السبت 27 يوليو 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
قصة جمعان المضياني العنزي
play icon
الأخيرة   /   كل الآراء

قصة جمعان المضياني العنزي

Time
الأربعاء 13 سبتمبر 2023
View
446
محمد الفوزان

قصص إسلامية

أمضى في البئر قرابة 55 يوماً، تاريخ الحادثة قرابة عام 1373 هجري الموافق 1954 ميلادي.
اشتهر هذا الرجل بحب الصدقة، ومساعدة المحتاجين، ومن دون أن يعلم أحد، حتى زوجته وأبنائه.
كان رجلا جبراً، أي طويلاً وعريضاً ومتعافياً، وفي يوم من الأيام كان جمعان مع إبله، فغفل عنها قليلاً، ففقدها في منطقة تسمى "ذباذب" في أطراف الصحراء، بين رفحاء والحفر، وما يليها، فتتبّع آثار الإبل وكان معه قربة ماء، والوقت صيفاً.
بعد فترة نفد الماء، ولم يجد أثر إبله، وكان يعرف بئر ماء تسمى "بير ذباذب"، توجه إليها ووصل اليها، وكانت بئراً عميقة، والماء في عمقها، وليس على سطحها، وكما هو معروف فإن البئر تكون على حوافها صخور بارزة على شكل مستطيل.
انتظر حول البئر، ولم يأت أحد، ولم يكن معه دلو، والماء بعيد، والشمس حامية، والعطش كاد يفتك به، فنزع ثوبه ووضع بندقيته بعد أن دفنها تحت شجرة، وحاول أن ينزل الى أن يصل للماء، فزلت قدمه وسقط.
بعد أن استيقظ من غشيته، وإذا هو على صخرة ويده تصل للماء، شرب من الماء، وبقي ينتظر فرج الله، أن يأتي أحد الرعاة أو العابرين، لكن كان هذا الوقت في أواخر الصيف، وغالب أهل الحلال يرحلون الى المناطق التي يتوسمون فيها العشب والرعي.
أما أهله فقد بحثوا عن الإبل ووجدوها، لكنهم لم يجدوه، فطلبوه في المناطق التي حولهم، ونشدوا عنه، لكن لا خبر، فتوقعوا أنه مات، إما عطشا في الفيافي، أو أكلته الذئاب، وقد مضى على ضياعه أكثر من شهر.
مر رجل عراقي مسافر يبيع ويشتري من البدو، يبيع الخام ويشتري السمن والصوف، وكان على راحلته عندما أراد أن يتزود بالماء، ومر على بئر ذباذب، لكن لفتت نظره البندقية التي ظهر طرفها تحت الشجرة، فأخذها ثم مضى، رأى بدوا فقرر أن يضيف عندهم، فصادف أنه نزل عند مضيف أخو جمعان، اسمه ظاهر، وبعد أن شرب القهوة، لمح الموجودون بندقية جمعان، وهم يعرفونها، فبدأوا يتهامسون.
سأله ظاهر أخو جمعان: من أين لك هذه البندقية؟ قال الحواج: اشتريتها من السوق. وبدا عليه الارتباك، فشددوا عليه المساءلة وقالوا: هذي بندقية رجل لنا مفقود منذ شهر، وأكيد أنك قتلته وسلبته بندقيته.
هنا قال الرجل: والله لم أقتل أحداً، وأنا وجدتها في المكان الفلاني، قالوا: امش دلنا عليه.
مشى الرجل ومعه رجال عدة، منهم أخوه وأبناء عمومته، اقتربوا من البئر وبدأوا ينادون: جمعان… جمعان.
فسمعوا صوتاً خفيفاً من داخل البير، وهناك تيقنوا أنه حي، لكن لن يستطيعوا اخراجه بسهولة، فلو تعرض للهواء قد يموت، وكان جلده رقيقا، وكأنه مولود صغير.
فذهب أحدهم وأحضر شاتين وذبحوهما، ونزل أخوه ومعه رجل وهم يحملون جلوداً ساخنة حتى يلفوه بها.
وصلوا اليه ولفوه بالجلود، ولم يتركوا الاّ وجهه. كان في حالة من الضعف والانهيار، فنزلوا عند عرب قريبة منهم، وبدأوا مداواته، كانوا يقطرون في فمه سمن الغنم قليلاً… قليلاً، فقد كان فمه شبه مغلق، وبعد أسبوع بدأت الحياة تعود اليه، وبعد أن صحا واستدرك عقله، سألوه: كيف استطعت أن تصمد كل هذه المدة 55يوما؟
قال: كان يأتيني رجل بسحلة لبن (طاسة إو إناء) في الصباح والمساء وأشرب من اللبن، إلاّ آخر ليلتين انقطع عني، وما عاد يأتيني. قالوا: هذي ناقتك فلانة اللي منحتها لأم الأيتام، وقبل يومين استرجعها ولدك فلان منها، فمنعت من الحليب، والفتيت قد منعت زوجتك، أو قيل ابنتك، من الذهاب لتلك العجوز فانقطع الطعام عنك.
الانسان في ظل صدقته.
يقول صلى الله عليه وسلم: "صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ".
تشافى جمعان المضياني العنزي، وظل على قيد الحياة عمراً مديداً إلى أن توفي رحمه الله في محافظة الخرج في المملكة العربية السعودية.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

إمام وخطيب

محمد الفوزان

[email protected]

آخر الأخبار