الثلاثاء 13 مايو 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   منوعات

عادل أدهم... غيَّر ملامح الشرير في السينما

Time
السبت 09 أبريل 2022
View
5
السياسة
"صاحب الألف وجه" شارك بود سبنسر بطولة فيلم إيطالي

بدأ حياته خبيراً للأقطان وانتهت مسيرته بـ "علاقات مشبوهة"

"لوموند" الفرنسية وصفته بالبارع في أداء أدوار الجاسوسية

فضل السينما على المسرح والتلفزيون واعتبرها مثل والدته


القاهرة - نعمات مدحت:

صاحب طراز خاص في الأداء الدرامي، أطلق عليه النقاد والمخرجون "ممثل الألف وجه" لقدرته على التنوع والتعبير عن مختلف الشخصيات بنفس البراعة، له لونه المميز الذي يتفرد به عن زملائه، دخل الفن من باب الهواية وليس الاحتراف، أدواره تختاره كما كان يقول دائما عن نفسه، ترك بصمة لدى المشاهد ما زالت عالقة في ذهنه حتى الآن بعد أن غير ملامح شخصية الشرير في السينما المصرية.
إنه الفنان الكبير عادل أدهم، الذي استطاع خلال مسيرته أن يثبت أن "السنيد" يمكن أن يكون سببا في نجاح الفيلم جماهيريا وماديا أكثر من البطولة الأولى.
من يتخيل أن هذا الفنان الذي نال العديد من الألقاب مثل "البرنس وملك الشر وكوجاك والخواجة"، قال له الفنان أنور وجدي، ذات يوم "أنت لا تصلح إلا أن تمثل أمام المرآة فقط"، وحدث ذلك بعد أن أحب ابن الاسكندرية، المولود في العام 1928، الفن وأراد أن يسير في دربه حتى يصل إلى العالمية، خصوصا أنه كان يجيد أربع لغات هي الفرنسية والإسبانية والإنكليزية، علاوة على التركية التي تعلمها من أمه ذات الأصول التركية، بجانب امتلاكه القوام الرياضي الذي يساعده على أداء مختلف الأدوار نتيجة اجادته رياضة الجمباز والسباحة والمصارعة، وقد لفت نظره إلى التمثيل موقف طريف حدث له ورواه في أحد لقاءاته قائلا: "كنت ارتدى قبعة على رأسي وأجلس على شاطئ الإسكندرية، فوجدت أحد الأشخاص يقترب مني قائلا: تحب تشتغل في السينما يا خواجة"، فضحكت وبعدها عرف أني مصري، ولم يكن هذا الشخص سوى المؤلف الكبير بديع خيري.
غادر عادل إلى القاهرة بعد علمه أن الفنان أنور وجدي، يبحث عن وجوه جديدة لفيلم "ليلى بنت الفقراء"، وعندما خضع للاختبار أمامه، أصابته كلمات وجدي بصدمة شديدة، لكنه تعامل معها كنصيحة وأخذ بها ووافق على الظهور بدور قصير كراقص وليس كممثل، وبعد عرض الفيلم في العام 1945، كان ظهوره الثاني بمشهد صغير في فيلم "البيت الكبير"، ثم عمل كراقص أيضا في فيلم "ماكنش على البال" العام 1950، وخلال هذه الفترة انضم عادل إلى بعض الفرق الاستعراضية إلا أنه لم يجد نفسه فيها، فعاد إلى الاسكندرية ثانية، واتجه إلى العمل في بورصة القطن حتى أصبح خبيرا فيها، وكان يطلق عليه حينها "خبير أقطان"، وظل يعمل في هذه المهنة لسنوات إلى أن فكر في السفر خارج مصر.

"هل أنا مجنونة"
خلال إنجازه الأوراق المطلوبة للسفر، لعب القدر لعبته معه وجمعه بالمخرج أحمد ضياء الدين من خلال صديقه الفنان كمال الشناوي الذي كان تعرف عليه من خلال احتكاكه بالوسط الفني عندما عمل به، ومنذ ذلك الوقت ربطتهما صداقة قوية، وذات مرة كانا يجلسان معا وبصحبتهما المخرج أحمد ضياء الدين في أحدى الكبائن بالاسكندرية أثناء الصيف، وعرف الشناوي أن أدهم يجهز للسفر للخارج، فاقترح على المخرج ضياء الدين، أن يستعين به في دور الشرير الذي كان يبحث عنه لفيلم "هل أنا مجنونة"، فوافق على الفور وأخبره بأنه منذ جلس معه وهو يفكر في ذلك، وتم التعاقد معه بعد مفاوضات بحضور الشناوي، وكانت المفاجأة أنه بعد عرض الفيلم في العام 1964 نال أدهم جائزة الامتياز في التمثيل من مهرجان الإسكندرية السينمائي عن الدور الذي تألق فيه رغم وجود نخبة من الممثلين معه في الفيلم ومنهم كمال الشناوي، سميرة أحمد، سميحة أيوب وغيرهم.
لفت أدهم الأنظار إليه بعد "هل أنا مجنونة" ما جعل المخرج نيازي مصطفى يختاره لأداء دور زعيم شبكة تجسس لحساب إسرائيل، يدير عمله التجسسي متخفيا من خلال إدارته لمصنع تحفٍ وأدواتٍ زخرفية في خان الخليلي، رغم أنه كان يعمل خبيرا بحريا سابقا في إسرائيل، وذلك في فيلم "الجاسوس" أمام الفنانين فريد شوقي وصلاح نظمي، وإذ به يتألق أيضاً في الدور ويترك بصمة كبيرة لدى المشاهدين.

"طائر الليل الحزين"
توالت الأفلام بعدها عليه، ومن أهمها "هي والشياطين" العام 1969، بطولة أحمد رمزي، شمس البارودي، نوال أبو الفتوح، يوسف فخر الدين، إخراج حسام الدين مصطفى، ويكاد يكون هو الفيلم الوحيد الذي جسد فيه دور إسكندراني باعتباره من مواليد حي الجمرك بالإسكندرية، ورغم أن الفيلم لم يلق النجاح الكبير عند عرضه لكنه اعتبره في تصريحات صحافية "أنه أفضل عمل فني قمت به في تقديري بغض النظر عن نجاحه".
انتشر عادل أدهم وأصبح قاسما مشتركا في العديد من الأفلام التي كان فيها نعم السنيد لأبطالها، بل كان قادرا على خطف الأضواء منهم لدرجة أنه وصف نفسه في العام 1978 بأنه "نجم العام" نظرا لتقديمه العديد من الأفلام فيه، ولم يكن فخره بالكم الذي قدمه ولكن بالكيف أيضا، ويكفي تجسيده شخصية "طلعت مرجان" رئيس المخابرات في فيلم "طائر الليل الحزين" إخراج يحيى العلمي وبطولة نيللي، محمود عبدالعزيز ومحمود مرسي، وأيضا دور"إلياس" ملك الليل، الذي أداه في فيلم "آه يا ليل يا زمن" مع الفنانين وردة، ورشدى أباطة، إخراج علي رضا، وقبلهما كان دوره في فيلم "حكمتك يا رب" الذي جسد فيه ببراعة دور معلم المذبح الذي يهرب المخدرات في بطون الإبل مع المعلمة سناء جميل.
أيضاً شارك في العام نفسه بفيلم "إبليس في المدينة" إخراج سمير سيف، وجسد فيه شخصية فريدة من نوعها من خلال أداء متميز خلاق تؤكد نجاحه ونجوميته ويبدو فيها حليق الشعر تماما كشخصية "كوجاك" في المسلسلات التلفزيونية، حيث كان أدى دور نصاب، يحتال على الوافدين الجدد إلى القاهرة بحثا عن عمل.
رغم النجاح الكبير الذي حققه "برنس السينما" في مصر إلا أن حلم العالمية الذي راوده في بدايته ظل يطارده، حتى جاء العام 1980، ليشهد انطلاقة من نوع خاص للفنان الكبير، باختياره للمشاركة في الفيلم الإيطالي "فلات فوت في مصر"، الذي كان بالنسبة له العمل الفني الكبير الذي يريد أن ينسج أدواره على منواله، حتى في الأفلام العربية التي يمثلها.
استطاع أدهم في الفيلم الذي تم تصوير جزء كبير منه في مصر أن يتألق بشكل كبير للدرجة التي جعلت بطل الفيلم الممثل الإيطالي بود سبنسر، يقول له "لقد شهدت عددا كبيرا من الممثلين العالميين يؤدون أدوار الشر، أو أدوار رؤساء العصابات، ولكن صدقني إذا أكدت لك بأن أحدا لم يقنعني بهذه الأدوار أكثر منك". وعنه أيضا قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية وقتئذ أن أدهم يتطلع إلى العالمية مثل زميله عمر الشريف، ووصفته بأنه يتميز في التخمين والمكر ويجيد ببراعة أدوار الجاسوسية والشر.
في هذا العام أيضا شارك في بطولة فيلم "أين تخبئون الشمس" للمخرج المغربي عبدالله المصباحي، والذي طالب فيه النقاد عند عرضه في فرنسا بضرورة استغلال امكانيات عادل أدهم في الأفلام المقبلة، لأن العالمية في انتظاره.

"جناب السفير"
برع "البرنس" أدهم في أداء أدوار الشر، ورغم أن أقطاب الشر القدامى محمود المليجي وفريد شوقي وتوفيق الدقن، بايعوه ملكًا لأدوار الشر، إلا أنه رفض أن يطلق عليه "ملك الشر"، مبررا بأنه يرى نفسه ممثلاً عليه أن يؤدي أي دور دون تقييد بلون معين، حتى أنه قال في أحد تصريحاته: أفضل لقب "البرنس" كما يحلو لأصدقائي في الوسط الفني أن ينادونني به، عن أن أكون ملكا لأدوار الشر، ثم يتم خلع اللقب عني في أي ثورة فنية مقبلة.
ورغم ذلك فإن ارتباط عادل أدهم، بأدوار الشر كان له التأثير الأكبر فيها، لأنها كانت تختزل قبله في ملامح الوجه المخيف بشكل مبالغ فيه، والاعتماد على التحديق بالعيون، وظهور آثار طعن السلاح الأبيض في الوجه والصوت الغليظ الأجش، والاعتماد على العضلات والقوة البدنية، لكنها شهدت تحولا كبيرا على يديه، حيث قدمها بأداء يتسم بالبساطة والانسيابية دون تكلف، حتى أن تعبيرات وجهه في جميع الأدوار التي يؤديها وحركة حاجبيه، كانت طبيعية، ليس هذا فحسب بل صارت "الإفيهات" المميزة التي يستخدمها علامة مسجلة باسمه يتداولها الناس حتى الآن، فضلا عن صوته البارد، وانفعالاته الشريرة دون افتعال ولا انفعال، مما يدل على أنه تعامل مع هذه النوعية من الأدوار بذكاء شديد وكشف ذلك عندما قال "أنا في الواقع ابن بلد"، لا أمثل أدوار الشر بل استخدم الشر بذكاء، فأنا مرة شرير بجلابية وأخرى ببدلة، وثالثة "برنس" وهكذا.
وفي محاولة منه للتأكيد على أنه فنان يستطيع أداء كل الشخصيات رغم تميزه الشديد وبراعته في أدوار الشر، قدم أدهم خلال مسيرته الفنية العديد من الأفلام التي لم يقترب فيها من الشر مطلقًا، من أبرزها "جناب السفير"، عام 1966، إخراج نيازي مصطفى، بطولة فؤاد المهندس وسعاد حسني، والذي لعب فيه دور وزير الخارجية، فيلم "الخائنة" العام 1966، ولعب فيه دور طبيب نفساني، فيلم "أخطر رجل في العالم" العام 1967، بطولة فؤاد المهندس وشويكار، وقدم فيه دور "بوليس جنائي دولي"، فيلم "السمان والخريف" العام 1967، ولعب فيه دور فدائي، فيلم "نساء ضائعات" وجسد فيه دور الزوج الضعيف جنسيا، في العام 1975. أيضا يعتبر عادل أدهم أول ممثل في مصر يستعمل في السينما الـ"hand sanitizer" معقم اليدين والذي لم يكن شائعا وقتها، وكان ذلك في فيلم "جناب السفير"، كملمح فكاهي طريف للدور الذي يقدمه، وجعله في هذا الفيلم شخصية كوميدية بسبب الوسواس القهري الذي كان يعاني منه، وحركاته الغريبة مع مطهر اليد، وكان أحد الأدوار الكوميدية النادرة التي أداها برنس السينما بعيدا عن الشر، بل أنه في العام 1986، قدم للمرة الأولى شخصية مختلفة في فيلم "رجل لهذا الزمان" سيناريو وحوار وحيد حامد وإخراج نادر جلال، بطولة شويكار، حيث جسد دور "القاضي الشريف" المتمسك بالمبادئ والأخلاق ومعرفته الكاملة بالقانون، والتي بسببها كان يتعرض لمتاعب كثيرة، حيث تم خطف ابنته للضغط عليه من قبل الفاسدين.

"المجهول"
شهدت رحلة شرير السينما العديد من المحطات المهمة ومنها فيلم "وداد الغازية" في العام 1983، بطولة محمود ياسين، ونادية الجندي، والذي كان يعتبره من أفضل الأعمال في مشواره الفني، أيضا فيلم "المجهول" العام 1984، إخراج أشرف فهمي، بطولة نجلاء فتحي، عزت العلايلي، سناء جميل، وأتقن فيه بشكل مبهر دور "الأخرس"، لدرجة أنه قال عن شخصيته في هذا الفيلم: "لا تستطيع أن تصف شخصية الأخرس التي أديتها بأنها شريرة فقط لكونها مشكلة وموضوع إنساني كبير لا تحتويها صفة واحدة، وحتى الشخصيات التي تستند إلى صفة واحدة أديتها بشكل مختلف في كل مرة حسب المشكلة التي تعانيها".
كل هذه الأدوار جعلت النقاد يؤكدون أنه لا يوجد مثله من يستطيع إتقان أدوار الشر بهذه البراعة، لقدرته الكبيرة في توصيل إحساسه للجمهور، علاوة على ما يتمتع به من هيبة وعظمة لن تتكرر، إلى جانب الكاريزما والطلة المميزة والقدرات العالية، حتى أصبحت أدواره على الشاشة كأنها وضعت من أجله، لشدة براعته في الأداء والتميز، وخفة الظل التي كانت تجعل المشاهد يضحك ولا يملك إلا أن يحبه حتى في أدوار الشر.
ما لا يعرفه الكثيرون الذين يظنونه قاسيا كما في أدواره، أنه في الحقيقة شخصية طيبة تتمتع بجوانب إنسانية راقية إلى أبعد الحدود، لدرجة أنه عندما كان يرى طفلا يعاني تدمع عيناه، كما كان يتمتع بقلب أبيض نظيف، حتى أن المقربين منه كانوا يصفونه بأن في داخله طفلا، أيضا قد لا يعرف البعض عنه أنه كان يقضي حياته بين ركوب الخيل، والموسيقى، والسفر إلى كندا، التي من شدة حبه وانبهاره بها كان لا يرغب في السفر إلى غيرها، كما كان عاشقا للموسيقى الهادئة والطرب، خصوصا أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، ومحبا للثقافة ودائم القراءة لكل من مصطفى أمين، أنيس منصور، ويوسف السباعي.
عشق "البرنس" السينما بشكل كبير، حتى أنه صرح يوما بأنها تأتي بعد والدته في المكانة والمحبة وأنها أخذته من المسرح والتلفزيون ولا يجد وقتا لغيرها، لذلك وهب كل حياته الفنية لها باستثناء مسرحية واحدة هي "وداد الغازية" التي تحولت إلى فيلم بعد ذلك، وعمل تلفزيوني واحد مع نور الدمرداش بعنوان "جريمة الموسم" في العام 1966، حيث كان يمل من التكرار بسبب إعادة تصوير المشاهد في التلفزيون أو إعادة العرض المسرحي بشكل يومي على الجمهور.
توالت أعمال الفنان عادل أدهم في السينما حتى أصبح مقلا فيها نتيجة عامل السن، لكنه في سنواته الأخيرة قدم العديد منها مثل "حجيم تحت الماء، عنتر زمانه، سواق الهانم"، إلى أن انهى حياته الفنية بفيلم "علاقات مشبوهة" العام 1996.
وخلال هذه الرحلة حصل عادل أدهم على 7 جوائز، وإن كان يعتبر جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام 1977 عن فيلم "طائر الليل الحزين" من أعز الجوائز إلى قلبه والتي تسلمها من الكاتب الراحل يوسف السباعي، وكان آخر هذه الجوائز التي حصل عليها العام 1981 عن مجمل أعماله فيها.
عقب الانتهاء من تصوير فيلم "علاقات مشبوهة"، أصيب الفنان عادل أدهم بالتهاب رئوي لمدة قصيرة، ثم رحل في 9 فبراير 1996 عن عمر ناهز 67 سنة، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك، إثر رحلة فنية طويلة، قدم خلالها عشرات الأعمال التي تركت بصمة لدى المشاهدين في مصر والعالم العربي.

عادل أدهم


أدهم وممدوح عبدالعليم


عادل أدهم ورشدي أباظة


مشهد سينمائي مع شمس البارودي


اعتبر السينما مثل والدته


أدهم ونبيلة السيد


غيّر نمط الشر في السينما


أدهم وليلى علوي
آخر الأخبار