منوعات
قراءة أبي جعفر المدني (2 من 3)
الاثنين 11 أبريل 2022
190
السياسة
قال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرأوا كما عُلّمتم"، إلا أن الإمام ابن الجوزي أثبت ثلاث قراءات أخرى، وقد توافق معه أهلُ العلم فأصبح للقرآن عشر قراءات معروفة ومتواترة.إعداد - رانيا مصباح: حظيت قراءة الإمام أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني المخزومي بمكانة كبيرة وقديرة عند أهل المدينة وتقبلوها بالرضا والاستحسان، كما حظي هو بمكانة كبيرة بينهم، فكان في رمضان يلقنهم القرآن، ولم تشغله مكانته وعلو قدره كأحد القراء الأجلاء أن يتعالى وظل مثالا للتواضع والزهد والعبادة والورع والتقوى.لم يقتصر الاهتمام بقراءة "أبي جعفر" في حياته فحسب، بل ظلت لها مكانة كبيرة عند أهل الفقه والسنة بعد رحيله عن الدنيا، فكان الإمام ابن حنبل يقرأ بها، ويوصي بقراءتها، كما أن أشهر القراء السبعة كانوا قد أخذوا القراءة عنه ومنهم نافع بن أبي نعيم المدني القارئ الاول، وأبو عمرو بن العلاء البصري القارئ الثالث، حتى أن الامام نافع المدني كان يروي عن نفسه "كنت أقرأ على أبي جعفر، وأنا ابن تسع سنوات، ولي ضفيرتان".انفراد في القراءةكان للإمام أبي جعفر بن القعقاع المدني أصول ومنهج في القراءة، ومن أشهر وأجل من قرأ عليه، الإمام نافع المدني، ولذلك تتشابه أصول قراءتهما، وهذا أمر طبيعي مع وجود فروق قليلة بينهما، سببها أن الإمام نافع المدني قد أخذ وقرأ على شيوخ كثر وتعلم منهم واختار من بينهم ليكون له قراءة خاصة به.تفرد "أبو جعفر" بأكثر من سبعين انفرادة في قراءته للقرآن، ومنها قرأ بضم تاء (لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا) أينما ذكرت، وقرأ بإخفاء النون الساكنة وحركة التنوين والغنة عندما يأتي بعدهما الخاء والغين مثل (مِنْ خَيْرٍ)،(مِنْ غِلٍّ )، (عَلِيمٌ خَبِيرٌ )، (عَزِيزٌ غَفُورٌ)، واستثنى من ذلك ثلاث كلمات فقط أظهرها (يَكُنْ غَنِيًّا) بسور، النساء الاية 135، و(وَالْمُنْخَنِقَةُ ْ) بسورة المائدة الآية 3، (فَسَيُنْغِضُونَ) بسورة الاسراء الاية 51.وفي سورتي آل عمران والمائدة قرأ كلمة (الطير) بزيادة ألف بعد الطاء وهمزة مكسورة بدلا من الياء، فتقرأ (الطَائِر). وفي سورة الاسراء الآية 13 قرأ ( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا ) بالياء المضمومة في مكان النون المفتوحة وبفتح الراء (ويُخرَج).وانفرد في سورة النور بقراءة (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) الاية 22 بتاء مفتوحة بعد الياء وبعد التاء همزة مفتوحة مع فتح اللام وتشديدها لتكون (يتَأَلَّ). وقرأ( نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) بتاء مفتوحة مكان النون المضمومة (تَسْقِيكُمْ) في سورتي المؤمنين والنحل، كما سكت سكتة لطيفة من دون تنفس على كل حرف من حروف الهجاء والتي تاتي في أوائل السور مثل «ألم» «كهيعص».وفي سورة ص الاية 29 قرأ أبو جعفر(لِّيَدَّبَّرُوا) بتاء فوقية بعد اللام، مع تخفيف الدال، وفي سورة قريش قرأ (لإيلاف) بحذف الهمزة المكسورة مع إثبات الياء، وقرأ أبو جعفر (إيلافهم) بحذف الياء بعد الهمزة.وفي الادغام والإظهار كان لأبي جعفر ادغام الذال في التاء في مثل قوله تعالى (أَتَّخَذْتُمْ) (عُذْتُ) (فَنَبَذْتُهَا) اينما وقعت، كما قرأ بإدغام الثاء في التاء حيثما جاءت في مثل قوله تعالى "أُورِثْتُمُوهَا"، "لَبِثْتُ"، وادغم الثاء عند الذال في سورة الاعراف الاية 176 (يَلْهَثْ ذَلِكَ). كذلك قرأ بإظهار الباء عند الميم في قوله تعالى (ارْكَب مَّعَنَا) سورة هود الاية 42.وفي الهمز المنفرد أبدل أبو جعفر كل همزة ساكنة سواء كانت فاء أو عينا أو لاما للكلمة بحرف مد من جنس حركة الحرف الذي قبلها، فما وقع فاء للكلمة مثل (يَأكل، مُؤمنا، يَأتي، يَأتين، يَألمون)، ومثل ما أتى عينا للكلمة مثل (الرَأس، بِئر، بِئسما)، وما جاء لاما للكلمة (جِئت، جِئتم، شِئت، شِئتم)، إلا أنه استثنى من ابدال الهمزة الساكنة كلمتين هما (أَنْبِئْهُمْ) بسورة البقرة الاية 33، و(وَنَبِّئْهُمْ) بسورتي الحجر الآية 51 والقمر الآية 28.وفي سورة الصافات الآية 153 قرأ قوله تعالى: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ) بوصل الهمزة وبدأ بها مكسورة، كما قرأ أبو جعفر بإسكان الهاء في كل من الكلمات (يُؤَدِّهِ – نُوَلِّهِ – وَنُصْلِهِ – نُؤْتِهِ – فَأَلْقِهِ).رحيل نور القرآنبعد حياة مليئة بحب القرآن وتجويد وتعديد آياته وحصرها وتعليمه ورواية سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم توفي أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني المخزومي في عهد خلافة مروان بن محمد، وقد اختلفت المصادر في سنة الوفاة إلا أن الإجماع على أنه توفي سنة ثلاثين ومئة هجريا (130هـ). وقد رَوى الإمام نافع بن أَبي نُعَيْم المدني أنه عندما كان غُسِّل أبي جعفر بعد وفاته نظروا ما بين صدره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك أحد ممن حضروا غسله أن ذلك من نور القرآن.