تميز الفنان الراحل غانم الصالح بموهبة صادقة وإخلاص للفن وتقدير للأدوار التي قدمها في التلفزيون والإذاعة والمسرح، كما تحلى بإبتسامة لا تفارقه ورقي في التعامل، فأصبح علامة فارقة في الفن الأصيل، ومسيرة طويلة من العطاء لم تتوقف عند حد معين، بل استمرت إلى أن فارقنا صاحبها، إنها سيرة الموهبة الصادقة، والإخلاص للفن بجميع مجالاته.احتفى مهرجان القرين بمسيرة الفنان الكبير غانم الصالح، بتنظيم "منارة ثقافية" تكريما لاسمه، والإضاءة على تاريخه المشرف محلياً وخليجياً وعربياً، والتأكيد على دوره الفاعل في النهضة الفنية التي شهدتها الكويت خلال مراحلها المختلفة. وتضمنت المنارة معرضا فوتوغرافيا يوثق أعمالاً خالدة وصور الصالح مع رفاقه ومن أعماله. استضافت مكتبة الكويت الوطنية المنارة التي شارك فيها بأوراق بحثية: الفريق المتقاعد مساعد صالح الغوينم "الأخ الأصغر للفنان المحتفى به"، د.فهد العبدالمحسن، وأدارها الفنان داود حسين، بحضور الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل العبدالجليل والأمين العام المساعد لقطاع الفنون د.بدر الدويش، ونخبة من الفنانين والمثقفين والجمهور.أشار داود حسين إلى الصفات التي اكتسبها من مرافقته للصالح، موضحاً ان الصالح كان دائم التصدق بالابتسامة على الجميع، ويبشر بالفرح، متذكراً عادته التي لم يتخل عنها خلال حياته وهي الحلوى التي كان يحتفظ بها في جيبه وكلما سلّم على أحد كان يدس في يده واحدة منها ويقول له: "خليك طبيعي"، وهي لزمة جميلة منه كانت تشيع جواً من المرح والحب، كما تذكر سفره معه إلى البحرين وتقاربه معه في حب الأفلام الهندية وكراهية التدخين، مؤكدا أنه استفاد كثيراً من نصائحه الفنية والحياتية، وأنه كان ملتزماً بأداء فروض الصلاة في أوقاتها.وفي ورقته البحثية قال العبدالمحسن: "تعتبر الثقافة والفنون المنهل الأساسي الذي يساهم إلى حد كبير في بناء شخصية الفرد ويطور المجتمع... والكويت تميزت منذ عقود بمد جسور التقارب مع مختلف الحضارات البشرية، والانفتاح على كل المنجزات الثقافية، كما سعت في بداية نهضتها لتكون منارة ثقافية، وحاضنة لمختلف الفنون العالمية، فتوج هذا التوجه بإنشاء المعاهد الفنية "مسرح وموسيقى"، وإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب". وأوضح أن الحركة الفنية زاخرة وتعج بأسماء كثيرة، أغنتنا بما تركته من إرث فني رفيع، حيث ساهمت منذ عقود في تشكيل وعينا وثقافتنا. وأضاف: "نقف الليلة عند قامة فنية نادرة أثرت الساحة الفنية بجودة الانتاج، وتركت في النفوس اثرا خالد لا ينسى... فقد وقف غانم الصالح شامخاً على خشبة المسرح، متألقاً على الشاشة وصوتاً إذاعيا صادحاً، حتى صار نجماً لامعا من نجوم القمة، فعرفته الجماهير العربية فناناً متنوعاً وشاملاً، كما أنه شكّل مثلاً أعلى لطلاب المسرح في توجهه الأخلاقي والتزامه المهني ونموذجاً يحتذى لجميع المنتمين للحركة الفنية في الإبداع".واستطرد: "منذ خمسينات القرن الماضي كان طموحه واضحاً وهدفه محدداً في أن يصبح فناناً ذا شأن، ومن ثم بدأ خطواته الاولى ممثلاً على خشبة المسرح المدرسي وقال: "من يتابع سيرة الصالح يلاحظ بوضوح تميزه في مختلف الحقول الفنية من مسرح وسينما وتلفزيون وإذاعة، ولم يأت هذا التميز من فراغ، بل نتيجة لقناعته والتزامه الاخلاقي الإيجابي لمهنة التمثيل... وكانت تجربة الصالح الفنية في جميع مراحلها مختلفة ولافتة للنظر، انطلاقاً من رغبته الصادقة في التعبير عما يحمل من رسالة سامية، فنجده حريصاً على التمسك بمقومات النجاح وتحمل المسؤولية مع جهة الانتاج، وكانت انطلاقته الاحترافية في عام 1961، عندما أعلنت دائرة الشؤون والعمل التي كان يرأسها آنذاك الراحل حمد الرجيب، تأسيس فرقة المسرح العربي، فقد شارك الصالح رفاق دربه الفنانين سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي، في تأسيس الفرقة، التي وضع لبناتها الأولى معلمهم المرحوم زكي طليمات... وكانت مسرحية "صقر قريش" أول عمل يشارك فيه الصالح لفرقة المسرح العربي، مع عدد من الممثلين الراحلين منهم مريم الغضبان، عبدالله خريبط، عبدالوهاب سلطان، عبدالحسين عبدالرضا، خالد النفيسي، عبدالرحمن الضويحي، حسين صالح الدوسري، ومن إخراج زكي طليمات، ثم توالت العروض من دون توقف".وأكد: "كان الصالح صادقاً جاداً في تعاطيه مع مضامين العمل الفني، حيث كان يبدأ التحضير والاستعداد كباحث مثابر ومناقش موضوعي، ملتزماً بأصول المهنة".وأفاض مساعد صالح الغوينم، الأخ الأصغر للفنان الراحل غانم الصالح، في الكشف عن بعض صفات شقيقه، وما كان يتميز به من طيبة ونبل، موضحاً أن أخيه هو الأخ الاكبر لثلاثة أولاد وبنتين، وأحد الوجوه المتميزة في مسيرة الفن، وأنه احتل مكانة خاصة بين زملائه، واكتسب قاعدة جماهيرية محلياً وخليجياً وعربياُ... ومن رواد الحركة الفنية في الكويت، ثم عرج الغوينم في حديثه إلى الإرث الذي قدمه الصالح للساحة الفنية من مسلسلات ومسرحيات وأفلام بالإضافة إلى الجوائز التي حصل عليها، وذكر بعضا من أقواله.وكشف الغوينم أن سر إتقان أخيه اللهجة البدوية، هو أن والدهما كان لديه محلات في سوق السلاح لبيع السلع الغذائية وقد كان يحتك كثيرا بالبدو ومن ثم تعلم منهم اللهجة الى درجة اتقانها، كما تحدث عن الرجل الذي نزل معهم القبر وقت دفن أخيه رحمه الله ورآه مرة أخرى في العزاء، فاكتشف أنه الفنان عبدالله الرويشد، الذي أفاض له بأن أخاه رحمه الله أنقذه من الموت ذات مرة. وتطرق الغوينم إلى بعض المواقف الطريفة مع أخيه، ورحلة علاجه في الخارج، وخضوعه للعلاج الكيماوي ووفاته رحمه الله.وفي المداخلات تحدث د.خليفة الهاجري عن فيلم "الفخ" الذي شارك فيه الصالح، يعد من الأعمال الكويتية المتميزة، بفضل ما فيه من أكشن، والنقلة النوعية في السينما الكويتية.كما قدم الفنان التشكيلي صالح المانع "بورتريه" للراحل، أنجزه خلال وجوده في المسرح وهو يستمع إلى المنارة.بدوره أكد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل العبدالجليل أن الصالح أثرى الساحة الفنية بأعمال خالدة، كما كان يتمتع بأخلاق عالية ودماثة في التعامل مع الناس ومن ثم فقد ترك أثراً طيبا وعلاقة متميزة مع الجميع.وتذكر العبدالجليل ارتباطهما بعمل تطوعي في دبي إبان الغزو الصدامي الغاشم، بعدما طرح عليه فكرة إنتاج برامج من خلال فرقة تكونت من 10 أشخاص، وكيف أن استديوهات دبي فتحت أبوابها لهما لإنجاز هذه الأعمال التي خدمت قضيتهم الوطنية، ومن ثم أنجز برنامجا يوميا بعنوان "جسر المحبة"، عن عدالة قضية الكويت.وفي الختام عرضت سهرة "يا طالع الشجرة"... وكرم العبدالجليل والدويش ابن الراحل بسام والمشاركين في المنارة بدروع تذكارية.

داود حسين يتوسط فهد العبدالمحسن ومساعد الغوينم