الأخيرة
/
كل الآراء
عقلية التسامح تبني الأمم
الخميس 19 ديسمبر 2019
10
السياسة
أحمد الدواسيحكي رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا قصة فيقول: "بعد أن أصبحت رئيساً طلبت من بعض أفراد حمايتي التجوال معي داخل المدينة، وتناول الغداء في أحد مطاعمها، وفي المطعم جلسنا في أماكننا وكل منا طلب نوعا من الطعام، وبعد فترة أحضر لنا العامل طلباتنا، فلاحظت أن هناك شخصاً جالساً مقابل طاولتي ينتظر الطعام.قلت لأحد الجنود: اذهب واطلب من ذلك الشخص أن يأتي بطعامه ويأكل معنا، ذهب الجندي وطلب من الرجل أن يأتي ليأكل معنا، حمل الرجل طعامه، وجلس الى جانبي كما طلبت، وبدأ يتناول الطعام وكانت يداه ترتجفان، إلى ان فرغ الجميع من طعامهم وذهب الرجل، فقال لي الجندي: لعل الرجل كان مريضاً فقد كانت يداه ترتجفان وهو يأكل.أجبت: لا، أبداً، هذا الرجل كان حارسا للسجن الذي كنت فيه، وفي أغلب الأحيان، وبعد التعذيب الذي كنت أتعرض له كنت أصرخ واطلب قليلاً من الماء، وكان هذا الرجل يتبول على رأسي في كل مرة، لذلك وجدته خائفاً يرتجف، توقع مني أنني سأبادله الآن الطريقة نفسها، فأقوم إما بتعذيبه أو بسجنه، وأنا رئيس دولة جنوب أفريقيا، لكن هذه ليست من شيمي ولا من أخلاقي". مغزى القصة أن عقلية الثأر لاتبني دولة، بينما عقلية التسامح تبني أمما. في بلدنا غاب التسامح عند الناس فأصبح الانتقام قضائيا سيد الموقف، فنجد الأخ يرفع قضية ضد أخيه من أمه وأبيه، وتلجأ امرأة إلى رفع قضية أمام المحاكم ضد إحدى المغردات عندما سألتها "لماذا لم تتزوجي الى الآن؟"، فمعنى ذلك أن الأنفس ضاقت، ولم تعد تحتمل الكلمة التي يقال عنها، ويطالب مقدمو مثل هذه القضايا بتعويضات مالية بمبالغ كبيرة، بزعم أنهم تعرضوا لأضرار أدبية ونفسية، كما أنهم يرفضون الصلح في معظم الأحيان أو الاعتذار الذي يتقدم به الخصم لهم أمام منصة القاضي، ويصرون على أن يأخذ القانون مجراه، والأمر لا يقتصر على هذه الحالات، فلدينا كم كبير من السلوكيات السيئة في المجتمع التي غاب عنها التسامح، فهناك مشاجرات على أتفة الأسباب، وتكفي نظرة واحدة من شخص لم تعجب الآخر لإسقاط أحدهما جريحاً أو مقتولا، وهناك المواطن الذي أحرق سيارة جاره اعتراضاً على صوت الأغاني المنطلقة من السيارة، ورجل فقد صوابه فاستل سكيناً سدد بها سبع طعنات إلى طليقته في ضاحية "مبارك الكبير"، واشتكى ولد عمره 21 عاما على والده فقصد مخفر منطقة هدية، وأبلغ أن والده يضربه، فسجل رجال الأمن قضية اعتداء بالضرب بحق الأب، الذي استدعته الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنه، والأمثلة كثيرة مع الأسف. يرى الكاتب الهندي أشتوت مهراج في مقالة له بصحيفة هندية "أن التسامح نعمة وان الكراهية ضرر"، ويقول: "ان مشاعر الكراهية تسبب ارتفاعا في ضغط الدم وفي ضربات القلب وإفرازا لغدد الجسم، وهذه سموم"، ويضرب المثال "ان المرء الذي اختار الانتقام يحفر قبرين"، وينصح الناس إذا تعرض أحدهم لموقف يرهق أعصابك ويتلف سلامه الداخلي بسموم الكراهية ان يُذكر نفسه بأن الموقف ضار بصحته.وقد أثبتت الدراسات الطبية التي صدرت عن 54 جامعة أميركية ان بذل الحب والعطف والشفقة تجاه الناس تُشعر الإنسان بأنه سعيد وبصحة جيدة، ويقول الدكتور "داغ أومان" من جامعة كاليفورنيا: "كان الأطباء يعتقدون لفترة طويلة ان الأدوية تعالج الكآبة، لكننا ابتعدنا عن القيم التقليدية الفاضلة والمشاعر الروحانية، فالأديان العظيمة توصي بالأخلاق الطيبة بين الناس"، وتشير أبحاث أميركية الى ان تقديم العون ومساعدة الآخرين والتسامح والاحترام تخفض حالة الكآبة لدى الإنسان فتتحسن حالته الصحية.القرآن الكريم سبق هؤلاء جميعا في الحث على التسامح في آيات عدة، فقال جل جلاله في سورة آل عمران: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".كما عفا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام عن كفار قريش رغم أنهم آذوه في جسده وعرضه.