منوعات
عصا موسى... قهرت الفرعون وكهنته السحرة الكذبة
الثلاثاء 19 أبريل 2022
40
السياسة
اصطفى اللهُ من البشر رجالاً، هداهم إلى الحق، طهَّرهم وباركهم، وكلَّفهم بان يكونوا لأقرانهم مُبشرين ومُنذرين، ينقلون إليهم تعاليمه، ويبلغونهم بحلاله وحرامه، ولأنه تعالى عليم بذات الصدور، فقد زوَّدهم بقدرات خارقة لسنن الكون، وأيَّدهم بمواهب خاصة وعلامات تنطق بالقدرة المُطلقة لعلَّها تكون سبباً للتقوى والإيمان، وتلك هي معجزات الأنبياء.إعداد - رحاب أبو القاسم:كان موسى عليه السلام يناهز الاربعين من العمر حينما بدأ يستعين بالعصا، وهي فترة النضج والاستواء لدى الرجال، ولم تكن به علة او مرض في بدنه يتطلب منه الاتكاء على العصا، ولكنه استخدمها لتعينه على صعود الجبال وتذّكره انه مسافر، لان العصا كانت في الزمن القديم علامة على الترحال، ولم يكن يعلم ان عصاه سوف تكون الأشهر في التاريخ، والأكثر تداولا بين الناس حتى يومنا الحاضر.وقد تعددت مواقف موسى مع العصا، ما بين انقلابها إلى حية تسعى، وما بين قدرتها على شق البحر، وتفجير ينابيع الماء من باطن الحجر، اذ اراد الله تعالى ان يشدد على قلب كليمه قبل ان يوفده بعصاه الى الفرعون، وهو اللقب الذي اطلقه كتبة التوراة على ملك مصر وصدّق عليه النص القراني، فاجرى الله اختبارا للعصا فوق جبل الطور امام نبيه المختار، لتتحول الى ثعبان ضخم في لمح البصر، ما اوقع الهلع في قلب موسى قبل ان يطمئنه الله ويهدئ من روعه، ثم طلب ان يدعمه الله بأخيه هارون، وانطلقا الى فرعون انصياعا لأمر الله الذي كلفه بمناشدته اخراج قبيلته من مصر، بعد ان امضت فيها مئات السنين تعلمت خلالها كل حكمة المصريين، ثم اصابها المرض وتفشى الضعف بين افرادها لأنها لم تعتد على الجهد البدني الشاق الذي يبذله المصريون في تشييد القصور والمعابد والمسلات، ودعت الله ان يعيدها الى فترات الراحة التي اعتاد عليه الاجداد في البادية، التي لا تتطلب اكثر من رعي الغنم، ولمّا وصل الرسولان الى قصر الفرعون، واحتدم النقاش، وبدا انه لا يصّدق نبوة موسى وهارون، سأله موسى: اذا اتيتك بأي خارقة هل تؤمن؟ فرد عليه بالإيجاب، فبدأ موسى في إظهار آياته له، ثم القى عصاه فإذا هي تتحول الى ثعبان هائل اضطربت له قلوب الحاضرين، لكن فرعون تمالك نفسه، وظن انها من افعال السحرة ولديه منهم كثيرون، فتحدى موسى ان يكرر فعلته أمام جموع غفيرة من الناس بينهم نخبة من امهر السحرة فقبل التحدي، وحان وقت الاختبار يوم عيد وفاء النيل، ووسط حشود متحفزة، تثق في انتصار فريقها، قال السحرة: يا موسى إما أن تبدأ انت أو نبدأ نحن، فرد عليهم بان يبدؤوا هم، وما ان القوا حبالهم وعصيهم اذ هي تتحرك وتبدو كالأفاعي، ومرة اخرى يضطرب قلب موسي من هول المشهد الذي تسعى فيه عشرات الثعابين متعددة الاشكال والإحجام تحت اقدامه، فيأتيه السند من الله عز وجل مثبتا لفؤاده، وأمره بأن يلقي عصاه، فألقاها فإذا بها تلتهم ما صنعوا من ثعابين وتقضي عليهم جميعا، وينتصر موسى ويركع السحرة اعترافا بالمعجزة معلنين ايمانهم برب موسي، فتكون خاتمة حياتهم الجنة، ويمسوا مثالا على نقاء سريرتهم وانحيازهم للحق مهما كان الثمن.ولم يكن هذا الموقف نهاية علاقة موسي مع عصاه العجيبة، بل كان هناك حدث آخر اكثر تأثيرا، فعندما خرج موسى ليلا بقومه هربا من مطاردة عدوه، بصحبة عدة آلاف من الرجال والنساء والأطفال وصلوا الى طريق مسدود ينذر بسوء العاقبة، فقد انتهت رحلة الفرار الى شاطئ البحر الاحمر، ولم تكن لديهم السفن التي تحملهم بعيدا عن الجنود، فأيقنوا انهم وقعوا في الفخ، واخذ الاطفال والنساء في البكاء، واستعدوا للموت، اما غرقا وإما بسيوف جيش الفرعون، وهنا جاء دور العصا، فقد امر الله موسي ان يضعها في الماء، فانفلق في لحظات، وظهر ممر داخل البحر، بينما جمدت المياه على جانبيه كالجبال في آية اذهلت فرعون، لينجو موسى ومن معه ويتجاوزون البحر، وعندما لحق بهم جند الفرعون، اذ بالمياه المتجمدة تعود لحالتها الاولى، وتنهمر مؤذنة بغرقه، ومن معه فيهلكون جميعا. واستمرت معجزات العصا في فترة الشتات، واستخدمت في تفجير الماء من الحجر، فعندما طلب منه القوم أن يوفر لهم الماء لشدة عطشهم، أوحى الله تعالى لنبيه أن يضرب الأرض بعصاه، فانفجرت منها عيون الماء التي وصلت إلى اثنتي عشرة عينا توزع عليه ابناء كل سبط بالمئات وشرب الجميع مهللين مكبرين، فيما يظل سر العصا مجهولا حتى اليوم.