الاثنين 09 يونيو 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

معاناة لبنان كبيرة

Time
الأربعاء 12 أغسطس 2020
View
5
السياسة
د. لويس حبيقة

الجميع يعرف أن لبنان يعاني، والمشكلة أن المعاناة متشعبة، وهي حتما ليست اقتصادية فقط. هناك انعكاسات خطيرة على الاقتصاد تأتي من سوء الاداء السياسي والاداري والأخلاقي على مدى عقود من الممارسات المسيئة للبنانيين. حتى لو وقعنا اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، فهي لن تنقذنا، بل تخفف بعض الأوجاع أو تغير نوعيتها وأشكالها وحدتها. التوقيع مع الصندوق ضروري للانتقال الى مراحل علاقات ومساعدات مختلفة في النوعية والتوقيت والقيمة والتشعب.
لبنان يعاني في وقت يغرق العالم أجمع في مشكلات كبرى مهمة جدا لكل دولة ولا تستطيع هذه الدول مواجهتها، فكيف لها أن تهتم بمشكلات الغير. مشكلتنا في لبنان تزداد في وقت لا نشعر برغبة الغير في المساعدة ليس فقط لأننا لم نقم بما يجب علينا القيام به، بل أيضا لأن هذه الدول تواجه في داخلها مشكلات كبرى سياسية أمنية اقتصادية اجتماعية صحية وغيرها لا تستطيع هي في معظم الأحيان ايجاد الحلول لها. الصراعات الكبرى الداخلية ظاهرة حتى في أهم الدول بدءا من الولايات المتحدة الى فرنسا وبريطانيا وكل الدول الأوروبية. اللبناني يعاني من أمور عدة في البنية التحتية خاصة الكهرباء، والفوقية خصوصا الصحة والتعليم. اللبناني يعاني من "كورونا" وغلاء المعيشة. لنقول إننا نعاني أسفا من كل شيء، والأسواء أن الأفق ليس أبيض، بل رمادي في أحسن الحالات.
ما هي أهم الأمور التي نعاني منها اليوم؟ لنقلها بصراحة أننا لن نستطيع حل كل مشكلاتنا دفعة واحدة لكثرتها، ولغياب القيادات المناسبة ولضعف الوسائل المتاحة. الخطط الطويلة الأمد وضعت والتنفيذ لم يحصل. الخطط القصيرة الأجل وضعت، والتنفيذ لم يحصل. فلنكتف اذا بما يمكننا حله أو التقرب من الحل قدر الممكن. فلنتواضع تجاه الحلول والامكانات والفرص التي ضاقت ولن تتوسع قريبا.
أولا: هناك مشكلة ثقة بين المواطن والمسؤول في لبنان، ولا يقتصر الوضع على شخص أو شخصين. غياب الثقة يطول كل جوانب النظام، واذا أنكرنا هذه الحقيقة لن نستطيع التقدم. الثقة تبنى بصعوبة، ونقول انه لا توجد حتى محاولات لبناء الثقة أو اعادة بعضها، وكأن اليأس ضرب المسؤولين الذين في داخلهم يعلمون ان من المستحيل اعادة هذه الثقة او حتى بناء أخرى جديدة. حتى المحاولات غائبة وهذا في غاية الخطورة والتشاؤم. المسؤولون اليوم لا يقدمون الحلول، بل يكتفون بالقول إن بديلهم عمليا غير موجود وبالتالي تقبلون بنا كيفما كنا، والجهود لا تبذل للاصلاح والمواطن يرى هذه الأمور المقلقة الواضحة ويشعر حتما بالغضب. مشكلة الثقة مرتبطة بمواضيع الفساد والشفافية والحساب والعقاب التي لم نتقدم بها. يتكلم المسؤولون عنها في كل المناسبات، لكن التقدم غائب بينما الحاجة كبيرة جدا لخطوات شجاعة نوعية تحل المشكلة. التعيينات القضائية هي جزء من المشكلة والتجاذب الحاصل حولها في هذه الظروف الخطيرة لا تفهم، بل حتما غير مبررة. المشكلات مترابطة، والحلول معقدة رغم أن الطريق واضحة للمسؤولين الذين لا يريدون المغامرة في سلوكها لأنها تضر بمصالحهم المترابطة. التعيينات الادارية هي صورة عن تفكيرهم، رغم أن بعضها جيد الا أنها في مجموعها لم ترض اللبنانيين، وما زالت غير كافية وغير شاملة. هنا يكمن الدور الغائب أو الخجول لوزارة الاصلاح الاداري التي هي استشارية، لكن يجب أن تؤدي دورا علنيا أكبر وأقوى والا ما الحاجة لها؟
ثانيا: "كورونا" التي كنا ناجحون في مواجهتها وأعلنا الفوز بشكل أو آخر، وشهد العالم لنا، نكتشف اليوم أن ما فعلناه كمجتمع غير كاف، ويظهر أننا سنواجه أزمة كبرى شبيهة بما حصل في اسبانيا وايطاليا وغيرهما. مشكلة "كورونا" كبيرة، وأكبر حتى من قدرات أهم الدول، ونرى يوميا ما يحصل في الولايات المتحدة وأوروبا والبرازيل والهند والصين غيرها.
لا بد من أخذ الموضوع جديا، ليس من الجهات الرسمية فقط، انما منا نحن كمواطنين وجمعيات وشركات وغيرها، لأن النهوض الاقتصادي لن يحصل مع "كورونا"، بل الفقر والخراب سيأتيان منه. هناك فارق مهم بين مواجهة الجائحة مع الاقفال والمواجهة من دونه، أو مع بعض التنفس، فلنحاول النجاح مع الخيار الثاني لأن الأول مكلف جدا، ولا نستطيع تحمل النتائج في أوضاعنا الاقتصادية والمالية المتعثرة.
ثالثا: التعليم وهو موضوع مهم ليس حاضرا، انما للمستقبل، هنالك مشكلة تواجهنا هذه الأيام وهي الاستعداد لبدء السنة الدراسية، وهذا الموضوع من أهم التحديات التي تواجهنا اذ يربط أوضاع الأهل بالطلاب والمؤسسات التربوية أي قلب المجتمع.
هنالك مشكلتان على الأقل مالية وتعليمية، فالمالية تكمن في عدم قدرة الأهل على تسديد الأقساط، وعدم قدرة المؤسسات على تأمين الواجبات من دون ايرادات كاملة أو كافية. الموضوع واضح وهو حلقة مفرغة في غياب المساعدات الكافية للجميع.
أما المشكلة التعليمية فهي تكمن في نوعية التعليم عن بعد، فهو حتما قسري، لكن لا يمكننا الاكتفاء به، علما أن أهمية التواجد في الصفوف تفوق بكثير التعليم، بل الفوائد هي اجتماعية نفسية أخلاقية، وربما تفوق أحيانا التعليم بحد ذاته، صداقات وعلاقات العمر والحياة الصادقة تبنى على مقاعد الدراسة.
رابعا: الدولار وغلاء المعيشة حيث سعره الثلاثي مضر بالاقتصاد وبمعيشة المواطنين. اللبناني يقبض بالليرة ويدفع بالدولار، وكيف ما كان السعر، يفقر المواطن وهذا حالنا جميعا الا أقلية صغيرة فقط دخلها بالعملة الأجنبية. أسعار السلع مرتفعة والتسعير بالدولار المرتفع صعودا يرهق اللبناني، خصوصا أن التسعير لا يتبع الدولار نزولا. هنالك مشكلة نوعية أيضا، وهنا لا بد من التنويه بجهود مدير عام وزارة الاقتصاد ومتابعته موضوع النوعية من دجاج وسمك وغيرهما بدقة في محال البيع، ومن الضروري أن يبذل جهودا مماثلة جميع المسؤولين مهما كانت رتبتهم ومركزهم، فالرقابة على الأسعار مع العقاب الذي لم نشهده بعد ضروري، والكلام لم يعد يكفي، ولا بد من الجدية أكثر على كل المستويات. هنا لا بد من القول إن دعم السلع مهم، الا أن قدرتنا على الاستمرار فيه لأشهر طويلة مشكوك بها، ومن الأفضل الانتقال الى دعم الأسر اللبنانية مباشرة أي 80 في المئة منها، وترك الأسعار حرة ولا شك أنها أقل تكلفة على الدولة وتوجه الدعم الى من يحتاج اليه.
خامسا: البطالة التي ترتفع لأسباب معروفة والتي تؤثر على معنويات المواطنين حتى الذين يعملون. البطالة هي فقر ونفسية ومعنويات، وبالتالي المعالجات حتى اليوم خجولة جدا. يمكن عمل الكثير بالجهد السياسي والاداري، وان لم تكن الامكانات المادية الكافية متوافرة، فموضوع البطالة مرتبط حكما بالاستثمارات والنمو، وبالتالي لن تحل المشكلة قبل النهوض بالاقتصاد، الا أن من الممكن جدا تخفيف الأوجاع عبر الجهود المناسبة التي تتوجه الى العمال خاصة العاطلين عنه. تخفيف الوجع عبر السياسة والعناية مهم جدا. مشكلات لبنان لا تقتصر على ما ذكرنا أعلاه، اذ إن مواضيع النقل الداخلي لا تقل أهمية. شراء السيارة الخاصة أو تبديلها أصبح مكلفا على المواطن أكثر من السابق بسبب الدولار، وبالتالي توافر النقل العام النوعي واجب.
أما مواضيع البيئة والنفايات، فلا تخف حدة الا لتعود من جديد لتؤثر على صحة اللبناني الذي لا يكفيه ما يعاني منه. ننتقل في لبنان بالاضافة الى ما سبق من أزمة الى أخرى بدءا من الخبز الى البنزين والمازوت الى الكهرباء المستمرة، والمياه وغيرها. فعلا نعيش في ظروف لا نحسد عليها خاصة أن الاهتمام بالحلول غير كاف، وهناك بلا شك تقصير واهمال، ولن تتغير هذه التصرفات اذا لم نبدأ كمواطنين بالحساب في الانتخابات النيابية المقبلة وغيرها من الاستحقاقات.
$ خبير اقتصادي لبناني
آخر الأخبار