إعداد – إسلام مصطفى: يحفل التاريخ العربي بالنوادر، التي قلما يوجد مثلها في أمم أخرى، نظرا لما يتمتع به العرب من خفة ظل، حتى أنهم سخروا الشعر في كثير من هذه المواقف فتحولت بها إلى نادرة، "السياسة" طافت عبر تاريخ العرب قديمه وحديثه وقطفت بعض هذه النوادر لتقدمها للقارئ حتى ترسم على ملامحه البسمات.البُخل صفة يبغضها الله، وعانى منها العرب، ويحفل تراثهم بنوادر وطرائف عن البخلاء علهم يكونوا عبرة للأجيال التالية عليهم، وتطل علينا طرائف العرب بقصة البخيل وحذاء ابنه، ففي ليلة خرج البخيل وابنه لقضاء سهرة عند أحد الأصدقاء، وفي منتصف الطريق تذكر الرجل شيئا عكر مزاجه، فمصباح المنزل تركه الابن مضاءً عند مغادرته، كارثة لم تكن في حسبانه وفورا قرر البخيل عودة نجله من منتصف الطريق ليطفئ المصباح، بعدما نهره لخسارتهما درهما بأكمله بسبب فعلة الصبي. جرجر الولد قدميه بثقل وكأنها مقيدة بجبل كبير، أنجز مهمته وعاد على الفور، فإذا بوالده ينهره مرة أخرى، فتلك المرة كانت أشد قسوة على البخيل، لأنه فطن إلى أن خسارته هذه المرة أكبر من السابقة، فالخسارة هذه المرة تعادل درهمين قيمة تلف حذاء الابن في مشواره، ولكن من شابه أباه فما ظلم، فالصبي اصطحب حذاءه أثناء مشواره ذهابا وإيابا بين يديه، وأنجز مهمته حافي القدمين، وما إن قال لوالده: لقد ذهبت إلى المنزل حافيا وعُدت حافيا، حتى أثلج صدره.ومن الطرائف ما حدث مع أبّي نواس الذي سطر أبياتا حكى فيها تجربته مع الفضل وهو أحد البخلاء في عصره، وقال: رأيت الفضل مكتئبا... يناغي الخبز والسمكَ، فأسبل دمعة لما... رآني قادما وبكى، فلما حلفت له... بأني صائم ضحكَ.وفي بقعة أخرى من أرض العرب، ربما في زمن غير الزمن وقف أحد البخلاء أمام بائع الفاكهة بعدما قرر شراء تمر، وأشار إلى البائع بكلمات تُشعر سامعها وكأنه من أعيان المدينة، وبصوت جهوري وشموخ سأل البخيل بائع الفاكهة: هل عندك تمر صغير النواة، عظيم اللحم، كثير الحلاوة؟ فأجابه: نعم.ارتسمت على وجه البخيل ملامح البهجة، وقال للبائع: فاضبط ميزانك واعص شيطانك، وزن لي منه بربع قرش، نوبة ضحك انتابت البائع، وقال ساخرا منه: لا بد أن عندك اليوم ضيوفا؟! فأجاب البخيل: لا، ولكني أريد أن أمتع نفسي وعيالي.ودائما ما يسعى كل بخيل إلى تجنب أن يؤخذ من ماله شيء، ورصدت طرائف العرب قصة البخيل الذي هداه تفكيره إلى اختيار قرية بعيدة عن بلده بعدما جاب البلاد قرية قرية وحط ركابه بقرية معروف عن أهلها أنهم كرماء، وادعى أنه شديد الفقر، ونجحت خطته وكسب شفقتهم وأغدقوا عليه العطايا وتصدقوا له بأموالهم، وكان يحصل على مأكله ومشربه وملبسه منهم.وفي أحد الأيام أغلق البخيل باب بيته المطل على سكان القرية التي اختارها تكون بلده، وفتح بابا آخر من ناحية أرض خلاء، ورغم غرابة فعلته إلا أن أهل القرية استمروا في تقديم العطايا له، حالة من الضحك الهستيري أصابت أهل القرية بعدما عرفوا السبب وراء تغيير باب منزله، فقد ملك البخيل عنزة تفيض بالحليب وحتى لا يسأله أحد من هذا الخير ابتعد عنهم.وذاق أحد شعراء العرب مرارة صلادة أحد هؤلاء النحامين، أي شديدي البخل، وحملت كتب التراث بين طياتها نادرة حدثت لشاعر دخل على رجل بخيل، فشحب وجه المقتر، وكشف إحمرار وجنتيه قلقه واضطرابه، ونما إلى ذهنه أنه لو أكل الشاعر من طعامه سيهجوه، فطن الشاعر إلى الأمر وألّم بما جال في نفس البخيل، ولم يطعم طعامه، ومضى عنه، ولكن أبّى ألا تمر تلك النادرة دون أن تدون لعلها تكون عبرة، فنظم أبيات قال فيها: "تغير إذ دخلت عليه حتى... فطنت فقلت في عرض المقال، عليَّ اليوم نذر من صيام... فأشرق وجهه مثل الهـلال".