السبت 27 يوليو 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
في رحاب التاريخ العربي
play icon
كل الآراء

في رحاب التاريخ العربي

Time
السبت 09 سبتمبر 2023
View
67
د.سعد عبدالله الجدعان

ثمار الفكر

كان الخليفة الأندلسي المنصور بن عامر، من القيادات الإسلامية الفذة التي لا يمكن أن ينكر أحد بطولاته من أجل تثبيت الوجود الإسلامي في شبه جزيرة أيبيريا.
حتى أن أوروبا احتفلت جميعها يوم وفاته، وقرعت جميع الكنائس أجراسها، لأن الموت غيب أحد القيادات العربية التي أخلصت للتاريخ الإسلامي، وما كان للمسلمين من وجود استطاع أن يصمد طوال تسعه قرون من الزمان في غرب القارة الأوروبية.
استطاع المنصور أن يتعرف على رياح السياسة التي كانت تهب على بلاد الأندلس، والتي كادت تفتك بالوجود الإسلامي، لكنه كالأسد الهصور، استطاع أن يرتقي من مجرد كاتب عرائض أمام المحاكم، إلى أكبر سلطه حاكمة في عصره، مهددا كبار القادة في بلاد الغرب، وقد سعوا إلى عقد الصلح معه مرات كثيرة، لأن المواجهات معه كانت تنتهي بخسارتهم دائما، مما جعلهم يختارون السلم على الحرب.
لقد كرر المنصور، الظهور الحتمي للأبطال الذين يستطيعون تغيير حركة التاريخ، لأن لديهم الإرادة الصلبة التي لا تلين، ولا تستكين، ولا تعرف الراحة، ولا تخلد إلى النوم والدعة، فيسطروا قوانينهم على جدران التاريخ، وبقيت ذكرى حياتهم شامخة في الصفحات العربية، والتاريخ العربي مليء بهذه الكوكبة من الرجال الذين دافعوا عن الوجود العربي أين ما كان.
ولقد ظل أبو أيوب الأنصاري يغزو حتى تجاوز التسعين، من عمره، فلما شعر بدنو أجله، أوصى المسلمين بأن يدفنوه في أبعد بقعة من الأراضي الأوروبية، يمكن أن يصل إليها رفقاؤه، وقد كانوا يحاربون في القسطنطينية، فلما دفنوه في الجانب الغربي من البسفور، وقد كان الوقت متأخرا ليلا، فتساءل الفرنجة في الصباح عن الجلبة التي كانت تحدث ليلا لدى المسلمين، فرد المسلمون، أنه قد توفي صحابي من صحابة رسول الله، ولو نبش قبره، لقام المسلمون بهدم كنائس المشرق.
لقد كانت الإرادة العربية ملء الأسماع والأذهان، لأنها كانت قادرة على تنفيذ ما تدافع به عن نفسها، وتدفع عن وجودها الأذى والابتلاء.
وقد ظلت ذكرى حطين ماثلة في أذهان قادة الغرب حتى مرت عقود طويلة، ويأتي القائد الفرنسي ليضرب بقدمه قبر صلاح الدين مناديا: "ها قد عدنا يا صلاح الدين، فأين جنودك منك".
الا يمكن أن نسجل أن ذلك استفزازا للمشاعر العربية بعامة، والإسلامية بخاصة، الأمر الذي لا جدال فيه أن التاريخ لا يذكر الضعفاء، ولا يأتي على ذكرهم في صفحاته الا وهم مقرونين بالهزيمة، والذلة، والمسكنة؟
هذا هو عنوان التاريخ الذي يسطر أن الحياة معركة إما أن تكون منتصرا، وإما أن تكون مهزوما، والتاريخ لا يكتبه الا المنتصرون، وهم وحدهم الذين يستطيعون أن يقولوا "لا".

كاتب كويتي
متخصص في القانون الدولي

د.سعد عبدالله الجدعان

[email protected]

آخر الأخبار