رغم عرضه خارج دراما رمضان، جذب المسلسل التاريخي "ممالك النار" قطاعا كبيرا من المشاهدين بمختلف الدول العربية، ومثلما أثار الاعجاب وتصدر البحث على شبكة الانترنت طالته أيضا سهام النقد من قبل البعض.يتناول المسلسل الاضخم انتاجيا في العام 2019 خلال 14 حلقة فقط السنوات الأخيرة لدولة المماليك في مصر واجتياح السلطان العثماني سليم الاول المنطقة العربية عامي 1516 و1517 واستبسال السلطان طومان باي في المقاومة، حتى هزيمته وشنقه على باب زويلة بالقاهرة.يقول مؤلف المسلسل المصري محمد سليمان عبدالمالك لوكالة "رويترز": كنت أتوقع من البداية وحتى قبل عرض المسلسل أن يثار حوله الجدل على مستويات متعددة، منها ما يتعلق بصحة الوقائع التاريخية ودقتها، لكن أؤكد على أن العمل الدرامي التاريخي دوره ليس توثيق التاريخ بقدر ما هو محفز على التفكير والبحث واعادة قراءة الاحداث.وأضاف "أرى حالة البحث التي انطلقت على الانترنت وفي الكتب عن شخصيات المسلسل ووقائعه هي حالة ايجابية جدا، فالدراما التاريخية لا تدون التاريخ، لان هذا عمل المؤرخين ودور الكاتب الدرامي هو قراءة التاريخ وفهم ما بين السطور ونقل هذه القراءة والرؤية للجمهور من خلال عمله".وتابع "ربما من ايجابيات المسلسل أيضا أنه بدد الكثير من الهالات حول شخصيات أو أحداث بعينها في التاريخ وبمرور السنين أصبحت واقعا لا يناقش. لكن ممالك النار بدد الكثير من هذه الهالات خصوصا فيما يتعلق بالدولة العثمانية، وهذا الفعل كان مؤلما للبعض فما كان منهم سوى مهاجمة العمل".ورغم اعتقاده بأن العمل في حد ذاته كفيل بالرد على الانتقادات سواء بالتسييس ومسايرة بعض الصراعات الاقليمية أو حتى بالوقوع في أخطاء تاريخية، فقد حرص المؤلف على توضيح مصادر توثيق المسلسل بشكل عام.وقال "تحرينا الدقة التامة فيما يتعلق بسرد الأحداث وكانت جميع الحلقات تعرض على مراجع تاريخي متخصص هو د.محمد صبري الدالي، لذلك أزعم أن الدقة التاريخية في ممالك النار تتجاوز 100 بالمئة".وأضاف "اعتمدنا على مرجعين أساسيين في الكتابة كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور للمؤرخ ابن اياس وواقعة السلطان الغوري مع سليم العثماني للمؤرخ ابن زنبل الرمال اللذين كُتبا أثناء الاحتلال العثماني لمصر ومؤلفاهما كانا شاهدي عيان على الاحداث اضافة لمراجع تركية وانكليزية وعربية".خلال مشواره قدم محمد سليمان عبدالمالك حتى الان ثلاثة أفلام سينمائية ونحو 10 مسلسلات تلفزيونية وستة مسلسلات إذاعية لكن "ممالك النار" هو عمله التاريخي الاول.وقال "لدي شغف كبير بالتاريخ وبهذه المرحلة التاريخية تحديدا لكن تقديم مثل هذه الاعمال دائما ما كان يتعثر بسبب الصعوبات الانتاجية".وأضاف "تلاقى هذا الشغف مع رغبة شركة الانتاج الاماراتية جينوميديا، التي كانت تبحث عن تقديم أول أعمالها الدرامية وكانت تتطلع لصنع عمل ضخم ومؤثر ومختلف عن السائد".وتابع قائلا "المنتج ياسر حارب وثق بي وكان قراره الاعتماد علي لانه رأى أن الاستعانة بمؤلف عمل سابقا بمثل هذه النوعية من المسلسلات سيفضي لنفس النتيجة وينتج عملا يشبه الاعمال السابقة".وقال عبدالمالك: ان المسلسل بداية من الاعداد والتحضير مرورا بالكتابة والتصوير وحتى مرحلة التجهيز الفني والمونتاج استغرق عاما ونصف العام.يشارك في بطولة المسلسل مجموعة كبيرة من الممثلين من جنسيات عربية مختلفة من أبرزهم المصري خالد النبوي، الذي أدى دور السلطان طومان باي والسوري رشيد عساف الذي أدى دور السلطان قنصوه الغوري ومواطنه محمود نصر الذي أدى دور السلطان العثماني سليم الاول.وقال عبدالمالك "هذا التنويع كان مقصودا لان المسلسل يستهدف المشاهد في المنطقة العربية بشكل عام، حتى اللغة التي استخدمناها في الحوار هي الفصحى البسيطة، حتى تتماشى مع الحقبة التاريخية وتكون كذلك سلسة لكافة المشاهدين".وأضاف "استكمالا لهدف الوصول الى عمل يحاكي الاعمال الدرامية العالمية اختارت شركة الانتاج مخرجا بريطانيا هو بيتر ويبر لقيادة العمل وأحاطته بمجموعة من المساعدين العرب لاكتساب الخبرة والتعلم".وجرى تصوير المسلسل في تونس مع الاستعانة بتقنية الغرافيك لبعض المدن نظرا لتغير جغرافيتها حاليا أو تعذر التصوير فيها بسبب الزحام أو صعوبة استصدار تراخيص التصوير.ويعتبر محمد سليمان عبدالمالك أن مسلسل "ممالك النار" قدم طفرة بمجال المسلسلات التاريخية، لكنه يظل مرحلة تحتاج الى البناء عليها واستكمالها لتقديم رؤية ذاتية عن تاريخ المنطقة العربية تروى بلسان أهلها من خلال الدراما التي يتجاوز تأثيرها الحدود والزمن.وقال: "المسلسل سلط الضوء على حقبة من التاريخ مظلومة ومسكوت عنها. ما حدث في ممالك النار هو أننا للمرة الأولى نروي تاريخ المنطقة من وجهة نظرنا كعرب، لكن في النهاية هو مشروع أتمنى أن تعقبه مشاريع كثيرة أخرى في هذا الاتجاه".وأضاف "اتضح أن تأثير الدراما التلفزيونية كبير جدا أكثر مما كنت أتوقع والدليل هو حجم المشاهدة والجدل الذي أثير حول العمل، بالتالي لا يجب ترك هذه المساحة خالية للغير لتقديم رؤيتهم عنا بل نعمل على تقديم المزيد من هذه الاعمال برؤيتنا".وتابع قائلا "الدراما والدراما التاريخية تطورت كثيرا بالعالم سواء على مستوى الكتابة أو التنفيذ ونحن في ممالك النار استفدنا من هذا، وأعتقد أن تأثير 14 حلقة فاق ما فعلته مسلسلات أخرى بلغت 60 وربما 90 حلقة".وعن امكانية كتابة أو انتاج جزء ثان من المسلسل قال عبدالمالك ان الايام المقبلة هي التي ستحسم الأمر بعد اكتمال عرض الحلقات وتقييم رد الفعل ورأي الجمهور.

رشيد عساف في مشهد من المسلسل