الأربعاء 16 يوليو 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

مات فرناندو فتنفس المسلمون الصُّعداء وبدأ الاعتدال بالحكم

Time
الأربعاء 22 مايو 2019
View
5
السياسة
إعداد - محمود خليل:


عانى المسلمون في الأندلس، كثيراً من ظروف القهر والرقابة الدائمة التي فرضت عليهم بعد سقوط الأندلس، التي كانت محاكم التفتيش المعينة من طرف الكنيسة مسؤولة عن ترتيبها وتنفيذها.
أدت تلك الرقابة الصارمة إلى نفور شديد من قبل الموريسكيين من كل ما يأتي من قبل السلطات الصليبية، فبعد الذوبان الاجتماعي للأندلسيين القشتاليين وأندلسي الغرب، ثاروا على المسيحية التي فرضت عليهم، وبدأوا في البحث عن جذورهم الإسلامية العربية المفقودة. زاد من حدة تحول هؤلاء الاندلسيين، الذين اجبروا على اعتناق المسيحية - المسيحيون الجدد كما كان يطلق عليهم - طرد أندلسيي غرناطة إلى مناطق تواجدهم، اذ وجدوا في الأندلسيين القدامى في غرناطة، ما فقدوه قبل قرون، كما أجبر تواجدهم النصارى القدامى على عدم نفورهم من أهل غرناطة على النصارى الجدد.
لم يمر وقت طويل حتى التحم أندلسيو غرناطة مع باقي الأندلسيين في شتى المقاطعات الخاضعة لحكم القشتاليين، ما نتج عنه فئة جديدة نتيجة ظلم محاكم التفتيش، أسموها "الموريسكيون"، شكلت عنصراً جديداً في التركيبة السكانية والاجتماعية في الأندلس.

نشط ديوان التحقيق أو ما أطلقوا عليه "الديوان المقدس"، بدعم الملك والفرنجة، في ارتكاب الفظائع ضد المسلمين المتنصرين جبرا "الموريسكيين"، صدرت عشرات القرارات التي تحول بينهم وبين دينهم، لغتهم، عاداتهم، ثقافتهم، فقام الكاردينال "خمينس"، بإحراق عشرات الآلاف من الكتب الإسلامية.

تسليم الكتب العربية
كما صدر أمر ملكي يلزم جميع السكان، بتسليم الكتب العربية التي لديهم، ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية، انتهت بفرض التنصير الإجباري.
للنجاة، بسبب التعلق بالأرض، والخوف من الفقر، والقتل، والحرق، بينما رأى آخرون أن الموت خير ألف مرة من أن يصبح الوطن العزيز مهدا للصليبيين في حياتهم، بينما فر آخرون بدينهم، في كل الحالات كتبت نهايات مأساوية لمأساة واحدة، "رحيل الإسلام عن الأندلس".
استمر فرناندو الخامس ملك إسبانيا، نحو عشرين عاما، بعد سقوط الأندلس، ينزل العذاب والاضطهاد بمن بقي من المسلمين في الأندلس، كانت أداته في ذلك محاكم التحقيق.
مارست هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، أزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب، كان الموت والتعذيب الوحشي نصيب ضحاياها، حتى إن بعضهم كان ينفذ فيه حكم الحرق في احتفال يشهده الملك والأحبار.
مات فرناندو فتنفس المسلمون الصعداء بعد موته، أملا أن يكون "شارل الخامس" خيرا من عهده، أبدى الملك الجديد – في البداية - شيئا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، جنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، كفت عن التعرض لهم في أراجون بعد توسط "النبلاء والسادة" الذين يعمل المسلمون في ضياعهم، لكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام.
عاد التعذيب مرة أخرى فاستغاث الموريسكيون بـ "شارل الخامس"، وبعثوا وفدا منهم إلى مدريد ليشرح له مظالمهم، فندب محكمة كبرى من النواب، والأحبار، والقادة، وقضاة التحقيق، برئاسة المحقق العام للنظر في شكواهم وصدر بعد ذلك أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين أرغمهم الصليبيين على التنصير كرها على البقاء في أسبانيا.
عاش المسلمون تلك الأيام الرهيبة التي ساد فيها إرهاب محاكم التحقيق ما أدى إلى نشوب الثورة في معظم الأنحاء التي يقطنها المسلمون في سرقسطة وبلنسية وغيرهما، دفاعا عن دينهم وحريتهم، إلا أن الأسبان كانوا يملكون السلاح والعتاد، فاستطاعوا اخماد هذه الثورات باستثناء بلنسية التي كانت تضم أكثر من 27 ألف أسرة مسلمة، فاستعصت عليهم، لوقوعها على البحر واتصالها بمسلمي المغرب.

مقاومة عنيفة
أبدى مسلمو بلنسية مقاومة عنيفة لقرارات الصليبيين بالتنصير، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية "بني وزير"، فهاجمها الأسبان بقوة كبيرة مزودة بالمدافع، أرغمت المسلمين في النهاية على التسليم والخضوع، أرسل إليهم شارل "إعلان الأمان " وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة، افتدوا حق ارتداء ملابسهم القومية بمبلغ طائل.
كانت سياسة التهدئة من شارل الخامس محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب الأندلس حتى يتفرغ للاضطرابات التي اندلعت في ألمانيا وهولندا، بعد ظهور "مارتن لوثر" ودعواته لإصلاح الكنيسة وانتشار البروتستانتية، لذلك كان بحاجة إلى توجيه كل اهتمامه واهتمام محاكم التحقيق إلى "الهراطقة" في شمال أوروبا.
ولما شعرت السلطات بميل المسلمين إلى الهجرة، أصدرت قرارا في العام 1514م، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة، ثم صدر قرار بتحريم الهجرة من هذه الثغور إلا بترخيص ملكي، نظير رسوم فادحة، ثم عمل ديوان التحقيق على قمع حركة الهجرة بشدة.
وأصدر الإمبراطور فيليب الثاني قانونا جديدا يحرم التخاطب بالعربية، طبقه بمنتهى الشدة، ثم فرضت القشتالية كلغة للتخاطب والتعامل، مع ذلك وجد المسلمون في القشتالية متنفسا لتفكيرهم وأدبهم، كانوا يكتبونها سرا بأحرف عربية، أسفر ذلك بمضي الزمن عن خلق لغة جديدة سميت بـ"الألخميادو"، تحريفا إسبانيا لكلمة "الأعجمية".
ظلت هذه اللغة سرا بين المسلمين طوال قرنين من الزمان، بذلك استطاعوا الاحتفاظ بعقيدتهم الإسلامية، إذ ألف بها بعض الفقهاء والعلماء كتبًا عما يجب أن يعتقد المسلم ويفعله حتى يحتفظ بإسلامه، شرحوا آيات القرآن بها، كذلك كتبوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
كان من أشهر كتاب هذه اللغة الفقيه المسمى "فتى أبيرالو"، مؤلف كتب التفسير، وتلخيص السنة، من الشعراء كان "محمد ربدان"، الذي نظم كثيرا من القصائد والأغنيات الدينية.
ولم تفلح مساعي مسلمى الأندلس في الحصول على دعم خارجي فعال من الدولة العثمانية أو المماليك في مصر، رغم حملات الإغارة والقرصنة التي قام بها العثمانيون، الجزائريون، الأندلسيون، على السفن والشواطئ الأسبانية، لدعم المسلمين.
آخر الأخبار