الخميس 29 مايو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

عجز الميزانية... أهدرْ وبذِّرْ مال عمك لا يهمك

Time
السبت 18 يناير 2020
View
5
السياسة
منذ سنوات يُحكى عن عجز الكويت المالي، وتكثر التقارير من مؤسسات محلية عن هذا الأمر، فيما توصياتها وحلولها لا تخرج عن نطاق السوداوية، بينما تقارير المؤسسات المالية العالمية جاءت بعكس التوقعات المحلية، ورغم ذلك فإن هذا الأمر يجب أن يكون موضع مراجعة، أو بالحد الأدنى البحث عن الأسباب التي أدت إلى العجز المالي، الذي هو دفتري أكثر منه واقعا.
أيا كانت الحقيقة، فإن هذا الموضوع الذي وضعته وزيرة المالية، وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية، بالوكالة، مريم العقيل قيد النقاش من خلال إعلانها أن أكبر عجز في تاريخ الكويت سيسجل في ميزانية 2020/2021، ويبلغ تسعة مليارات دينار، يطرح الكثير من علامات الاستفهام بشأن السياسة المالية التي لا تراعي فعلا احتياجات البلاد بطرق علمية، إنما هي قائمة على التبذير والهدر، ما يجعل العجز - إذا وجد - يكبر ككرة الثلج، ويتحول في يوم ما عجزا فعليا، ويدفع الدولة إلى نادي الدول المديونة، ما يجعلها تحت سلطة الدائنين في كثير من القرارات.
استناداً إلى هذه الحقيقة، هل يمكن تلافي العجز الدفتري، من خلال تغيير جذري في سياسة الهدر المالي، التي رسخت في أذهان مجموعة من المستفيدين والمشرفين على الانفاق قاعدة مغايرة للمثل الشعبي: "لا تبوق ولا تخاف"، وجعلته "بوق ولا تخاف"؟
فالكويت الدولة الوحيدة في العالم التي تخصص ميزانية كبيرة جدا للصحة، نسبة إلى عدد السكان، تصل إلى ملياري دينار، وهي الأكثر عالميا بنسبة الابتعاث إلى الخارج للعلاج، فيما الحصافة تفترض أن تكون البنية التحتية الصحية الأكثر تقدما في العالم قياسا على الميزانية المرصودة لهذا الشأن.

لكن أين المشكلة؟
العلاج السياحي معتمد كرشوة انتخابية، ففي كل سنة هناك عشرات الآلاف الذين يذهبون كل صيف للعلاج على حساب المال العام، وهؤلاء يتبعون نوابا، هم مرشحون مفترضون، ما يعني أن حملاتهم الانتخابية تكون ممولة في جزء منها من هذا البند، تضاف إليها التعيينات والمعاملات غير القانونية التي يمررها الوزراء لأولئك، ولا سيما المناقصات التي هي الضرع الآخر من ضروع بقرة الهدر الحلوب.
في دول الخليج، وكذلك الغرب والدول المتقدمة ليس هناك أي بند للعلاج في الخارج، ومن يريد هذا ينفق من ماله الخاص، بينما الدولة تؤمّن الرعاية الصحية عبر القطاع الخاص، والتأمين الصحي الإلزامي للمواطنين، وهي تشرف على تنفيذ السياسات الصحية، والمستشفيات والمراكز العلاجية الرسمية.
أما الإسكان، فتلك طامة أخرى، فالسياسة الإسكانية قائمة على فلسفة خاطئة عفى عليها الزمن، أكان بالنسبة لمواصفات منازل الحكومة، بعدما تحولت مصدرا من مصادر التنفيع، أو توزيع القسائم، الذي يزيد من الهدر، والعشوائية في التخطيط والتنفيذ، وعدم الالتزام بالمخطط التوجيهي للمنطقة، وفي هذا المجال أيضاً يلعب التمصلح السياسي والانتخابي، وحتى الزبائنية لعبته.
في السعودية والإمارات وسلطنة عمان وقطر والبحرين اعتمدت منذ سنوات سياسة تلزيم هذه المساكن للقطاع الخاص، فهو يبني ويبيع إلى المستفيدين، فيما الدولة تقدم الأرض والبنية التحتية، وتدفع الفوائد للمصارف التي تمول هذه المشاريع، وهو ما أدى إلى حل جذري للأزمة، بينما في الكويت وصلت فترة الانتظار إلى 15 وحتى 17 عاما، والدولة تهدر من المال العام الملايين كل سنة على بدل السكن للموظفين، التي لو جمعت لكانت أيضاً أنفقت على البنى التحتية وحلت الأزمة.
ستنفق الدولة في الميزانية الجديدة مليارات عدة على الدعم الذي تحول عبئا حقيقيا على المال العام، وتقدم المواد الغذائية مجانا، فيما في الدول المجاورة، مثلا، يتحمل المواطن كلفة استهلاك الكهرباء، ولا توجد أي مطالبات بالغاء الفواتير، أو إسقاط القروض الاستهلاكية، التي يستخدمها النواب والمرشحون راية تنفيع لهم في كل حملة انتخابية، وهي من السياسات العبثية، بينما الاستملاكات العامة تصل إلى مئات الملايين، وكل ذلك يجري وفقا لعمليات الترضية الممارسة بين النواب والوزراء وإذا رفض أحدهم معاملة لنائب كانت منصة الاستجواب الكيدية في انتظار الوزير.
هذه السياسة غير الواقعية في إدارة المال العام دفعت إلى تسجيل عجز دفتري، فيما جزء من الميزانية يذهب، مثلا، إلى صندوق الأجيال القادمة، ولا يحسب منها، وكذلك أموال التأمينات، وأرباح الاستثمارات الخارجية التي تصل إلى نحو 30 مليار دولار سنويا، كما لم يُنظر في تقارير المؤسسات الدولية التي استعانت بها الكويت، ودفعت لها عشرات الملايين لوضع الدراسات موضع التنفيذ، وبدلا من ذلك ركنت في الأدراج، استنادا إلى نظرية "الله لا يغير علينا".
هذه المقولة لا تصلح لدولة إذا كانت تسعى حقيقة للمحافظة على ثروتها للأجيال القادمة، ورغم امتلاكها احتياطياً نفطياً يصل إلى مئة مليار برميل، غير أنها تخطط للمستقبل بمسؤولية، وليس على قاعدة "مال عمك لا يهمك" السائدة لدينا، وهي لا شك ستجعل الكويت في يوم ما تعاني من الإفلاس إذا استمرت الحال على هذا النحو.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار