الثلاثاء 17 يونيو 2025
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

قل للمليحة في الخمار الأسود

Time
الخميس 14 نوفمبر 2019
View
5
السياسة
محمد الفوزان

كان كثير من المنشدين يتغنون بمطلع هذا البيت كناظم الغزالي، وعوض دوخي وصباح فخري وغيرهم، وبسببهم لاقت هذه الأبيات الشعرية شهرة واسعة بين الشعوب العربية، والمفاجأة أن هذه الأبيات تعتبر أول إعلان تجاري في العالم أجمع، والذي انطلق من المدينة المنورة في العصر الأموي الأول.
لهذه الأبيات قصة طريفة، وهي أن الشاعر والمغنّي الحجازي الدارمي كان كثيرا يتشبب (يتغزل) بالنساء الجميلات، إلا أنه عندما تقدم به العمر ترك نظم الشعر والغناء، وتنسك وأصبح متنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة، وفي إحدى زياراته للمدينة التقى بأحد أصدقائه، وهو من أهل الكوفة بالعراق،ويعمل تاجراً، وكان قدومه إلى المدينة للتجارة، ويحمل من ضمن تجارته خُمُرٌ عراقية( بضم الخاء والميم ومفردها خمار بكسر الخاءـ وهو ماتغطي به المرأة رأسها، والمعروف حاليا عند النساء بالملفَع أو الشيلة)، فباع التاجر العراقي جميع الألوان من تلك الخمر ما عدا اللون الأسود، فشكا التاجر لصديقه الشاعر الدارمي عدم بيعه اللون الأسود، ولعله غير مرغوب فيه عند نساء أهل المدينة، فقال له الدارمي:" لا تهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع، ثم نظم بيتين من الشعر، وتغنى بهما كما طلب من مغَنِّيَيْن بالمدينة وهما سريح وسنان أن يتغنيا بالبيتين الذي قال فيهما:
"قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعـلت بـناســك مـتعبـــد
قد كان شـمر للصلاة ثــيابــه
حتى وقفـت له بباب المسجـد".
وأضاف إليها أحدهم بيتين آخرين هما:
"فسـلبت منه دينــه ويقـيـنــــه
وتركتـه في حــيرة لايهتــدي
ردي عليه صلاتـه وصيــامــه
لاتقـتـليـه بحـق دين محمــــد".
فشاع الخبر في المدينة بأن الشاعر الدارمي رجع عن تنسكه وزهده، وعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحة إلاّ اشترت من التاجر خماراً أسود لها.
فلما تيقن الدارمي أن جميع الخُمُر السوداء قد نفدت من عند صديقه ترك الغناء ورجع إلى زهده وتنسكه، ولزم المسجد، فمنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا الحاضر والنساء يعتمرن بأغطية الرأس السوداء، ولم يقتصر هذا على نساء المدينة وحدهن، بل انتشر بين جميع النساء في العالمَيْن العربي والإسلامي، وهكذا يكون أول إعلان تجاري في العالم أجمع قد انطلق من المدينة المنورة.

إمام وخطيب
آخر الأخبار