الجمعة 09 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

لا يكون الإنسان إنساناً من غير تربية

Time
الثلاثاء 09 مارس 2021
View
5
السياسة
د.حمود الحطاب

نعم أصدق أن ذئبة ربَّت إنسانا تركته أمه في البرية لأي ظرف كان، وهي غير معذورة. نعم أصدق أن غزالا ربت طفلا كما في قصة بن طفيل الاندلسي؛ واصدق ان الطفلتين الهنديتين آمالا وكاملا ربتهما ذئبة... وغير ذلك، والسبب هو أن الله جعل في هذه البهائم من الرحمة والشفقة ما لا يوجد في قلوب بعض البشر؛ والا ترون أن كلبة تحتضن قطة بين جرائها؟
وترون كذلك دجاجة تربي تحت أجنحتها قطة صغير؛ وبطة تتربى مع كتاكيت الدجاج، وهذا كله مخالف لما نتوقعه من طبيعة الكائنات وهي استثناءات في طبيعة الحياة الحيوانية، يرينا الله من خلالها ما لم نره في بشريتنا التي تضل السبيل أحيانا كثيرة.
واليكم هذه المشاهد من خلال مركب رحلتنا العلمية في عالم التربية الانسانية:
يروي مستر جيسل في كتابه "طفل الذئاب" قصة الطفلتين الهنديتين اللتين عاشتا تحت رعاية ذئبة في إحدى الغابات في منطقة ميدنابو الهندية عام 1920 فبعد أن قتل جيستل الذئبة ظلما، أحضر الطفلتين الى ملجأ للأيتام كان يديره مع زوجته؛ وقد توفيت الصغرى آمالا؛ وكان عمرها بين الثانية والرابعة؛ وقدر الله للكبرى كمالا ثماني سنوات أن تستمر على قيد الحياة.
قال جيسل: إنها كانت تسلك سلوك الذئاب، وتسير على أربعة أقدام، وتعبر عن وحشيتها بالتكشير عن أنيابها، وتعوي عواء الذئاب، وتهاجم صغار الطيور، وتأكل اللحم نيئا. وبعد قضاء سنتين في التدريب المتواصل تمكنت الفتاة من الوقوف على قدميها، وتناول طبق الطعام بيديها بدلا من الفم مباشرة، ونطقت كلمة واحدة لرئيسة الملجأ وقالت "ما" وبدأت تخاف الظلام، وفي السنة الخامسة من التدريب شربت من كوب ماء؛ وبعد ست سنوات من التدريب وصل رصيدها اللغوي ثلاثين كلمة ومشت على قدميها، وصارت تستحي من الخروج من الغرفة من دون ثياب؛ وفي السنة السابعة بدأت تخاف من الكلاب، وبلغ رصيدها اللغوي 45 كلمة وماتت وعمرها سبعة عشر عاما. وهكذا فإن العبرة من هذه القصة الموثقة نتأكد من أن التربية ايا كانت هي التي تصيغ الإنسان وتكونه؛ أرأيتم كيف كانت الطفلة كما لا تمشي على أربعة أرجل كما شاهدت الذئاب تفعل ذلك، وتعوي بدلا من الكلام؛ فصارت بالتدريب المستمر تمشي على قدميها، واكتسبت بعض صفات البشر ومنها الحياء، وحفظت نحو 45 كلمة. فهل تدرك وزارات التربية أنها هي من تشكل انسان الوطن، ام هي العشوائية؟
وهل وضعت منهجا متكاملا لبناء انسان متكامل بشكل هادف ومدروس، ومراحلي مراعية طبيعة النمو والمجتمع وطبيعة العصر؛ وهل بنت أهدافها على أساس من الوعي بتأثير العمل التربوي، كما شاهدنا في عملية تشكيل الفتاة في ملجأ الايتام الذي يملكه جيسل؟
هل رسمت وزارات التربية اهدافها العامة وبطريقة علمية مدروسة لكل مرحلة تعليمية؛ وما الذي يثبت أن أهداف التعليم العامة تمت صياغتها بطريقة علمية؟ وهل تعرضت أهداف التعليم التربوية لمحكات تقييم واختبارات عالمية مُحَكَّمَة من محكمين علميين لتقييم وضعها؛ أم أنها وضعت بأسلوب التمخيخ والاجتهاد الشخصي؟
حسب خبرتي في لجان المناهج ان العلمية التي اتحدث عنها بهذا الشكل منتفية عن بناء أهداف التعليم في وزارة التربية؛ وإنما تبنى أهداف التعليم بانتقائية تعتمد على الخبرة الشخصية لواضعي المناهج؛ وهم من الموجهين بالعموم؛ وبعض اساتذة الجامعة والمدرسين ونظار المدارس؛ وهذا التشكيل عفوي لا يعطي اللجان الكفاية العلمية لبناء أهداف علمية كالذي قلته لأن الهدف التربوي العام لايقود؛ وأكثر هؤلاء الذين ذكرت غير متخصصين في عملية بناء المناهج.
قضيت سنوات طويلة في عملية وضع الأهداف التخصصية وبناء المناهج دون خريطة بحث علمية تستند اليها اللجان وكنت طالبت بذلك؛ ولم أر في هذه الاصناف من هذا التنوع علمية مقننة؛ وقد ازدادت العملية سوءا في السنوات الأخرى التالية في مجالات بناء المناهج والوحدات الدراسية المتنوعة، وليس هذا مقتصرا على المادة الدراسية التي كنت مسؤولا عنها، بل يشمل جميع المواد التعليمية.
والبحث في هذا مستمر.

كاتب كويتي

[email protected]
آخر الأخبار