الثلاثاء 22 يوليو 2025
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

فتاوى تزوير الانتخابات... إذا أباحتها المخابرات فهي من المعذورات.. ولإبعاد الزنديق يجوز اللعب بالصناديق

Time
السبت 16 يوليو 2022
السياسة
أحمد الجارالله

يحاول العرب، ومنذ زمن بعيد، تقليد الديمقراطيات الغربية، ولو بالشكل، لكنهم سقطوا حتى في التقليد، لأنهم لم يقتنعوا بعد بأن ذلك مرده إلى المجتمع، لأن كيفما تكونوا يولّى عليكم، ولهذا صدق أحد المسؤولين الكويتيين في رده على أحدهم حين قال: نريد مجلس أمة على غرار بريطانيا، وملكية دستورية كما هي حال الحكم الإنكليزي، فقال المسؤول: آتني بمجتمع كالبريطاني، وخذ الديمقراطية التي تريدها.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، قرأت منذ أيام قصة الحكام الذي استدعى ثلاثة مشايخ وسألهم، في حضرة وزيره، عن حكم الشرع في تزوير الانتخابات، فقال الأول: "من المعذورات إذا كان بطلب من المخابرات".
فيما رد الثاني: "حتى نمنع نجاح الزنديق يجوز أن نلعب بالصناديق"، لكن الثالث كان رأيه مخالفاً، إذ قال: "التزوير حرام وغش للأنام"!
بعدها صرفهم الحاكم من مجلسه، والتفت إلى وزيره، وقال: "اكتب عندك، عيَّنا الأول قاضي القضاة فهو كذاب ويعلم أنه كذاب، وهذا النوع مطلوب، وعيَّنا الثاني إماماً للمسجد الكبير في العاصمة، فهو محتال ويعرف أنه محتال، وهذا النوع مرغوب، أما الثالث فاسحبوا منه رخصة الخطابة لأنه صادق ويعلم أنه صادق، وهذا النوع مشطوب".
ثم استدار نحو وزيره، وسأله: "أما أنتَ فما رأيكَ في تزوير الانتخابات"؟ فقال الوزير: "وهل يفتي مثلي لمثلك يا مولاي"؟
حينها قال الحاكم: "أما أنت فمنافق، وتعرف أنك منافق، وهذا النوع محبوب".
أول انتخابات برلمانية في العالم العربي جرت في مصر بعد تعديل الدستور عام 1922، ويومها أُعطيت السلطات التشريعية مساحة من الحرية، فكانت أول مظاهر الضعف في الدعوة إلى مراقبة تصرفات الملك، ومصاريفه، ورغم الصدام الناعم بين البرلمان والقصر، إلا أن الإصرار على استمرار السير بالديمقراطية أدى في العام 1949 إلى بداية انهيار الحكم الملكي عندما اتهم بعض السياسيين القصر بأنه اشترى أسلحة فاسدة للقتال في فلسطين.
أدى الصدام السياسي هذا إلى نشوء حركة عسكرية انقلابية سميت "الضباط الأحرار"، التي استطاعت إطاحة الملكية في العام 1952، لتأتي بعدها سلطة عسكرية عملت وفق القصة أعلاه، فقد كانت المخابرات تُفصّل الانتخابات على مقاس مصالح مجلس قيادة الثورة، واستمرت الحال لعقود عدة، حتى جاءت المحاولة الجادة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، من أجل إنتاج سلطة تشريعية يمكنها تطوير الحياة الديمقراطية وفقاً لما يجب.
كانت المفاجأة أن الانتخابات التي جرت حينها، وأدت إلى فوز مرشح "الإخوان المسلمين"، قامت على تزوير من خارج دائرة المخابرات، أي من "الإخوان" الذين سعوا إلى رشوة الناس، بأبسط مقومات الحياة، الأرز والسمن وغيرهما من المواد الغذائية، مستندين إلى فتاوى رجال الدين التابعين لهم.
في الانتخابات التي تلته، وحين حاولت بقية الأحزاب التصدي لهم، رفعوا الصوت عالياً متهمين النظام بالتزوير، والانقلاب على نتائج التصويت، وتزامن ذلك مع بداية اشتعال فتيل الاحتجاجات في تونس على خلفية حادثة الشاب محمد البوعزيزي.
في كلا البلدين، كانت جماعة "الإخوان" حاضرة في خليفة المشهد، وهي المحرّضة، بدعم من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الداعية إلى شرق أوسط جديد يبدأ بالفوضى الخلّاقة، وقد ساعدت على خطف نتائج الانتخابات بعد انتفاضة 25 يناير وأدت إلى حكم "الإخوان" في البلدين، غير أن مصر استطاعت وبعد نحو سنتين من إسقاط حكم "الإخوان" عبر ثورة 30 يونيو عام 2013، فيما لا تزال تونس إلى اليوم تحاول التعافي من ذلك.
أياً كانت النتيجة، يبقى أننا في الكويت خضنا هذه التجربة مبكراً، ففي العام 1967 جرى تزوير الانتخابات سعياً إلى شريحة معينة من النواب ذات طابع سياسي معين، إلا أن هذه المحاولة سقطت، ونشأ على هامش ذلك حراك سياسي اتسم بالعنف، وشهدت الكويت للمرة الأولى في تاريخها مجموعة من التفجيرات، كشفت التحقيقات لاحقاً، وحتى باعتراف المشاركين فيها، عن تدخل الاستخبارات المصرية، في عهد جمال عبدالناصر، وأن الهدف فرض أيديولوجيا يسارية معينة منسجمة مع التوجه السوفياتي آنذاك في المنطقة.
رغم كل المياه التي جرت في الكويت طوال العقود الماضية، بدءاً من حل مجلس الأمة بعد تزوير الانتخابات وصولاً إلى تعليق الدستور في عامي 1976 و1986، وحتى كارثة الغزو العراقي التي كانت من المفترض أن تكون درساً في الوطنية والنزاهة، إلا أن الانتخابات لم تتغير كثيراً، فإذا لم تتدخل السلطة فيها، جاء التدخل من قوى الضغط الاجتماعي، العزوات القبلية، والاصطفافات الطائفية، والشراء العلني للأصوات ونقلها، وفق ما تراه القوى السياسية، وصولاً إلى الواسطات الانتخابية التي استشرت في السنوات الأخيرة.
في المقابل، كانت هناك رؤية اجتماعية أخرى لشكل الحكم في الدول المجاورة، كما هي الحال في السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان، حيث يجري اختيار مجالس استشارية من نخبة المجتمع، تساعد الحكام على استنباط الرؤى الصحيحة لإدارة الدولة، لذا نجحت تلك الدول في مسيرتها نحو التطور بهدوء، وبعيداً عن المماحكات التي نراها في الكويت.
لا شك أنه من غير العقلاني إسقاط تجارب مجتمعات مستمرة منذ 500 عام أو أقل بقليل في سبيل بناء ديمقراطية سليمة على مجتمع لا يزال لرمي العقال على الأرض قوته، يقوم على الحماسة القبلية والطائفية، والقرابة والعزوة، ولهذا سنظل في الكويت في "حيص بيص"، أو كما هي حال إيطاليا في عهد فرانكو وموسوليني، ومصر بعد الملك فاروق إذا لم تكن هناك رؤية واقعية لمجتمعنا وما يفرزه من عصبيات بسبب الجهل بأهمية اختيار الممثل في البرلمان، وربما سيكثر مستقبلاً استعادة قصة الحاكم والمشايخ الثلاثة، لأن الصادق تسحب منه رخصة الخطابة.
أخيراً وعلاجاً لكل هذه العلل، لا بد من سلطة قوية يدها من حديد، وعقلها نيّر ومتفتح، لأنه بغير ذلك سنبقى نعيش تلك الأمراض، فيما البلاد تزداد تخلفاً، وتتوقف التنمية فيها، وسيتفرق أكثر الناس إلى عزوات قبلية وطائفية ومناطقية، فيما ستزداد حيرة السلطة، ما يمهد الطريق إلى ولادة الميليشيات.
آخر الأخبار