الأحد 22 يونيو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

مالك بن دينار ... قدوة للزاهدين

Time
السبت 16 مايو 2020
View
5
السياسة
إعداد - أحمد فوزي حميدة:

"عاشوا معظم سنوات حياتهم في ضلال بعيدا عن الإيمان وتمادوا في ارتكاب المعاصي واحتراف سرقة الناس وأكل حقوقهم ، وحينما أنار الله بصيرتهم وهداهم للإيمان استجابوا وتابوا وانقطعوا عن السرقة وزهدوا في الدنيا ومتاعها حتى نالوا درجة الولاية والاصطفاء والمحبة من الله عز وجل".

مالك بن دينار الزاهد المعروف لم يكن كذلك في شبابه، فقد كان مسرفًا على نفسه في اقتراف المعاصي، ثم تاب بعد ذلك إلى الله وعاد لرحاب الطاعة والعبادة ومازال يترقى فيها حتى أصبح من أولياء الله المقربين ومن خيار الزاهدين الورعين، وحينما سئل عن سبب توبته قال: "كنت شرطيًا، أظلم الناس وآكل الحقوق، آكل الربا، أضرب الناس، وأقترف المظالم، لا توجد معصية إلا وارتكبتها، شديد الفجور، يتحاشاني الناس من معصيتي وكنت منهمكًا على شرب الخمر، ثم إنني اشتريت جارية نفيسة ووقعت مني أحسن موقع فولدت لي بنتا فشغفت بها فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا، وأحببتها حباً شديدًا وكلما كبرت زاد الإيمان في قلبي وقلت المعصية في قلبي".
وتابع: "كنت إذا وضعت المسكر بين يدي جاءت إلي وجاذبتني عليه وهرقته من ثوبي، وكأن الله يجعلها تفعل ذلك، فلما تم لها سنتان ماتت فكمدني حزنها، وانقلبت أسوأ مما كنت ولم يكن عندي الصبر الذي عند المؤمنين ما يقويني على البلاء، فعدت أسوأ مما كنت وتلاعب بي الشيطان، فلما كانت ليلة النصف من شعبان وكانت ليلة الجمعة جاء لي شيطاني فقال: لتسكرن اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل.، فعزمت أن أسكر وعزمت أن أشرب الخمر وظللت طوال الليل أشرب وأشرب وأشرب، فرأيتني تتقاذفني الأحلام حتى رأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونفخ في الصور، وبعثرت القبور وحشر الخلائق، وأنا معهم، وقد أظلمت الشمس وتحولت البحار إلى نار وزلزلت الأرض واجتمع الناس إلى يوم القيامة والناس أفواج وأفواج، وأنا بين الناس وأسمع المنادي ينادي فلان ابن فلان هلم للعرض على الجبار، فأرى فلان هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شدة الخوف حتى سمعت المنادي ينادي باسمي هلم للعرض على الجبار، فاختفى البشر من حولي فسمعت حسا من ورائي ، فالتفت فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون أسود أزرق قد فتح فاهه مسرعا نحوي، فمررت بين يديه هاربًا فزعًا مرعوبًا فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: "أيها الشيخ! أجرني من هذا التنين أجارك الله"، فبكى الشيخ وقال لي: "أنا ضعيف وهذا أقوى مني وما أقدر عليه، ولكن مر وأسرع فلعل الله أن يتيح لك ما ينجيك منه".
وأضاف: وليت هاربًا على وجهي، فصعدت على شرف من شرف القيامة فأشرفت على طبقات النيران فنظرت إلى هولها وكدت أهوي فيها من فزع التنين فصاح بي صائح: "أرجع فلست من أهلها!" فاطمأننت إلى قوله ورجعت ورجع التنين في طلبي فأتيت الشيخ فقلت: "يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل" فبكى الشيخ وقال: "أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل فإن فيه ودائع المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك"، فنظرت إلى جبل مستدير من فضة وفيه كوى مخرمة وستور معلقة على كل خوخة وكوة مصراعين من الذهب الأحمر، مفصلة باليواقيت مكوكبة بالدر على كل مصراع ستر من الحرير فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربًا والتنين من ورائي حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة: "ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا، فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه"، فإذا الستور قد رفعت والمصاريع قد فتحت فأشرف عليّ أطفال بوجوه كالأقمار وقرب التنين مني فتحيرت في أمري، فصاح بعض الأطفال: "ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه عدوه"، فأشرفوا فوجًا بعد فوج وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت علي معهم فلما رأتني بكت وقالت: "أبي والله" ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى مثلت بين يدي فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ومدت يدها اليمنى إلى التنين فولى هاربا، ثم أجلستني وقعدت في حجري وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي وقالت: يا أبت {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16]، فبكيت وقلت: "يا بنية! وأنتم تعرفون القرآن؟"، فقالت: "يا أبت! نحن أعرف به منكم"، قلت: "فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني"، قالت: "ذلك عملك السوء قويته فأراد أن يغرقك في نار جهنم"، قلت: "فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي"، قالت: "يا أبت! ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء"، قلت: "يا بنية! وما تصنعون في هذا الجبل؟"، قالت: "نحن أطفال المسلمين قد أسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم".
يقول: "فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ: "قد آن يا رب، قد آن يا رب، نعم ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله"، فاغتسلت وخرجت لصلاة الفجر أريد التوبة والعودة إلى الله، ثم دخلت المسجد فإذا بالإمام يقرأ الآية نفسها "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله".
واشتهر عن مالك بن دينار أنه كان يبكي طول الليل ويقول: "إلهي أنت وحدك الذي يعلم ساكن الجنة من ساكن النار، فأي الرجلين أنا، اللهم اجعلني من سكان الجنة ولا تجعلني من سكان النار".
آخر الأخبار