الثلاثاء 03 يونيو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

مجتمع على صفيح ساخن (1 ـ 2)

Time
الثلاثاء 05 يوليو 2022
View
5
السياسة
د.سالم الكتبي

يلفت انتباهي بشدة النقاشات والمداخلات والجدل العبثي الواسع الذي ينتشر مؤخراً عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي العربية حول قضايا فقهية محسومة تخص حقوق المرأة ونظرة الدين الإسلامي لها، وفرعيات أخرى مثل الحجاب والنقاب، حيث يتبادل المتجادلون القصف الكلامي العنيف وعبارات تدخل في خانة السب والقذف المتعمد، وأخرى لا يستطيع المرء ـ بعد قراءتها ـ الانتصار لهذا الرأي أو ذاك.
اتهامات مقولبة تم تجهيزها مسبقاً في صناديق المدفعية الكلامية الجاهزة للقصف، ومزايدات عنترية واضحة، ومتاجرات بالدين تارة وبحقوق المرأة تارة أخرى، حتى أن القضايا برمتها تتحول أحياناً من جدال حول حقوق المرأة، إلى معركة بين مؤيدي القيود "بكل أنواعها المجتمعية والدينية" ودعاة التحضر، وبين هذا وذاك تتطاير عبارات على شاكلة "العقل الذكوري"، و"قمع المرأة"، "الهوس الجنسي" و"دعاة العلمانية والانفلات" وغير ذلك، ويصبح النقاش واجهة مسيئة للمجتمعات بغض النظر عن أهدافه ومبتغاه.
بعد أربعة عشر قرناً من الزمان، يسقط بعض الدعاة في فخ البحث عن الشهرة وإغراء الانتشار، وما يجلبه من أموال أو حتى عوائد معنوية، فيستخدم ألفاظاً وعبارات لا علاقة لها بالدين في الحديث عن المرأة وتفسير بعض الجرائم المجتمعية التي لها دوافع منقطعة الصلة تماماً بالدين والمسجد والحلال والحرام والحجاب والنقاب، بينما يتمترس على الجانب الآخر بعضاً ممن يرون أن هناك مشكلة في فهم الإسلام، وأن هناك أزمة في علاقة الرجل بالمرأة!
لست هنا بصدد الانتصار لأي تفسير ديني أو أخلاقي أو نفسي أو غير ذلك لما تشهده بعض مجتمعاتنا العربية من جرائم، ولست كذلك بصدد الانتصار لمن يهاجمون أصحاب هذ التفسيرات، مهما كانت حدتها، فالمعضلة الأساسية ليست في هذا الطرف او ذلك، لأنهم جميعاً ليسوا سوى "أعراض" لمرض أساسي أصاب مجتمعات عربية شتى منذ زمن طويل، وللأسف يستشرى ويستفحل في جسد هذه المجتمعات بما يهدد ثوابتها وركائزها وأمنها.
ما أقصده هنا أن المشكلة الأساسية التي تفرز لنا هذه الممارسات الإعلامية الغوغائية هي غياب ثقافة الحوار وتفشي العنف اللفظي، وغياب المسؤولية، حيث أصبح الفضاء العام متاحاً ومفتوحاً لكل من يريد أن يصل لأقصى درجات الاستهتار القيمي والأخلاقي والديني، وهذا ليس ذنب الدول، وليس نتاجاً لأي تقصير إجرائي وتنظيمي حكومي أو رسمي، بل يمثل أحد مخرجات التفاعل الخطأ مع أدوات العصر، والانسياق وراء الرغبة في الشهرة وإغواء "التريند"، وهو بالمناسبة إغواء لا يقتصر على شاب أو فتاة محدودة التعليم والخبرة، بل يطال بعضاً ممن يفترض فيهم الوعي والتعليم والقدرة على الحكم على الأمور وإدراك مسؤولية الكلمة وتأثيراتها.
$ كاتب إماراتي
آخر الأخبار