قراءة نافع المدني (3 من 3)

قال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرأوا كما عُلّمتم"، إلا أن الإمام ابن الجوزي أثبت ثلاث قراءات أخرى، وقد توافق معه أهلُ العلم فأصبح للقرآن عشر قراءات معروفة ومتواترة.

إعداد - رانيا مصباح:


الراوي الثاني للإمام نافع بعد الإمام قالون، هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن عبدالله بن عمرو بن سليمان، واشتهر بلقب ورش، ولد بمصر في محافظة قنا- مركز قُفط، وتوفي فيها سنة 197 هجرية، عاش فقيرًا، معتمدا على بيع رؤوس الماشية، وحينما تعلم قراءات القرآن رحل الى القاهرة وتحديدا في الفسطاط وفي مسجد عمرو بن العاص، فعلم تلاميذه تلاوة القرآن، ثم رحل إلى شيخه الإمام نافع بن عبدالرحمن أبي نعيم المدني في المدينة المنورة ليتعلم منه قراءة القرآن وختم امامه القرآن الكريم اكثر من مرة في عام 155 هجرية.

اسمه ولقبه
كان للإمام ورش الكثير من الألقاب منها "ورش القفطي" نسبة الى مدينة قفط التي ولد بها بمحافظة قنا، ومنها "الرواس" نسبة لتجارته في رؤوس الماشية، أما لقبه الأشهر والمعروف فهو "ورش" وقيل ان الذي لقب بهذا اللقب شيخه الإمام نافع المدني لشدة بياضه، فالورش هو الشيء المصنوع من اللبن.
يعتبر "ورش" شيخ القراء المحققين وانتهت إليه في عصره رئاسة الإقراء في الديار المصرية، وقد امتاز بأنه حسن الصوت، جيد القراءة ويعطي كل حرف وكلمة حقها في القراءة في المد والتهميز والتشديد، من دون أن يصيب من يسمعه بالملل.

انتشار قراءته
انتشرت قراءة ورش بشكل كبير في شمال افريقيا وغربها كالجزائر، وليبيا وموريتانيا والمغرب، والنيجر ونيجيريا والسنغال والنيجر ومالي، ولأنه كان يعيش في مصر، فقد انتشرت قراءته في القرون الأولى فيها وتحديدا منذ القرن الثالث الهجري إلى أواخر القرن الخامس، وقد استمرت بالأراضي المصرية حتى فتحها العثمانيون، لتحل محلها قراءة حفص عن عاصم التي أصبحت القراءة المعتمدة، وبعيدا عن مصر تعد قراءة ورش أكثر القراءات انتشارا وشيوعا في العالم الإسلامي.

رحلة حب
حول رحلته من مصر إلى المدينة المنورة ليقرأ القرآن الكريم على معلمه وشيخه الإمام "نافع"، روى الإمام "ورش" نفسه هذه القصة قائلا: قررت الخروج من الديار المصرية لأقرأ على نافع، وعندما وصلت الى مدينة النبي ذهبت الى مسجد نافع، ووجدت عنده قراء كثيرين ولم استطع الوصول إليه فقصدت أحد المقربين له لكي يأخذني إلى منزله، وبالفعل ذهبت معه، وأتيحت الفرصة لي أن أقرأ على الإمام نافع في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وظللت أقرأ عليه حتى ختمت القرآن أمامه".

خصائص وسمات
تتسم قراءة ورش بالكثير من الخصائص منها تفخيم اللام في أربعة حالات، الاولى: أن تكون اللام مفتوحة سواء كانت مخففة أو مشددة. الثانية: أن تقع اللام بعد احد الحروف الثلاثة (الطاء أو الظاء أو الصاد). الثالثة: أن تكون اللام غير مفصولة عن هذه الأحرف الثلاثة بفاصل، فإذا فصل حرف الألف بين اللام وهذه الحروف، فيجوز فيها التفخيم والترقيق، مثل: فصالا. أما الرابعة: أن يكون كل من الأحرف الثلاثة مفتوحا أو أن يكون ساكنا وذلك مثل "الصَلَاة ـ الطَلَاق ـ ظَلَم ـ يصلون ـ مطلع ـ يظلمون".
من خصائصه أيضا في القراءة ترقيق الراء بعد الكسرة اللازمة والياء الساكنة مثل "نصارى ومراء". كذلك التخفيف في الهمزة بإبدالها بحرف الألف، فلا نقول يأكل بل ياكل.
من أهم خصائص رواية الإمام ورش أيضا اهتمامها بطريقة التحقيق الذي يعد أحد اشكال الأداء وفنونه الثلاثة المتفق عليها والمعمول بها بين مختلف القراء باختلاف الأحوال، ويراد بالتحقيق التمكين من الحروف وإعطائها حقها من حركتها والتثبت في ادائها وبيانها، فقد كان الإمام ورش يبتعد عن الإسراع ويأخذ بالتمكين والأداء الحسن وإعطاء المد حقه والتوسط حين يحتاج ذلك.

اللص التائب
للإمام ورش حكاية عن توبة لص على يده، حيث جاء ليسرق منزله، ولكنه لم يجد ما يسرقه فأجلسه الامام معه، وقال له: استغفر ربك وسترى أثر ذلك.
جلس اللص واستغفر فإذا الباب يدق ويأتي غلام من الخليفة يعطي الإمام ورشا صرة مال كبيرة، ويقول له: إن الخليفة يقول لك إعطها لمن يستحقها، فقام ورش بإعطاء الصرة للص، وهنا نزل المطر فقال الإمام له اذهب لزوجتك فهي تضع غلاما، فذهب اللص ووجد امراته قد وضعت ذكرا فعلا، فعاد الى الامام وقال له: لم استعجب من شيء ولا من المال ولكني استعجبت من بشراك بالغلام وقد وضعت زوجتي غلاما بالفعل. فقال له الامام ورش: لقد أخذت من كتاب الله تعالى (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)، وقد استغفرت وجاء المال ونزل المطر فكان الاستدلال على الولد، فتاب اللص ولزم خدمة الإمام ورش إلى أن مات.