الرقابة اللصيقة من الزوجين لتصرفات وسلوك الآخر تجعل أحدهما يشعر أنه في سجنالقاهرة - محمد إسماعيل:تثار بين الحين والآخر قضية عمل الزوجين معا في مكان واحد أو في نفس الشركة أو المؤسسة، وتطرح بشأنها الكثير من التساؤلات حول مدى جدواها وتأثيرها على الحياة الأسرية أو العمل، فيظن بعض الأزواج والزوجات أن العمل معا في مكان واحد ومهنة واحدة ييسر عليهم الكثير من مصاعب الحياة ويخفف الأعباء المادية والإنسانية والأسرية، كالذهاب والعودة من العمل بسيارة واحدة، والتعاون والمساعدة في شراء مستلزمات المنزل بعد انتهاء دوام العمل، وتوصيل الأبناء إلى المدارس وإحضارهم إلى المنزل، علاوة على أن تواجد الزوج مع الزوجة في مكان العمل يشعرها بالاطمئنان والأمان ويسهل عليها أمورها المهنية والأسرية ويدفعها للنجاح والترقي، ويساعدها على حل المشكلات الطارئة التي تواجهها، ليس هذا فحسب، بل يزيد من التلاحم والانسجام والحب ويبعد الشك والخلافات ويعزز العلاقات الأسرية، ولكن سرعان ما تتفجر الغيرة ويدب الملل والرتابة ويتحول عمل الزوجين معا لنار مشتعلة بالخلافات والمشاحنات تحرق الأخضر واليابس وتدمر الحياة الزوجية.وتؤكد دراسة أجريت بجامعة ميثوديست في ولاية تكساس الأميركية، أن احتمال نجاح العلاقة بين الزوجين يكون أكبر وأفضل إذا كان أحد الشريكين يعمل بمكان ومهنة مختلفة عن الآخر، وان الزوج الذي يعمل مع زوجته في بيئة عمل واحدة لا يبذل الكثير من الجهد لإرضاء نصفه الآخر، وأن الأزواج أكثر التزاما واهتماما بإرضاء زوجاتِهم عندما يكونوا في أماكن عمل مختلفة، وأن بيئة العمل الواحدة للزوجين تخلق تنافسا مذموما وتفسد الحب والتلاحم والانسجام وتزيد الغيرة والخلافات، وأفادت الدراسة أن عمل الزوجة بعيدا عن مكان عمل الزوج يعزز روابط المحبة ويقوي العلاقة ويزيد الألفة والشوق ويكسر الجمود والروتين والملل. وكشفت الدراسة أن سلبيات عمل الزوجين في مكان واحد أكثر من الايجابيات، ويأتي في مقدمتها تقييد الحرية الشخصية في القول والفعل، وتفرض على طرفي العلاقة تحسس سلوكياته وتصرفاته وتجنب مضايقة الشريك، وتؤدي لظهور الكثير من المشكلات الزوجية، فوجود الزوجين دائما معا يقود للرتابة والملل، علاوة على أن الرقابة اللصيقة من الزوجة أو الزوج لتصرفات وسلوكيات الآخر تجعله يشعر بأنه في سجن مفتوح وتقضي على التقارب وتزيد التباعد، وأشارت الدراسة إلى أن انتقال خلافات البيت للعمل ومنغصات ومشكلات الوظيفة للمنزل أمر حتمي وعدم القدرة على فصل الحياة الشخصية عن العمل أو العكس يؤدي للفشل في الاثنين. في هذا التحقيق نستطلع آراء عدد من الأزواج والزوجات حول ايجابيات وسلبيات عمل الزوجين في مكان واحد ونقدم رؤية علماء الاجتماع والنفس وخبراء الأسرة حول هذه القضية التي تشغل بال الكثير من الأزواج.رفض وقبوليعارض حسن سيد، محاسب 38 عاما، عمل زوجته معه في نفس الشركة أو مكان العمل الذي يعمل فيه، لأنه يسبب حساسية وزيادة الغيرة من سؤال الزملاء لزوجته واقترابهم منها ويتسبب في الحرج والضيق وتفاقم المشكلات الزوجية، إضافة إلى أن عدم استجابة الزوج أو الزوجة لأي طلب في العمل يفجر الغضب داخل المنزل ويقود للخصام والشجار وربما الانفصال، فعمل الزوجين معا في مكان واحد لا يحقق الترابط والانسجام بين الزوجين، بل يظهر مزيدا من الجوانب السلبية للطرفين، ويحد من حريتهما في التعامل مع الآخرين ومن إبداء الرأي والتصرف بتلقائية وعفوية.تؤيد أمل محمود مدرسة ومتزوجة وأم لثلاثة أطفال عمل الزوجين في مكان واحد، تقول: إن الكثير من المدارس والمؤسسات قائمة على عمل الزوجين معا، وهناك مؤسسات يعمل فيها الزوج والزوجة والأبناء، وأضافت أن لعمل الزوجين معا فوائد ومكاسب كثيرة، يأتي في مقدمتها الثقة المتبادلة وتجنب الشك والوساوس التي هي أساس خراب البيوت، وتقليل النفقات والتعاون على الترقي والنجاح الوظيفي، علاوة على أن عمل الزوجين معا يساهم بشكل فاعل في زيادة الاحترام وتقدير حجم التعب المبذول في العمل وتفهم أسباب التقصير في جوانب أخرى، كتقصير الزوجة في بعض الأمور المنزلية وتراجع الزوج في بعض أوجه الإنفاق، فعمل الزوجين معا يفيد في تفهم المهام والمسؤوليات والمصاعب التي هي من أهم العوامل المساعدة علي إنجاح الزوج.أسماء رمضان 28 عاما موظفة وزوجة: خلافات العمل ومنغصاته كثيرة ومتشعبة بين الزملاء بسبب الغيرة والحسد والعلاقات الشخصية وعندما يعمل الزوجان معا، ستنتقل تلك الخلافات إلى منزل الزوجية وتدمره، بينما إذا كان الزوجان لا يعملان في مكان واحد فإن الخلاف ينتهي بمجرد الخروج من العمل، فهناك أزواج وزوجات لا يستطيعون الفصل بين بيئة العمل وعش الزوجية، كما أن المشكلات في العلاقة الزوجية من الممكن أن تتفاقم إذا كان أحد طرفي العلاقة رئيس العمل فتتولد حساسيات نفسية ظاهرة وباطنة تؤثر على سير الحياة الزوجية والعمل، كما أن تفوق أحد الشريكين في العمل دون الآخر يشعل نار الحقد والضيق والغيرة ويبدد التفاهم والسعادة والاستقرار.المهندس أحمد سليمان 55 عاما، متزوج من زميلته ويعملان في مؤسسة واحدة: أكثر من 20 بالمئة من الأزواج والزوجات يعملون معا وبمكان واحد وربما بمهنة واحدة بالقطاعات الحكومية والخاصة من دون أن يؤثر عملهم على حياتهم الزوجية، وكل الدلائل تؤكد أن عمل الزوجين في مكان واحد يزيد من تفاهمهما وترابطهما ويقوي علاقتهما، ووجودهما في العمل معا يحفزهما على تحقيق المزيد من النجاح والتفوق ويساعد على استقرارهما المالي وشعورهما بالاطمئنان وتذليل كل العقبات التي يمكن أن تواجههما في بيئة العمل وعش الزوجية، فعمل الزوجين معا يرقى بهما اجتماعيا ومهنيا وماليا ويدفعهما للمزيد من الالتزام وحسن المعاملة واحترام النفس، وان يظهرا دائما الوجه المفضل لهما، داخل محيط العمل.الثقافة والأخلاقيقول الدكتور أسامة محمود أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان: ثقافة الزوجين وأخلاقهما وتربيتهما ومعاملتهما تتحكم في تقارب الزوجين وانسجامهما أو تنافرهما عند العمل معا في مكان واحد، فالبيت المعدوم الترابط والانسجام والاحترام وتسوده الخلافات والغيرة والشك والمشكلات فشريكاه لا يصلحان للعمل معا، وإذا حدث فإنهما سوف يفشلان على جميع المستويات سواء داخل البيت أو في محيط العمل، ولضمان عمل الزوجين معا في سلام وتجنب نشوب أي مشكلات لابد من تدريب نفسيهما على الفصل بين العلاقة الشخصية ومصلحة العمل. وطرفا العلاقة الزوجية مطالبان بالحرص الشديد والتحكم في تصرفاتهما وسلوكياتهما مع زملاء العمل وان لا يصدر منهما فعل أو قول يؤذي الشريك، فرغم أن عمل الزوجين في مكان واحد يمنحهما الأمان والاطمئنان ويبعد عنهما الشك، فإنه يقوض من مساحة الحرية والخصوصية المطلوبة في الحياة الزوجية.وعمل الزوجين في مكان واحد محفوف بمخاطر الرتابة والروتين والملل وعدم الكلام بحرية وتلقائية والسير على نمط واحد، وحرمان الزوجين من دافع الاشتياق، كما أن عملهما يزيد من الحساسية تجاه الزملاء ويقلل من الفرص المتاحة لإبراز القدرات والإمكانات الوظيفية، والمقارنة بين أداء الزوجة والزوج الوظيفي يؤدي للكره والضغينة والحقد خصوصا إذا كان أحدهما متفوقا على الآخر، كذلك إذا كانت الزوجة هي رئيس العمل فإن الصدام والخلاف والشجار والانفصال بينهما آت لا محالة، فالرجل الشرقي يرفض أن تكون زوجته رئيسته بحجة القوامة، ووقتها يطالبها بترك العمل بحجة التفرغ للبيت والأولاد ومتابعة أمور المنزل فترفض فيحدث الطلاق، فتفهم الرجل لطبيعة عمل زوجته ومقدار ثقته بنفسه الضمانة الحقيقية لاستمرار ونجاح العلاقة الزوجية وتجنب مشاكل العمل معا.وينصح الدكتور أسامة الزوجين اللذين يعملان في مكان واحد بضرورة التفاهم حول كل شيء منذ البداية وان يتم فصل العمل عن الحياة الزوجية، وان يتعامل الزوجان في محيط العمل كزملاء فقط وليس أزواجا، وإذا اضطر أحد الزوجين إلى معارضة الآخر في العمل فليكن ذلك بطريقة مهنية واضحة وبعيدة عن المحاباة، وبشكل لطيف أمام الجميع لكي لا يشعر الآخر أنه ابتلع إهانة من أقرب الناس إليه، إضافة إلى أن الزوجين مطالبين بالتوقف عن المنافسة في العمل، فنجاح أي منهما نجاح للآخر، ولا داعي لأن يتدخل أي منهما في عمل الثاني إن لم يكن هناك ضرورة، فلكل واحد خبرته واختصاصه، كذلك ينبغي على الزوجين أن لا يذهبا دائما إلى العمل سويا ولا يأخذا إجازتهما معا حتى يوفرا لبعضهما نوعا من الحرية والخصوصية الشخصية، وان يعرفا سلبيات العمل في مكان واحد ويبتكرا حلولا غير تقليدية لها وتلافيها وأن يعظما من ايجابياته حتى يكون عمل الزوجين في مكان واحد دعامة حقيقية لنجاح واستمرار الحياة الزوجية ولا يمثل لها تهديد من أي نوع.عوامل مؤثرةيؤكد الدكتور شريف توفيق استشاري الصحة النفسية، أن هناك 7 عوامل مؤثرة على نجاح العلاقة في حالة عمل الزوجين في مكان واحد، أولها: الغيرة وثانيها: التفاهم فالزوجان المتفاهمان والمنسجمان دائما يحالفهما التوفيق في أي مكان يكونان فيه سويا وثالثها: الثقة بالنفس، فالزوج الذي لديه ثقة بنفسه لا يتأثر إذا ترقت زوجته ولم يترق هو، ولا يفرغ غضبه الشديد في زوجته إذا زاد راتبها ولم يزد راتبه، ورابعها: الحساسية المفرطة، فالزوجان المصابان بالحساسية لا يجب أن يعملا في مكان واحد، فإذا تحدث الزوج في العمل أمام زوجته مع زميلته بأسلوب رقيق فربما يثير حساسية الزوجة، وأيضا يحدث الأمر نفسه إذا تحدثت الزوجة مع زميلها، وخامسها: الصبر فالزوجان اللذان يتحليان بالصبر يمكن لهما العمل معا، وسادسها: المستوى التعليمي والثقافي للزوجين، فكلما ارتفع ساعدهما على التغلب على مشكلات المنزل والعمل، وسابعها: الأخلاق والتربية التي تزيد من الاحترام والتقدير بين الزوجين.مفتاح الحلتقول رشا أحمد خبيرة العلاقات الأسرية: مفتاح حل مشكلات وسلبيات عمل الزوجين في مكان واحد يكمن في مدى قدراتهما على إحداث التوازن بين العلاقات والمنافسة الوظيفية من جهة، وتجنب المشكلات العائلية في البيت من جهة أخرى، وأن يكون لديهما تفهم فطري لما يخص متطلبات الوظيفة، وعلى طرفي العلاقة الزوجية أن يتفهما المتطلبات المهنية للآخر، والإحساس به عندما يتأخر في العمل مثلا أو عند حصول ظروف شائكة في أحيان أخرى، وتجنب التحدث في أمور العمل في الأوقات الممتعة في البيت، ولا يتطرق الزوجان إلى مواضيع تخص العمل في غرفة النوم ولا في آخر ساعات الليل ولا أثناء تناول الفطور، ومن الأشياء المفيدة لعمل الزوجين معا توسيع شبكة العلاقات، ومن الأمور الضارة أن طرفي العلاقة الزوجية يعيشان تحت سقف واحد ويعملان في نفس الشركة ويذهبان العمل معا، لذا يجب إيجاد توازن بين العمل والعيش المشترك، فالأزواج الذين تتقاطع أمورهم الحياتية بكثرة، تميل العلاقة بينهم إلى الركود بسرعة كبيرة، وذلك يجعل الأزواج عرضة لعملية الانصهار الوجداني إذ يتولد إحساس بالاعتماد على الآخر بشكل مفرط، والتفاعل مع كل الانتكاسات والنجاحات التي يواجهها الآخر، ويمكن للتركيز على هوايات واهتمامات مختلفة لكل من الزوجين، خارج نطاق العمل، أن يساعد في تبادل أطراف الحديث، ويخلق لحظات آسرة في العلاقة الزوجية، إن عمل الزوجين معا يخلق مشاكل حقيقية في العلاقة الزوجية، احداها عدم تساوي الراتب مثلا، إذ يمكن لهذا أن يولد شعوراً بالاستياء، وعندما يتعلق الأمر بمقارنة النجاحات المالية، فإن التعاطف بين الزوجين هو من الأمور الحاسمة، وبدلا من إظهار الغيرة تجاه الراتب الأعلى الذي يحصل عليه الشريك، حاول الاستفادة من تلك المعلومة في التفاوض من أجل المطالبة بزيادة راتبك داخل نفس الشركة، لكن الشجار المتكرر والتنافس المفرط، وإيذاء المشاعر باستمرار، كل هذه علامات تنذر بأن الوقت قد حان لإجراء تغيير جذري في البيت، أو في العمل.