أكد الروائي الكويتي عبدالله البصيّص في حديثه عن روايته "قاف قاتل سين سعيد" الصادرة حديثاً عن دار "روايات"، المتخصّصة في نشر الأعمال الأدبية العربية والمترجمة، والتابعة لـ"مجموعة كلمات"، أن تجربة تحريرها أخذت وقتاً أكثر من مدة كتابتها، حيث انتهى من تحرير المسودة الأولى قبل أيام من حصوله على جائزةمعرض الشارقةالدولي للكتاب" 2017 "عن فئة أفضل كتاب عربي في مجال الروايةعن رواية "طعم الذئب".ويرى البصيّص أن الجوائز الأدبية على الرغم من أهميتها وأثرها، إلا أنها تشكل تحدياً أمام الكاتب، إذ ترفع سقف توقعات القراء، وتجعل الكاتب بعد حصوله على الجائزة، أمام هاجس تجاوز العمل السابق، إلا أنه كان محظوظاً بأن لا يقع في هذا الفخ مع "قاف قاتل سين سعيد".واستطاع البصيّص من خلال "قاف قاتل سين سعيد"، وهي ثالث أعماله الروائية، والصادرة في"426" صفحة من القطع المتوسط، أن يذهب مع القارئ نحو عوالم اختار لها أقداراً متوازية، وعوالم تحاكي بعضها البعض، ترويها شخصيات تتمتّع بـ"كاريزما" خاصة، وتؤدي أدواراً لا يسهل فكّ ألغازها إلا إذا تمعّنها القارئ وأصغى لحواراتها الداخلية والخارجية.يوضح البصيّص أن رواية "قاف قاتل سين سعيد" ليست عملاً بوليسياً، لكنه تعمّد أن يجعل بدايتها مشحونة بمشاهد تكتنفها الجريمة، وسياق التحقيقات، والضحايا. مشيراً إلى أنه مَال بالسرد بعد ذلك نحو قصة أخرى مرتبطة بالأولى من حيث الفكرة العامة وإحدى الشخصيات، ليقدّم للقارئ مشاهد مترابطة وظّفها في العمل بأسلوب متقن.وبين أحداث تتسارع وتيرتها، وواقع يزدحم بالصور، يفسّر الكاتب أهمية المهارة البصرية التي اعتمد عليها في تقديم هذه التوليفة اللغوية التي تربط كلّ تلك المشاهد بخيوط لا مرئية، حيث يقول:" ليت الإلهام مصدرٌ حتى نعتمد عليه، يقيني بأن الإلهام هو بداية الفكرة، أما البقية فتعتمد على المهارة والاشتغال على تحسين مكونات العمل، لكن الذي ارتكزت عليه في هذا العمل هو "المشهديّة"، ووصف سريان الحدث بكامل تفاصيله المهمة، بلغة تمثل الراوي من جهة ومن جهة أخرى تمتاز بحيوية تربط المضامين بعضها ببعض دون خلل".ويروي الكاتب في العمل قصة المحقق ماجد، الذي تمضي حياته برتابة حتى ينكشف أمامه لغز يقوده نحو ساحات الطفولة والمراهقة الأولى وعوالم الشخصيات التي يتصدّرها "فهد"، ذلك الميّت المسجّى مثل جذع نخلة تيبّست حتى كشفت عن أسرارها، ويجد نفسه أمام لغز مقتل "سعيد جونكر" إحدى شخصيات العمل، التي أراد لها البصيّص أن تكون متداخلة ومنكشفة في الوقت ذاته.وبين ذاكرة مشحونة بالمواقف السياسية والثقافية والاجتماعية التي شكّلت التركيبة المجتمعية للكويت، وفي رصد متقن لسيرة الحرب وما ترافق معها، وأنشودة الحنين الأول، و"نوستالجيا" الفراق وغياب الشخصيات المؤثرة في حياة الكاتب، وضع البصيّص أمام القارئ توليفة من السرد الإبداعي الذي يكشف عن علاقة الكاتب مع اللغة الشعرية المشحونة بالجمال والمفردات الطيّعة.ويؤكد البصيّص توظيفه للشعر بقوله: "إن الشعر في حالة الكتابة الروائية هو السبيل الوحيد لمعرفة كيفية استخدام الرموز بشكل صحيح والتمكن من المجاز وخلق قدرة على وضع الاستعارات المناسبة ما يمنح الكتابة قوّة حركية ويغمسها في ذهن القارئ".ويضيف: "الشعر مهم في كتابة الجمل بشكل رشيق وغير متكلّف، وفي تصوير زاوية المشاهد وطريقة تناولها ومتى ينبغي أن يتوقف السرد ومتى يحين وقت انطلاقه، لهذا أعتبر أن الشعر هو الجسد الذي تحب اللغة أن ترتدي عليه ثيابها".ولم يُغلق البصيّص في الرواية باب التشويق واكتشاف الحقيقة، بل ذهب بعيداً بالقارئ نحو تخيّل كلّ ما حصل أو يمكن أن يحصل، كأنه يركض إلى جانبه ويضحك معه، ويجرّه إلى حديقة حيّه القديم، يمشي معه حافياً على بلاط مكتبة عمّه المليئة بأمهات الكتب، وأهم الروايات العربية والعالمية، ويُسمعه صوت ذلك الطفل الذي وصفه بعد أن نجح في فكّ لغز جدته وهو يتجاوز عتبة عامه الثامن بأنه تعلّم حيلة الكتابة، وبات يمتلك سلاحاً يستطيع من خلاله أن يواجه العالم لوحده، ليطبق الحوار في الرواية بجملة سرعان ما انتبه لها: "ثمّ راحت الأيام تفعل الذي تفعله دائماً، تحمل كلّ اللحظات وتمضي".

غلاف الرواية