كل الآراء
لهوى النفوس سريرةُُُ لا تعلمُ عرضاً نظرتُ وخِلتُ أني أسْلَمُ
الأحد 08 يوليو 2018
1980
السياسة
مشعل عثمان السعيدبيت من أبيات المتنبي الشهيرة، وكل أبيات وأشعار أبي الطيب من خيار الشعر العربي، وقد سألني الكثير من متابعي هذه الزاوية عن معاني هذا البيت وشرحه، قال الواحدي: يقول المتنبي: سريرة الهوى لا تعرف، ولا يدري من أين تأتي كما قال إن المحبة أمرها عجب، تلقى عليك ومالها سبب، وقوله «عرضاً» أي فجاءة، واعتراضاً عن غير قصد، مثل قول عنترة بن شداد:علقتها عرضا وأقتل قومهازعماً لعمر أبيك ليس بمزعميقول: نظرت إليها نظرة عن فجأة وخلت اني اسلم من هواها، وقال أبو العلاء المعري في شرح هذا البيت الرائع: قوله عرضاً أي من غير قصد، فللهوى سر لا يعرف لطفه ودقته، ولا يوقف عليه إلا بعد ابتلاء به، ونظرت من غير قصد وما ظننت أن الظن يوقعني في حبائل الهوى، بل قدرت أني أسلم ولا أهلك فخاب الظن الذي ظننته «انتهى».وعندي أيها السادة أن شرح المعري أعم وأشمل من شرح الواحدي، يقول أبوالطيب المتنبي:لهوى النفوس سريرة لا تعلمعرضاً نظرت وخلت أني أسلميا أخت معتنق الفوارس في الوغىلأخوك ثم أرق منك وأرحميرنو إليك مع العفاف وعندهأن المجوس تصيب فيما تحكمراعتك رائعة البياض بمفرقيلو انها الأولى لراع الأسحملو كان يمكنني سفرت عن الصبىفالشيب من قبل الأوان تلثّمولقد رأيت الحادثات فلا أرىيققاً يميت ولا سواداً يعصموالهمّ يخترم الجسيم نحافةويشيب ناصية الصبي ويهرمذو العقل يشقى في النعيم بعقلهوأخو الجهالة في الشقاوة ينعموالناس قد نبذوا الحفاظ فمطلقينسى الذي يولى وعاف يندملا يخدعنك من عدو دمعهوارحم شبابك من عدو ترحملا يسلم الشرف الرفيع من الأذىحتى يراق على جوانبه الدميؤذي القليل من اللئام بطبعهمن لا يقل كما يقل ويلؤموالظلم من شيم النفوس فإن تجدذا عفة فلعلة لا يظلميحمي ابن كيغلغ الطريق وعرسهما بين رجليها الطريق الأعظموقد تركت البيت الأخير حفظاً لأدب الكتابة، يقول المتنبي في قصة هذه الأبيات: سرت من الرملة أريد أنطاكية سنة ست وثلاثين وثلاثمئة فنزلت بطرابلس، وبها إسحاق ابن ابراهيم بن كيغلغ وكان رجلا جاهلا يجالسه ثلاثة من بني حيدرة، بيني وبين أبيهم عداوة قديمة، فقالوا له: ما يحب أن يتجاوزك المتنبي ولم يمتدحك، وإنما يترك مدحك استصغارا لك. وجعلوا يغرونه بي، فراسلني إسحاق وسألني أن أمدحه فاحتججت بيمين علي ألا أمتدح أحداً إلى مدة، فعاقني عن سفري ينتظر انقضاء المدة، وأخذ علي الطرق، ومات أبناء حيدة الذين أغروه بي في مدة أربعين يوماً، فقلت أهجوه وأنا بطرابلس أبياتاً أمليتها على من أثق به. فلما ذاب الثلج وخف عن لبنان خرجت كأني أسير فرسي، وسرت إلى دمشق فاتبعني ابن كيغلغ خيلا ورجالا فأعجزتهم «انتهى ما قاله المتنبي» وابن كيغلغ هذا شاعر من شعراء الدولة العباسية، قال الباخزري في حقه: في الطبقة من أبناء عصره وفي الدرجة من أفراد دهره وهو القائل:لسكر الهوى أروى لعظمي ومفصليإذا سكر الندمان من لذة الخمروأحسن من قرع المثاني ونقرهاتراجيع صوت الثغر يقرع بالثغرولما دعوت الصبر بعدك والبكاأجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر(وللأمانة التاريخية ذكر أن هذه الأبيات للشاعر أبوجعفر العذري)وقد قتله غلمانه (ابن كيغلغ) بجبلة من ساحل الشام، فورد الخبر إلى أبي الطيب المتنبي، وهو بمصر فقال يهجوه:قالوا لنا: مات إسحاق فقلت لهمهذا الدواء الذي يشفي من الحمقإن مات، مات بلا فقد ولا أسفأو عاش، عاش بلا خَلق ولا خُلقفسائلوا قاتليه كيف مات لهمموتا من الضرب أم موتاً من الفرقوأين موقع حد السيف من شبحبغير جسم ولا رأس ولا عنقلولا اللئام وشيء من مشابهةلكان ألأم طفل لف في خرقوالظاهر أن ابن كيغلغ لم يظلمه المتنبي في هجائه له، فقد هجاه الشاعر ابن كشاجم فقال فيه وقد أفتصد:يا فاصدا شق عرق إسحاقأي دم لو علمت مهراقسفكته من يد معودةلنيل مال وضرب أعناقأكتفي بهذا القدر.جف القلم ونشفت المحبرة في آمان الله.كاتب كويتي