كل الآراء
مسلسل "محمد علي رود"... وكفاح الآباء والأجداد (1-3)
الثلاثاء 05 مايو 2020
5
السياسة
عبدالنبي الشعلةتباً لفيروس «كورونا» الذي حَرَمنا في هذا الشهر الفضيل من متعة زيارة المجالس والخيم الرمضانية والاجتماع بالأصدقاء والمشاركة في الغبقات، وشكرا له لأنه أتاح لنا في المقابل الفرصة للتمتع بمزيد من الدفء الأسري، وملازمة بيوتنا، والاستمتاع طوعًا أو قسرًا بمشاهدة ومتابعة البرامج والأفلام والمسلسلات الرمضانية بانتظام.ومن بين هذه البرامج شدتني حلقات مسلسل كويتي متميز يعرض في هذا الموسم الرمضاني من خلال شبكة «إم بي سي» التلفزيونية، وأحرص على مشاهدته ومتابعته مساء كل يوم بعد الإفطار؛ وهو المسلسل الكويتي «محمد علي رود» أو «شارع محمد علي».ولا أدري كيف وإلى ماذا ستنتهي هذه الحلقات؟ إلا أن رسالة هذا العمل الفني الدرامي الأضخم خليجيًا تتجه إلى تأكيد الانتصار الحتمي للإرادة في مواجهة الصعاب والتحديات، وللحب عند تغلبه على الكراهية والبغضاء، وللخير والحق في صراعهما الدائم مع الشر والباطل.وتقع أحداث المسلسل في مرحلة زمنية زاخرة بالتقلبات والتحولات والتي شهدت اندلاع وانتهاء الحرب العالمية الثانية، وتدور أحداثه بين مدينة الكويت ومدينة بومباي التي أصبح اسمها الآن مومباي.وفي قالب تشويقي وحبكة أو معالجة فنية متميزة، تُسلط قصة المسلسل الضوء على حركة التجارة وتنقل التجار الكويتيين بين الكويت والهند في أربعينات القرن الماضي، وعلى التقاطع والتداخل في علاقة التجار الكويتيين بعضهم بعضًا والمنافسة، والصراع الذي كان يدور بينهم، وتتطرق بجرأة إلى عمليات تهريب الذهب إلى الهند التي كانت رائجة في تلك الفترة حيث كان تجار الخليج، ونظراؤهم أو شركاؤهم الهنود يعتبرونها نوعًا متقدمًا من الشطارة والمغامرة التجارية وليست جريمة، كما يلامس هذا العمل الفني مختلف أوجه الحياة بتنوع تلاوينها ومضامينها وقيمها وعاداتها وتقاليدها، ويناقش الكثير من مواقف وقضايا العلاقات الاجتماعية والإنسانية، مثل الحب والغيرة والانتقام والخوف والعنف الأسري والإيثار والطمع والجشع وما شابه، التي كانت سائدة في ذلك الوقت، كما هي سائدة اليوم، في المجتمعات الخليجية كغيرها من المجتمعات.وقد قَرعت هذه الحلقات نواقيس الذاكرة لتعيدنا إلى أحضان تراث الآباء والأجداد وأيام تعبهم وكفاحهم المرير من أجل كسب لقمة العيش، ورباطة جأشهم في وجه الأخطار والتحديات والصعاب والأزمات، وتمكنهم من اقتحام الأسواق الهندية في ذلك الوقت، والتي تصارع على اقتحامها من قبل أشرس القوى الأوروبية والاستعمارية، كما نجحوا في التعاون والتعامل السلس مع نظرائهم من التجار الهنود المتمرسين أو منافستهم في عقر دارهم.إن ارتباط التجار الكويتيين والخليجيين عمومًا وعلاقتهم بالهند؛ وبالتحديد بمدينة بومباي وشارع محمد علي، اكتسبت أبعادًا وجدانية عميقة في عقد الثلاثينات من القرن الماضي بعد أن انهارت في الخليج تجارة اللؤلؤ الطبيعي على اثر غزو اللؤلؤ الياباني المستزرع لأسواق العالم؛ ما أدى إلى تصدع دعائم الاقتصاد في الكويت وفي الدول العربية في الخليج العربي، وتعثر النشاط التجاري وتعطل حركة السفن، ولم يستسلم التجار الخليجيون لليأس، وخصوصًا التجار الكويتيين، بل وجهوا نشاطهم واهتمامهم نحو التجارة والنقل البحري، وساهموا في إعادة تشكيل وهندسة الاقتصاد الخليجي بمبادرات ذاتية اثبتوا من خلالها كفاءتهم وجدارتهم، وانخرطوا في تجارة التمر ونقله من الإحساء والبصرة إلى الهند، والعودة بسفنهم محملة بالمنتجات الهندية من مواد غذائية وبهارات وأقمشة وأخشاب وغيرها من السلع والبضائع.وكان معظم التجار الكويتيين أثناء تواجدهم الكثيف في بومباي يسكنون في أرقى حي في المدينة على الشريط الساحلي المطل على بحر العرب، وعلى امتداد شارع الكورنيش الشهير المسمى «مارين درايف» الممتد لمسافة أربعة كيلومترات، هنا يلتقي العشاق عند الغروب على دكة الرصيف المطل على البحر، وهنا تحدث أيضًا حوادث الانتحار للذين يقذفون أنفسهم فوق الصخور الممتدة في الأسفل لكسر الأمواج العاتية.ولا تزال العمارات الفاخرة التي شيدوها خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي على شكل هلالي أو نصف دائري يطلق عليه اسم «عقد الملكة» ولا تزال واقفة شامخة شاهدة على مكانة الشيوخ والتجار الكويتيين ودورهم في اقتصاد الهند في ذلك الوقت منها عمارة الصباحية للشيخ عبدالله السالم الصباح، وعمارة الجابرية للشيخ عبدالله الجابر الصباح، والمباركية وغيرها.ويستمد المسلسل قيمته وأهميته من تمكنه من إيقاظ الذاكرة الخليجية على الروابط والعلاقات الوجدانية التي تشدنا بالهند، وهَزِهِ لضمائرنا لتذكرنا بظروفنا الصعبة إبان الحرب العالمية الثانية، وكارثة اللؤلؤ وبأيام الجوع والمعاناة، وبوقوف الهند معنا وفتحها أبوابها لنا للعمل فيها، وإكرامها لوفادة تجارنا وتعاونها معهم ومعاملتهم بتقدير واحترام؛ فلم يقل أحد منهم قط إننا بدو متخلفون، كما قال ويقول عنا بعض الأشقاء أحيانًا.وزير العمل البحريني السابق