منوعات
محمود السعدني..."الحمقري"!
الخميس 23 أبريل 2020
5
السياسة
كان يغار من هيكل واعتقله السادات إعداد – ريندا حامد: "زمان مدرس الحساب يعتقد أنني حمار.. وكنت أعتقد أنني عبقري... بعد فترة طويلة اكتشفت الحقيقة أن المدرس كان على خطأ.. وأنا لم أكن على صواب.. الحقيقة أنا لم أكن بعبقري وأيضًا لم أكن بحمار... أنا مزيج بين الاثنين.. العبقري والحمار.. أنا حمقري".هذه إحدى كلمات الكاتب الساخر والولد الشقي محمود السعدني، أبرز الكتاب الساخرين في الوطن العربي؛ بل أنه يُعد رائد الكتابة الساخرة في الصحافة العربية، حيث قال عنه الشاعر المصري الراحل كامل الشناوي: "يخطئ من يظن أن محمود السعدني سليط اللسان فقط، إنه سليط العقل والذكاء أيضا". فقد كانت لكتابته فعل السحر، فهو يلتقط نقاط الضعف المشتركة عند البشر في مواقف معينة، ويتعمد تصوير تلك المواقف بشيء من المبالغة لبعض جوانبها حتى تغدو الشخصيات شبيهة بالكاريكاتير اللاذع، وكان يكتبها دون خوف أو رهبة وبشفافية ومصداقية، فحاز على التقدير والإعجاب من داخل وخارج البلاد، وصداقاته وعلاقاته كانت لا حصر لها ما بين الرؤساء والملوك والأمراء.عن علاقة الإنسان بالطعام يقول في كتابه " وداعا للطواجن ":"بعض الفلاسفة يقولون بأن بعض الناس تأكل لتعيش وبعضها يعيش ليأكل، ولكن تجربة العبد لله في الحياة تؤكد أن كل الناس تعيش لتأكل، حتى الرزق اسمه عيش، وأبرز فرق بين الفقراء والأغنياء هو الأكل".. ثم ينتقل في حكاياته من مرحلة الأكل "المحمر والمشمر" أيام الشباب إلى "أيام العذاب والأكل المسلوق" بعد مرض معدته، الأمر الذي يجعله يؤمن بأن المعدة هي مصدر السعادة ويؤكد على تلك الفكرة بقوله: "يقولون إن المعدة هي بيت الداء، ولكنى أرى إنها بيت الانشكاح".ومن نوادر محمود السعدني أنه كان يُغار من الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، على الرغم من أنهما مختلفان في نوع الكتابة، حيث كان "هيكل" كاتبًا سياسيًا، أما "السعدني" فكان كاتبًا ساخرًا، لكن دائمًا ما كان يقول الأخير على نفسه: "إذا كان هيكل سفير عبد الناصر في الدوائر العليا فأنا سفير عبد الناصر على المصاطب.. أنا بشرح الأفكار الكبيرة لعبد الناصر للناس البسطاء" وعلى الرغم من عدم انتمائه لأي حزب سياسي، لكنه لم يسلم من الاعتقال في وقت من الأوقات مع بعض الشيوعيين والإخوان المسلمين وعناصر أخرى سياسية، وعندما يسأل أي فرد منهم عن اسمه فيرد عليه بالاسم واسم الحزب والتيار الذي ينتمى إليه، ولأنه لا ينتمى لأي حزب اخترع "السعدني" اسم حزب لنفسه وهو " زمش " تحدث عنه في كتاب اسماه "الطريق إلى زمش"، لتصبح كلمة "زمش" هى كلمة ساخرة على الحياة الحزبية في مصر لفترة طويلة، واختصارًا للتعبير العامي المصري "زي ما أنت شايف" بمعنى "كما ترى".التاريخ الصحفي بدأ "السعدني"، الكتابة في صحف ومجلات قليلة الانتشار حينها، مثل مجلة "الكشكول" وصحيفة "المصري"، ثم انتقل إلى مجلات وصحف واسعة الانتشار كمجلة ""صباح الخير" و "روزااليوسف" و"الجمهورية". كما أسس مجلة "23 يوليو" التي أصدرها من لندن ورأس تحريرها بعد مغادرته مصر، إثر خلافه مع الرئيس أنور السادات.وخلال حياته الصحفية عانى "السعدني" لدرجة أنه الصحفي الوحيد في جيله "اللى لف كعب داير" على 5 دول هي: "لبنان، ليبيا، الإمارات، الكويت، بريطانيا"، لأنه ظل ممنوعًا من الكتابة لفترة طويلة في عصر الرئيس السادات، حيث كانت اتفاقية كامب ديفيد وزيارة القدس سببًا في خلاف كبير بين النظام في مصر وعدد من الصحفيين، منهم محمود السعدني.بعد مسيرة حافلة في بلاط صاحبة الجلالة توفي الكاتب المصري الساخر محمود السعدني عن عمر ناهز82 عامًا، تاركًا مجموعة كبيرة من المؤلفات الساخرة، أشهرها مذكراته التي صدرت في عدة أجزاء بعنوان "الولد الشقي" ومن أعماله الأخرى: "الظرفاء" و"أمريكا يا ويكا" و"الموكوس في بلاد الفلوس"، و"المضحكون"، ومن أبرز سمات أسلوبه في الكتابة التخلي عن البلاغة التقليدية ونحت قاموس جديد من الألفاظ التي تجمع بين الفصحى والعامية المصرية