منوعات
قراءة أبي جعفر المدني (3 من 3)
الثلاثاء 12 أبريل 2022
10
السياسة
قال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرأوا كما عُلّمتم"، إلا أن الإمام ابن الجوزي أثبت ثلاث قراءات أخرى، وقد توافق معه أهلُ العلم فأصبح للقرآن عشر قراءات معروفة ومتواترة.إعداد - رانيا مصباح ظلت قراءة "أبي جعفر المدني" هي قراءة أهل المدينة دهرا من الزمن وذلك لتقبل الناس لها، واعتماد أهل بلده عليها، وحظيت بمزيد من التقدير لصحتها وعظيم سندها، وعلو مكانتها لعلو مكانة قارئها أيضا والذي كان ضمن علماء القراءات وصنف من علماء الطبقة الثالثة من حفاظ القرآن.مدرسة عظيمةصار أبو جعفر مدرسة عظيمة في حد ذاته لتعليم القرآن وإفتاء الناس بالمدينة، تتلمذ على يده أناس لا حصر لهم، فقرأ عليه نافع ابن أبي نعيم أول القراء السبعة المعروفين، كما أخذ القراءة عن الإمام الجليل أبي جعفر المدني؛ سليمان بن مسلم بن جماز، وعيسى بن وردان، وأبي عمرو بن العلاء البصري ثالث القراء السبعة، وعبد الرحمن بن زيد، وولداه: إسماعيل، ويعقوب، وغيرهم، لكن أشهر من روى عنه، عيسى بن وردان، وسليمان بن مسلم بن جماز.ابن وردانأخذ عيسى بن وردان أبي الحارث المدني،القراءة عرضا عن الإمام أبي جعفر المدني، وصار أحد رواته المشهورين والمعروفين، كما قرأ القرآن على الأمامين شيبة بن نصاح، ونافع بن أبي نعيم، بل إنه كان من خيرة أصحاب الإمام نافع وأجلهم، وشاركه في الإسناد ويعود سنده في القراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال 6 طرق، حيث أخذ القراءة عن أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني والذي أخذها عن أبي هريرة عن أُبَيِ بن كعب عن الرسول صلى الله عليه وسلم.تمتع ابن وردان بسمعة طيبة، واشتهر بأنه قارئ ماهر وحاذق بالقرآن، ورا ذي ثقة ومضبط للحركات والحروف ومحقق لها، حتى أصبح من علماء القراءات، و ضمن علماء الطبقة الرابعة من حفاظ القرآن.كان ابن وردان يعلم الناس ويقرأ على كل رجل عشر آيات، كما كان يفعل شيوخه خصوصا أبو جعفر، و شيبة بن نصاح، ثم صار له طريقان رويت عنه القراءة وهما طريق الفضل بن شاذان بن عيسى الرازي، وطريق أبي القاسم هبة الله بن جعفر عن أبيه جعفر.وبعد أن اتم رحلته مع تعليم القرآن، توفي ابن وردان في سنة ستين ومئة من الهجرة 160هـ تقريبا.ابن جمازيعد سليمان بن محمد بن مسلم بن جماز، الذي يكنى بـ "أبي الربيع"، أحد رواة القرآن الكريم، أخذ قراءته عن خيرة العلماء والمقرئين، وفي مقدمتهم أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، وشيبة بن نِصَاح، ونافع بن أبي نُعَيْم.تميز ابن جماز بأنه مقرئ محقق دقيق من علماء القراءات، جليل وعظيم الشأن ضابطا للحروف، اشتهر بالإجادة في الترتيل والقراءة وبرع في الأداء، وتصدر للحديث والإقراء، وكان مقرئ المدينة في عصره.تتلمذ على يديه طلاب العلم، واتبع قراءته الكثير من الطرق، وكانوا اثنا عشر طريقا، لكن أشهرهم طريقان هما أبي أيوب سليمان الهاشمي، وطريق الدوري عن إسماعيل بن جعفر.وبعد حياة مليئة بالعلم والتعلم وتعليم القرآن، رحل ابن جماز في سنة السبعين ومئة من الهجرة.اتباع الأثرروى كل من عيسى بن وردان وسليمان بن جماز عن شيخهما أبي جعفر المدني وأخذا عنه القراءة كما قرأها هو، إلا أنهما كانا لهما بعض الاختلافات والفروق اليسيرة.ففي سورة آل عمران الآية 13 قرأ ابن وردان (يُؤَيِّدُ) بالهمز بينما قرأها ابن جماز بواو خالصة، وقرأ ابن وردان قوله تعالى (مِّل الأرضِ) في سورة آل عمران الآية 91 بنقل حركة الهمزة الى الحرف السابق لها مع حذفها، بينما قرأها ابن جماز بتحقيق الهمز (مِّلءُ الأَرضِ)، كذلك قوله تعالى { الَآنَ} قرأها ابن وردان اينما وقعت بالقرآن الكريم بنقل حركة الهمزة الى الحرف السابق لها مع حذفها، بينما حقق الهمز ابن جماز (ال ـنَ)وفي سورة التوبة الآية 19 قرأ ابن وردان قوله تعالى (سُقَىةَ الحَاجِّ وَعَمَرَةَ ال مَس جِدِ) بضم السين وألف بعد القاف في سقاية وقرأ عمرة بفتح العين بلا ألف بعد الميم، بينما قرأها ابن جماز (سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ} بكسر السين وكسر العين وألف بعد الميم. وروى ابن وردان قوله تعالى بسورة يس الآية 31 (وَإِن كُلّ لَّمَا جَمِيع) بفتح الميم وتخفيفها في لما، بينما قرأها ابن جماز بتشديد فوق الميم (إِن كُلّ لَّمَّا جَمِيع).وفي قوله تعالى بسورة غافر الآية 32 (يَومَ التَّنَادِي) قرأها ابن وردان بزيادة ياء وصلا بينما قرأها ابن جماز بالوقف دون ياء (يَومَ التَّنَادِ}. انفرد ابن وردان عن أبي جعفر بقراءة قوله تعالى بسورة النساء الآية 94 (لَستَ مُومَنا) بفتح الميم، بينما قرأها جمهور القراء ومعهم ابن جماز (لَستَ مُومِنا) بكسر الميم، ويرجع الاختلاف في القراءة إلى الاختلاف في التفسير، فالقراءة بالفتح تفسر وتعود إلى أن الرجل غير مؤتمن، إما القراءة بالكسر فتعود الى قلة الإيمان أو عدم الإيمان الحقيقي.أجاد الراويان ابن وردان وابن جماز في نقل قراءة الإمام الجليل أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني المخزومي، فلم تكن الاختلافات والفروق كثيرة، وظل من أخذوا القراءة عنهما متمسكين باتباع الأثر وتعليمه.