منوعات
قراءة أبي جعفر المدني (1ـ 3)
الأحد 10 أبريل 2022
320
السياسة
قال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرأوا كما عُلّمتم"، إلا أن الإمام ابن الجوزي أثبت ثلاث قراءات أخرى، وقد توافق معه أهلُ العلم فأصبح للقرآن عشر قراءات معروفة ومتواترة.إعداد - رانيا مصباح: تتبع الإمام محمد بن الجزري أسانيد القراءات، فأثبت ثلاث قراءات تشارك السبع قراءات الأساسية، من حيث الشهرة وأركان القراءة الصحيحة، فأضافهم للقراءات السبع، ثم نظم هذه القراءات في قصيدة اسماها "الدرة" وهي مكملة لمنظومة الإمام الشاطبي "حرز الأماني ووجه التهاني" بحيث تصبح المنظومتان الشاطبية والدرة هما الجامعتين للقراءات العشرة فضلا عن منظومة ابن الجزري "طيبة النشر في القراءات العشر".وأولى القراءات الثلاث هي قراءة أبي جعفر المدني، التي تعتبر من القراءات المتواترة صحيحة الإسناد، واشتهرت بالمدينة المنورة قبل قراءة نافع المدني، فقد كان أول مصدر رسمي ذي ثقة وصحة وثبوت للإقراء بالمدينة، بل إن درجة نافع في القراءة بالنسبة للإمام أبي جفعر بن القعقاع المخزومي كدرجة قالون وورش للأمام نافع المدني، لكن ابن مجاهد قد تركها وتغافل عنها في عده للقراءات السبع المعروفة، بعد ذلك انتشرت وانتقلت إلى الحجاز وبلاد العراق والشام، وما زالت قراءة الإمام أبي جعفر مشهورة ومعروفة عند علماء "القراءات العشر" إلى يومنا هذا.ولد أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني المخزومي، في سنة خمس وثلاثين هجريا (35 هـ) بالمدينة المنورة، وهو يعد أحد أشهر القراء العشرة الثقات المعروفين بعلمهم وقدرهم الكبير، تابعي معروف من التابعين الأجلاء الزاهدين الصالحين وعلماء الأئمة والأمة في القراءات، وأقرأ الناس بالمدينة المنورة، وشيخ القراءات بالمسجد النبوي الشريف، انتهت إليه رياسة الاقراء بالمدينة، فصار إمام أهلها في القراءة، وأكثر من تلقى قراءته هم أهل السنة بها، فسمي القارئ، وكان لا يتقدَّمه أحد في زمانه.صوّام قوّاممنح أبوجعفر المدني البركة في الدنيا منذ صغره، حيث روي أنه دخل عند أم المؤمنين أم سلمة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو صبي، فاذ بها تمسح على رأسه وتدعو له بالبركة، فنال البركة ومنَّ الله عليه غاية الإكرام والتفضل في الدنيا وأعطاه علم القرآن والقراءة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما عرف عنه أنه كان عبدا صواما قواما، فقد روي عنه أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، كما كان يصوم داود عليه السلام، وواظب على ذلك دهرا من الزمن وعندما سئل في ذلك قال: إنما فعلت ذلك كي أروض به نفسي لعبادة الله تعالى عز وجل، أيضا كان يصلي كل يوم في جوف الليل أربع تسليمات بطوال السور من القرآن الكريم، وكان يكثر من الدعاء لنفسه ولأمة المسلمين، ولعلمائه الذين تعلم منهم القرآن ولمن تعلم منه وقرأ بقراءته أيضا وقرأ عليه. ومما قيل عنه أنه كان كثير الصدقة ابتغاء مرضات الله تعالى، إذا مر عليه أحد السائلين تخفى منه، ورمى إليه بإزاره وهو لا يراه حتى لا يعلم أحد أنه هو، فقد كان يتاجر مع الله تجارة حسنة.العلماء يدافعونبدأ أبو جعفر في الاقراء وهو في سن صغيرة، فقيل أنه اقرأ الناس بالمدينة في زمن معاوية بن أبي سفيان قبل وقعة الحرة والتى كانت بين أهل المدينة وبين يزيد بن معاوية والأمويين، في عام ثلاثة وستين للهجرة، لأنه كان مفتيا مجتهداً، وإن كان هناك من طعنوا في قراءاته وقالوا بأنها ليست من القراءات المتواترة، إلا أن ذلك دفع بالكثير من العلماء فأثنوا عليه وعلى قراءته، مدافعين عنه ضد من طعنوا في قراءته، وكان دفاعهم أنه لا يمكن الطعن فيها وسندها يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما لا يمكن التشكيك فيه وهو الذي تعلم وأخذ قراءاته عن حبر القرآن عبدالله بن عباس، وعن أبي هُرَيْرة، رضي الله عنهما، وعن مولاه أيضا عَبد الله بن عيَّاش بن أَبي ربيعة المخزومي، وكان عبد الله بن عياش قد قرأ على أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، وقد قرأ أبيُّ على النبي صلى الله عليه وسلم.اهتم أبوجعفر بعدد الآيات في القرآن الكريم، فكان من أول قراء أهل المدينة في التدقيق والتحقيق في عدد آيات السور القرآنية "علم ضبط عدد الأي" ومعرفة بداياتها ورأس الســــــــــورة ونهايتها، وهو ما يعرف عند القراء بـ"العدد المدني الأول"، نسبة إلي أبي جعفر وصهره شيبة بن نصاح، وهو ما نقله عنه الإمام القارئ نافع المدني لأهل المدينة، بينما تناقل العدد المدني الأول عند أهل الكوفة عن ورش عن نافع عن أبي جعفر وشيبة بن نصاح، وكان الاختلاف بينهم أن عدد آيات القرآن في رواية الكوفيين عن أهل المدينة 6217، بينما في رواية أهل البصرة عن ورش 6214.