أحمد الدواسكان "الشلايتي" موظفاً حكومياً في عهد الدولة العثمانية، مهمته مراقبة الأسعار في السوق، والتأكد من عدم تلاعب التجار بها، وعندما بدأ الشلايتي بأخذ الرشاوى وغض البصر عن التلاعب بالأسعار، عينت الحكومة موظفاً جديداً سمته"السرسري"، ومهمته مراقبة الشلايتية، والتأكد من قيامهم بعملهم الصحيح، ولكن العدوى انتقلت للسرسري، وبدأ اخذ الرشاوى أيضا، وأصبح المصطلحان يطلقان على الفاسدين، وحُرفا بمرور الزمن.يقال ان رجل أعمال ثريا في أحد البلدان رشّ مبلغا من المال بالسُم القاتل وتبرع به للجمعية الخيرية في بلده، فمات محافظ المدينة و 30 نائباً وثمانية وزراء وعشرة وكلاء وعشرين مديرا، وزوجة المدير العام، و لم يُصب أحد من المحتاجين بأذى.تعاني دول كثيرة من الفساد، الفقيرة والغنية على السواء، وقد ذكرنا أمثلة مبسطة عن الفساد، مثل البائع الهندي الذي يدخل سوق القرية بعربته ليبيع الخضار فيدفع للشرطي رشوة حتى يسمح له بالبيع، وفي إفريقيا كان سائق سيارة الأجرة يعبر جسراً فيدفع رسم عبور للحكومة، فرأى أن يدفع مرة واحدة مبلغاً من المال للشرطي حتى يتنقل جيئةً وذهابا أكثر من مرة، وهكذا، فمعنى الفساد هو استغلال الأشخاص وظائفهم من أجل الكسب المادي، كالشلايتي والسرسري، واستغلال المسؤولين مناصبهم للحصول على مال لا يستحقونه. قال أفلاطون:"الشخص الصالح لا يحتاج إلى القوانين لتخبره كيف يتصرف بمسؤولية، أما الفاسد فسيجد دائما طريقة ما للاحتيال على القوانين".وقال نيلسون مانديلا:" لا يدافع عن الفاسد إلا الفاسد، ولا يدافع عن الساقط إلا الساقط، وكل شخص فينا يعلم تماماً عن ماذا يدافع"، وقال سقراط:" التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه وثوبه". يجب على المنزل ان يربي الطفل على الأخلاق، فإن فعل سلوكاً خطأ، يجب على الوالدين ان يقولا له: هذا خطأ، حالما يكسر القواعد الأخلاقية، وإلا فإن الطفل لن يُفرق بين الخطأ والصواب. والفساد لا يولد مع المرء، بل عندما لا يجد المسؤول أحداً يقف في وجهه ويقول له: توقف، لاتفعل ذلك.يقول مسؤول آسيوي بارز: إذا أردت أن تحارب الفساد في المجتمع، فإن أفضل طريقة هي معاقبة المسؤولين الكبار في المناصب الحكومية، فقد ذهب وزير سنغافوري في إجازة لكنه اصطحب عائلته معه، وبالطبع أنفق عليها من أموال الدولة، ولما عاد ألقي القبض عليه وتمت محاكمته وأودع السجن، بعد ذلك لم يظهر فساد في سنغافورة، أو تضاءل حجمه فلا يكاد يُذكر، لأن القبض على هذا الوزير كان رسالة قوية موجهة ضد من هم بالمناصب العليا. الكويت هي الأكثر فساداً خليجياً، ففي 13 ديسمبر عام 2013 نشر خبر في الصحف المحلية مفاده ان الكويت خسرت 25 مليار دولار خلال عشر سنوات بسبب الاحتيال والرشاوى والعمولات، تلاه خبر آخر مفاده: ان مبالغ العلاج في الخارج بلغت نحو ثلاثة مليارات دولار، وفي مارس 2018 نشر خبر ثالث حول وجود نحو 42 ألف قضية للمال العام، ما يعني إغراق القضاء والنيابة بأعباء كبيرة، ولا شك ان خسائر المال العام أكبرحاليا.الفساد في الكويت دليل على تدهور الأخلاق بمجتمعنا، وان الكثيرين يضربون بالمبادئ الأخلاقية عرض الحائط، وهو تقصير من جانب المنزل ووزارتي التربية و"الأوقاف"، فوا أسفاه! ولا بد لنا من زرع الأخلاق الفاضلة في نفوس أطفالنا. بإمكان الكويت الاستفادة من تجربة هونغ كونغ، التي أنشأت في سنة 1974 هيئة قوية لمكافحة الفساد مع جهاز جيد للشرطة، حاكمت 12 ألف موظف حكومي، وكانت النتيجة ان تبوأت هونغ كونغ مرتبةً عالية من النزاهة لدى المجتمع الدولي.
[email protected]