الخميس 15 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

متصوفون خالدون

Time
الأربعاء 06 مايو 2020
View
5
السياسة
إعداد - نورة حافظ:


"يا من ليس في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في القلوب خطرات؛ إلا وهي عليك دليلات، ولك شاهدات، وبربوبيتك معترفات وفى قدرتك متحيرات فبالقدرة التي تجير بها من في الأرضين والسماوات؛ إلا صليت علي محمد وعلي آل محمد، وأخذت قلب من أرادني بسوء عنى"...هذا دعاء ذي النون المصري لرفع الظلم والذي استجاب له رب الكون فمن هو؟



ذو النون المصري... وسياحة التصوف

مولده ونشأته
هو ثوبان بن إبراهيم وفي أقوال فيض بن أحمد، وكنيته "أبو الفضل" ينحدر أبوه من النوبة، وأنجبه في بلدة أخميم بصعيد مصر عام 179هـ وفق أغلب الروايات – فحمل لون عشيرته الأسمر تعلوه الحمرة نحيل الجسم.
وافق ميلاده حكم الدولة العباسية، وتوفى في الجيزة عام 245هـ، نشأ في أسرة فقيرة عرفت بالتدين والزهد، وساعدته طبيعة المكان على الخلوة والتأمل والتدبر والسياحة في ملكوت الله، فتفتحت له المعاني وانطلق في طريق العلم دارسًا نهلاً، حفظ القرآن ودرس الحديث وارتحل في سبيله إلى الحجاز وسورية وغيرهما، لقب بـ"ذي النون المصري"، لأنه ولد بمصر وكان صاحب إرادة وعلم عظيمين.
تعرض لمحنة كبيرة كادت تودي بحياته وانجاه الله منها، كما تعرض سيدنا يونس -عليه السلام- الملقب بـ"ذي النون" وحفظه الله ورده سالمًا، ولهذا ترجح بعض الروايات تسميته بـ"ذي النون"، وكذلك لقب بـ"الزاهد" و"شيخ الديار المصرية".
تفرد "ذو النون" بكونه من القلائل الذين درسوا اللغة الهيروغليفية -اللغة المصرية القديمة- محاولاً فهم أبجديتها وذلك قبل أن ينجح في ذلك شامبليون عام 1798 أثناء الحملة الفرنسية على مصر، فكان عالم آثار وطبيب وكيميائي وشاعر، نبغ في علم الشريعة وكان واعظًا فاستحق أن يكون علمًا من أعلام الصوفية في القرن الثالث الهجري.

منهجه
كان "ذو النون" أول من عبر عن علوم المنازلات، وبني المعرفة على أسس نظرية وحدد أنواعها؛ بل وطرق تناولها فأجملها بغاية الطريق الصوفي فأرسل: "إنه بمقدار ما يعرف العبد من ربه يكون إنكاره لنفسه، وتمام المعرفة بالله إنكار الذات".
كما تفرد بوضع منهج صوفي محكم فاجتهد في صياغة تعريفات علمية للوجد والسماع والمقامات والأحوال وأيضًا لمعاني جبلنا على استخدامها ولم نتعمق فيها، ففي التوبة يقول: "توبة العوام تكون من الذنوب، وتوبة الخواص تكون من الغفلة"، وهو بذلك قد قسم التوبة وقرنها بفصيل يختلف عن الآخر، قائلًا: "إن لله عبادا تركوا المعصية استحياء منه بعد أن كانوا تركوها خشية منه، أفما أنذرك"، وقد عرف السفلة بقوله: "من لا يعرف الطريق إلى الله، ولا يتعرفه".
محنة وجلد ونصر اشتهر "ذو النون" بعلم المنازلات أو المناظرات وكان علمه وتمكنه من اللفظ يستعصي على بعض العوام، فاتهموه بالزندقة واشتكوه إلى الحاكم فحمل قصرَا في قيوده ودخلوا به على الخليفة المتوكل؛ إلا أنه كان ثابت الفؤاد راسخ القدم صابرًا حامدًا يدعو الله بتفريج كربه.
أمره المتوكل أن يتحدث فلمس في "ذي النون" الصدق والزهد وأصاب وعظه راحة واطمئنان في قلب المتوكل، فأفرج عنه وقد استجاب الله دعائه وعاد مكرمًا محفوفًا بتكريم الخليفة والناس بعد أن ذاع صيت هذه الحادثة وزادته المحنة مكانة وشهرة.

علم ينتفع به
ترك "ذو النون" تراثًا من رواية الأحاديث إضافة إلى العظات والشعر والمؤلفات ومنها: "صفة المؤمن والمؤمنة"، و"الركن الأكبر"، و"المجريات"، و"العجائب"، و"أشعار في حجر الحكماء".
جنازة مهيبة مرض في آخر أيامه وانتقل إلى جوار ربه، فحمله المحبون في قارب حتى دفن بالقرافة في الجيزة، ومنعهم احتشاد الناس لوداعه من عبور جسر فوق النيل مخافة انهيار الجسر، رحمات الله على "ذي النون" صاحب القول: "ثلاثة من أعلام الكمال: وزن الكلام قبل التفوه به، ومجانبة ما يحوج إلى الاعتذار، وترك إجابة السفيه حلمًا عنه".
آخر الأخبار