الجمعة 25 أبريل 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

مخطوطة إشبيلية... نجت من المذبحة الثقافية الإسبانية

Time
الأحد 09 مايو 2021
View
5
السياسة
إعداد – أحمد القعب:

"يقول الله تعالى في كتابه الكريم "إِنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فقد حفظ المولى القرآن الكريم في الصدور حتى بدأ جمعه في عهد الخليفة أبي بكر عن طريق النسخ من مخطوطات أغلبها من جلود الأغنام والغزال، ثم تبارى النساخ في نقل النصوص المقدسة على مدار عهود، وتسابق على نسخها الخطاطون، حتى امتلأت الدنيا بنسخ القرآن بأشكال وألوان وخطوط مختلفة، وظلت الاجيال تتناقلها الى ان وصلت الينا لتكون شاهدة على حفظ المولى للذكر الحكيم الى ان تقوم الساعة...وفي هذه الحلقات نستعرض بعض المخطوطات التى وصلتنا من عهود موغلة في القدم."

يعود تاريخ مخطوطة مصحف إشبيلية الى عام 624 للهجرة ـ الموافق لعام 1226 للميلاد، وتتواجد حاليًا في المكتبة الحكومية في بافاريا بمقاطعة ميونخ الألمانية، وتتكون من 270 رقًا من جلد الغزال بطول 22سم للرق الواحد وعرض 20سم.
كُتب النص القرآني بخط أندلسي سميك، وفُصلت الآيات بزخارف ذهبية من ثلاث دوائر صغيرة، كما مُيزت كل سورة عن الأخرى ببداية وعنوان لاسم السورة، إضافة إلى لون ذهبي بحدود سوداء داكنة، وبخط عريض مغاير لكل النص، فيما كُتب النص بلون بني غامق، وزُخرف الرق من الجانبين بدائرة زخرفية مع بداية كل سورة جديدة، تفصل السور عن بعضها البعض.
تتميز المخطوطة بعدد من السمات التي جعلت منها كنزا حقيقيا للباحثين والمهتمين بالتراث الانساني، اذ تعد من المخطوطات القليلة المعروف تاريخها بشكل دقيق، اضافة الى اشتمالها على معلومات عن الناسخ، ومنهجه في الكتابة، ومن طلب كتابتها خلافا لكثير من المخطوطات المحفوظة في المكتبة، والتي يجهل الباحثون معرفة تاريخها على وجه اليقين. تميزت المخطوطة أيضا بوجود التشكيل والنقاط، وهو ملمح مهم اذا علمنا ان استخدام النقاط والتشكيل لم يكن من ضرورات الكتابة في تلك المرحلة، إذ تشكلت من اللون الأزرق، البني، الأصفر، وهي الألوان نفسها التي تشكلت منها الزخارف بين السورة والأخرى. يتصدر المصحف رقّان ذواتا رسومات وزخارف بألوان ذهبية وبنية داخل دائرة محاطة بزخارف أخرى مستطيلة الشكل وبرسومات زخرفية تعبر عن فنون الزخارف الإسلامية في ذروة تطورها، كما أضيفت علامات في حالة السجود، وهو أمر لم يكن معهودا في ذلك العصر، وحرص الناسخ كذلك على وضع صفحة في خاتمة المصحف تحمل تفاصيل عن ضوابط عمله صدّرها بعبارة " كان الفراغ منه عام أربعة وعشرين وستمائة بإشبيلية حرسها الله" ثم مضى في تفسير العلامات والزخارف وأسلوب الكتابة.
يتكون الغلاف الخارجي للمخطوطة من جلد سميك بني مائل للون الأحمر مُشكّل من مستطيل بني برسومات وزخارف ذهبية مع زخارف بالوسط على شكل دائرة صغيرة تحدها 4 زخارف ذهبية من 4 اتجاهات بزاوية 90 درجة عن الأخرى، واسُتخدمت مواد لاصقة في تكعيب المخطوط وليس خيوطًا كما هو معهود في مخطوطات تلك الفترة، ويرجع ذلك لتأثر الناسخ بطريقة تغليف الكتب الحديثة التي كانت شائعة في أوروبا انذاك.
ولكل ذلك تُصنف المخطوطة ضمن المخطوطات النادرة التي تعود للعهد الإسلامي بالأندلس، اذ نجت من عمليات التخريب والطمس الممنهج لكل تراث هذا العهد من جانب الاسبان، ولكنها تعرضت للفقد أكثر من مرة، اذ شوهدت في بعض مدن شمال إفريقيا ثم اختفت حتى القرن السادس عشر الميلادي، لتعود للظهور ابان الغزو الاسباني لتونس عام 1535، عندما ادرك قيمتها الديبلوماسي والمستشرق يوهان البرخت ويدمانستتر، ونجح في الاستيلاء عليها، واحتفظ بها في مكتبته التي تحولت لاحقًا لتكون حجر الأساس للمكتبة القانونية بميونخ.
آخر الأخبار