجعلهم حريصين على محاضراتك؟
الطالب الذي يتخلف قليلا لأسباب صحية أو مشكلات خارج إرادته، أخصص لها أو له بعض الوقت الإضافي للمراجعة، مجانا طبعا، لا أقدم أي دروس خصوصية، كما تعودت أن أهدي مكتبة الجامعة الكثير من كتبي وكتب زملائي دون انتظار لمقابل.
مــــا طبيعـــة المشهد الثقافي الراهن في النمسا خاصة وأوروبا عامة؟
النمسا لها باع قديم وثقيل أدبياً وفنياً، انها رافد مهم في الثقافة الألمانية، يخلط البعض أحيانا في أسماء الكتاب والكاتبات بحكم اللغة الألمانية المشتركة فيعتبرونهم ألمانا.
من أشهر هؤلاء الكتاب؟
يكفي ذكر مجموعة أسماء عالمية مؤثرة مثل، تراكِل،شتيفان تسفايج، يوزف روت، ريلكه،إلزه آيشينجر، پاول تسيلان، إريش فريد، إنجبورج باخمان، إرنست ياندل، فريدريكه مايروكر، توماس برنهارد، بيتر توريني، باربارا فريشموت، وأسماء كثيرة غير معروفة في عالمنا العربي.

جائزة نوبل
أين تقع النمسا أدبيا؟
حين فازت الكاتبة النمساوية ألفريده يلينيك عام 2004 بجائزة نوبل في الآداب، ثم فاز بها النمساوي بيتر هاندكه في العام 2019، لم تقم الدنيا هنا أو تقعد، فهم لا يبالغون في الأحداث ولا يكبّرون الأمور كثيرا، رغم أن عدد سكان النمسا لم يتجاوز بعد التسعة ملايين، فإنهم ينفقون على الأدب، والابداع، والفن،والمنح الأدبية،والجوائز ما لا يتخيله أحد، أما المشهد الأوروبي فهو يحتاج لمجال أكبر للحديث ولو باختصار.
ما الجوائز التى حصلت عليها؟
حصلت على الكثير من المنح الكبرى والجوائز منها، منحة إلياس كانِتي الكبرى في فيينـَّا عام 2005، والجائزة الكبرى للشعر في رومانيا في العام 2007، ثم تعييني سفيرا للنمسا لعام الحوار الثقافي الأوروبي في العام 2008، كما حصلت على وسام الجمهورية النمساوية تقديرا لأعمالي في مجال الأدب والتواصل الأدبي محليا وعالميا، في العام 2008.
كيف ترى أوضاع الأدباء المهاجرين العرب المقيمين بالنمسا؟
لا توجد أسماء أدبية عربية كبيرة ذات شأن خرجت من النمسا في العقود الأربعة الأخيرة، أظن أن الجيل الثالث الذي ولد هنا ممن له باع كبير في اللغة الألمانية، سوف يحقق تفوقا ملحوظا ومكانة أكثر بروزا في العقود المقبلة.
ماذا عن الأفارقة؟
يشملهم الوضع العربي نفسه، توجد كتابات -لا أقول منعدمة- لكنها ليست مؤثرة بالصورة التي تتناسب مع قدرات العالم العربي أو مع طاقة قارة أفريقيا.
هل تستعد لنشر عمل أدبي جديد؟
بالتأكيد يوجد عمل جديد توقفت فيه قبل عام تقريباً بسب الأسفار الكثيرة، أما ما هو وما تفاصيله، فهذا ما لا أتحدث فيه قبل أن أنجزه تمامًّا، حين أقوم بتصحيح آخر صفحة فيه وأدفعه لدار النشر؛ وقتها فقط يمكنني أن أعلن عنه.

غلاف "الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء"


غلاف "بيت النخيل"


..."وأطوف عاريا"
آخر الأخبار