الأحد 04 مايو 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

مسلسل "محمد علي رود"... وكفاح الآباء والأجداد (3-3)

Time
الخميس 07 مايو 2020
View
5
السياسة
عبدالنبي الشعلة

كان شارع محمد علي أو"محمد علي رود" يعج بالحركة والصخب والضجيج على مدار الساعة، وكان يضم المتاجر والمكاتب القديمة للتجار الكويتيين والخليجيين الذين لم يبق منهم إلا القليل ممن لم يتمكنوا من تصفية أعمالهم أوالتغلب على ارتباطاتهم الوثيقة بهذه المدينة.
من البيوتات أوالأسماء أوالعناوين الكويتية اللامعة لم يبق الا نفر قليل كان أبرزهم بيت "العيسى" وعميده أبوفيصل؛ الحاج عيسى العيسى القناعي أوالجناعي، الذي عندما كنت في بومباي كان لا يزال يمارس التجارة منذ العام 1946 من مكتبه رقم 102 الواقع في وسط شارع محمد علي تحت الاسم التجاري "مكتب حسين بن عيسى وإخوانه".
وقد كان مكتبًا واسعًا على شكل قاعة كبيرة مستطيلة مفتوحة، يجلس في مقدمتها أبوفيصل على طاولته الخشبية القديمة، وأمامه عدد من الكراسي لجلوس زواره وضيوفه وزبائنه وعملائه، وقد أغلق نهاية القاعة التي كانت تستخدم في السابق كمضيف لإقامة زوار بومباي من عملاء الشركة من الكويتيين وغيرهم من الخليجيين.
كان أبوفيصل؛ عيسى الجناعي إنسانا وقورا رزينا ودودا، يحبه كل من يتعرف عليه ويتعامل معه، ورأيته كريم النفس سخيا يحب الخير، دمث الأخلاق والمعشر، ورجل أعمال صادقا أمينا يحترمه ويجله ويثق به الجميع، وينتمي إلى جماعة أوعائلة "القناعات" التي هي من أكثر الأسر الكويتية شهرة، وكان يعلق خلفه صورة كبيرة لوالده المثقف وأحد أعلام التنوير في الكويت العلامة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي مؤسس مدرسة المباركية النظامية في الكويت في العام 1912.
وأثناء إقامتي في بومباي، وبعد أن تعرفت عليه، كنت أحرص بين الحين والآخر على التردد على مكتبه ولقائه لتأدية واجب التحية والسلام، والاستفادة مما يدور ويقال في هذا المكتب القريب في روحه من الديوانيات الكويتية، ولتناول التمر والقهوة العربية والاستماع إلى توجيهاته ونصائحه وذكرياته، وإلى مساجلات ومساومات التجار الهنود الذين كانوا يتعاملون معه، وإلى حكايات وأحاديث التجار الكويتيين الذين كانوا يزورونه لإنجاز الصفقات التجارية، وإلى ردوده على المكالمات الهاتفية التي كانت ترده من الكويت، وإلى فحوى الرسائل التي تصله ويناقشها بشكل مفتوح مع مساعديه من الهنود، وكنت أنبهر وأستمتع عندما كنت اسمعه يتحدث الهندية بطلاقة وبلكنة كويتية جميلة.
في مكتب عيسى الجناعي ومكتب أحمد القاضي وفي المدرسة العربية وفي شارع محمد علي ومقاهيه كانت ذاكرة الناس، في نهاية الستينات وبداية السبعينات، ما زالت رطبة طرية مشبعة بصور وذكريات الماضي القريب، فسمعت الكثير من القصص الحقيقية، وسمعت عن الكثير من الأحداث التي كانت تقع في ذلك الشارع للتجار الخليجيين وبين بعضهم بعضا، كانت بعض القصص المتعلقة ببيع اللؤلؤ وتهريب الذهب أقرب بل أغرب من الخيال.
وسمعت أسماءً رنانة ظلت تتردد على ألسن الناس، والتقيت بعدد منها، أسماء عوائل وبيوتات تجارية خليجية معروفة كانت لها سمعة ومكانة مرموقة ساطعة في الساحات والميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على ضفتي البحر العربي؛ مثل الإبراهيم والقناعي والشايع والصقر والعبد الرزاق والمرزوق والصانع والساير والغانم والخرافي والهارون والمشاري والمطيري والثنيان والشاهين والفليج والخالد والحميضي والجسار.
ومن المملكة العربية السعودية وباقي الدول الخليجية هناك عوائل القاضي والبسام والقصيبي وزينل والفوزان والفضل والزياني وفخرووكانووالمناعي ومطر والعريض والمديفع والمدفع والبستكي والمنديل ومصطفى بن عبداللطيف ولوتاه والنابودة والماجد وآل ثاني والسلطان والهجرس، وعشرات غيرهم لا تستطع ذاكرتي الآن استرجاع اسمائهم بعد مرور نصف قرن على تلك الأيام.
ولا يزال مبنى القنصلية الكويتية في بومباي، الذي تم افتتاحه بعد استقلال الكويت، يضم قسما خاصا بـ"المدرسة العربية" التي اسستها دولة الكويت بأمر من أميرها المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السموالشيخ عبدالله السالم الصباح؛ لتدريس اللغة العربية لأبناء السلك القنصلي العربي والجالية العربية في بومباي، في مساء كل يوم وحتى منتصف السبعينات كان هذا المكان يتحول إلى مركز يلتقي فيه من تبقى في بومباي من التجار الخليجيين والعرب لشرب القهوة وقراءة الصحف العربية وتبادل الأحاديث واسترجاع الذكريات الجميلة، إلا أنه مع كر الأيام وفرها وإقبال الليالي وإدبارها أخذت ذاكرة هذا النفر القليل في الاضمحلال والضمور، وأعمارهم في التقدم زحفًا نحوالقدر المحتوم، فصار عددهم يتناقص يومًا بعد يوم إلى أن اختارهم الله، واحدا تلوالآخر إلى جواره الوارف الظل الكريم.
رحمهم الله جميعًا، وشكرًا لمخرجي ومنتجي ومنفذي مسلسل "محمد علي رود"، هذا العمل الفني الرائع الذي أحيا الذاكرة وانعش الوجدان، ونتطلع إلى المزيد من مثل هذه الأعمال الفنية الهادفة.
وزير العمل البحريني السابق
آخر الأخبار