الجمعة 02 مايو 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

عكرمة الفياض "جابر عثرات الكرام"

Time
الأربعاء 25 سبتمبر 2019
View
210
السياسة
محمد الفوزان

يُحكى أنه كان هناك رجل يدعى "خُزيمة بن بشر" في بلاد الجزيرة التي كانت ولايته تمتد من العراق الى أرمينيا و تركيا في عهد سليمان بن عبدالملك، وكان هذا الرجل ميسور الحال ينفق على كل فقير ومحتاج حتى الذين لديهم مال كان يعطيهم، حتى دارت عليه دائرة الدنيا والأيام، فأصبح فقيراً معدماً، فجاء بعض الذين كان يعطيهم من خيره ويمد لهم يد العون، فأعطوه شهرَا وشهرين ثم ملّوا وتوقفوا عن مساعدته، فأغلق باب بيته عليه وهو لا يجد ما يسدّ به الرمق هو وزوجته.
وكان الوالي المكلف في الجزيرة يدعى"عكرمة بن الفياض"، وكان يعرف خُزيمة بن بشر فسأل عنه، فقيل له : لقد افتقر خُزيمة وأصبح لا يملك قوت يومه وأغلق بابه، فاندهش عكرمة قائلاً: خُزيمة افتقر؛ ولَم يجد ممن كان يعطيهم ليقف معه. خُزيمه الذي كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر؛ وفِي الليل والنَّاس نيام خرج عكرمة الفياض الوالي ،وأخفى وجهه وهو يحمل على ظهره حملاً ثقيلاً حتى بلغ دار خُزيمة ثم طرق الباب، قال خُزيمة : مَن؟ قال عكرمة : ضيف، ففتح خُزيمة، ووضع عكرمة الحمل من ظهره وقال :هذا لك، قال خُزيمة : ومن أين؛ قال عكرمة : من مال الله، قال خُزيمة : ومن أنت؟ : قال عكرمة : جابر عثرات الكرام، قال خُزيمة : بالله عليك عرِّفّني من أنت؛ قال : جابر عثرات الكرام و انصرف مسرعاً، فقال خُزيمة لزوجته : أشعلي لنا فانوساً لنرى، ماذا أحضر الرجل المُلثّم، قالت: ليس لدينا فانوسٌ ولا حطب نوقده، فأخذ عكرمة يتلمّس الكيس في الظلام حتى انفلق الصباح، وعندما فتحه وجدها أربعة آلاف دينار وخمسمئة، وكان الألف دينار تعادل أربعة كيلو ذهب ومئتين وخمسين غراماً، فشكر خُزيمة ربه وقضى دينه وأصلح حاله، وعندما رجع الوالي عكرمة الى بيته.. وجد زوجته تولول وتقول : لا يخرج الوالي في هذه الساعة إلا لزوجةٍ أخرى، قال : لا والله، قالت : إذن أخبرني أين كنت؛ قال : لو أردت إخبارك أو إخبار أحد لما خرجت متخفياً ليلاً.
فقالت : يجب ان أعرف، وألحّت ولَم تنم حتى قَص لها القصة وقال: اُكتمي السر ولا تحدثي به حتى نفسك، وبعد فترة من الزمن، ذهب خُزيمة إلى أمير المؤمنين، سلمان بن عبد الملك فسأله : أين كنت يا خُزيمة لم نسمع عنك منذ زمن، فقص عليه القصة، فقال الامير : ومن جابرعثرات الكرام؟ قال: لم أعرفه ورفض إخباري، قال الامير : ليتك عرفته، ثم أمر بمنح دنانير اخرى لخُزيمة، وأصدر أمرا بإعفاء عكرمة الفياض من الولاية، وتعيين خُزيمة والياً لمنطقة الجزيرة فرجع خُزيمة ودخل قصر الوالي، وهو يحمل مرسوم العزل، وكان في استقباله عكرمة بنفسه، وسلمه أمر العزل فقال عكرمة : كله خير، ثم قال خُزيمة : أريد أن أحاسبك على مال المسلمين، فرحب عكرمة بذلك فوجد خُزيمة مبلغاً من المال غير موجود، فقال خُزيمه : أين المال يا عكرمة؟ قال : ليس معي،
قال : إذن رُده من مالك، قال : لا أملك مالا خاصا، قال : إما المال أو السجن، وسجن عكرمة ردحاً من الزمن ووضعت له الأغلال الثقيلة في كتفيه وظهره حتى ضعف جسمه وتغير لونه، وعندما سمعت زوجة عكرمة بما حدث لزوجها الوالي المعزول، ذهبت الى خُزيمة وكانت هي ابنة عمّ خُزيمة وقالت له : يا خُزيمة ما هكذا يُجازى جابر عثرات الكرام ، فانتفض خُزيمة مفزوعاً قائلاً : هل هو عكرمة ؟ يا ويلتاه وهرول الى السجن دون ان يسمع شيئاً آخر، وأخذ يفكّ الأغلال من عكرمة بيديه ويبكي، وعكرمة يسأله : ماذا حدث ولماذا تبكي؟ قال خُزيمة : من كرمك وصبرك وسوءُ صنيعي، كيف أنظر في وجهك ووجه ابنة عمي؛ فأمر له بالكساء والغذاء وعندما استوى عوده قال له : هيا معي الى خليفة المسلمين، فلما رآهم الخليفة بن عبدالملك قال : ما الذى أتى بك يا خُزيمة وانت حديث عهد بالولاية؛ قال : أتيتك بجابرعثرات الكرام وأظنك كنت متشوقاً لمعرفته، فاندهش ابن عبد الملك وقال: هل هو عكرمة؛ خِبْت يا ابن عبد الملك وتعجلت لقد أخجلتنا بطيب صنيعك وصبرك يا جابر عثرات الكرام، فأمر لعكرمة بعشرة آلاف دينار وأعاد تعيينه والياً وقال : إن شئتما حكمتما معاً، وظلا واليين مع بعضهما حتى توفّاهما الله.
قصة لابد أنها تتكرر في كل زمان ومكان طالما كان حب الخير يسكن قلوباً تعيش بيننا، وليتنا نحرص دائماً على أن يبقى بيننا من يحب أن يكون جابراً لعثرات الكرام، ومن يتفقد إخوانه وأهله وأحبابه وسائر من يعرف أو حتى من لا يعرف لرسم ابتسامة على وجوههم أو اسماعهم من طيب الكلام، أو جبر خاطر لهم قد انكسر، أو قلباً بالألم قد اعتصر .
آخر الأخبار