السبت 10 مايو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"مملكة سنار" أول دولة إسلامية في السودان

Time
الأحد 19 مايو 2019
View
260
السياسة
إعداد - محمود خليل:


لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين.
تعتبر "مملكة سنار" أول دولة عربية إسلامية في السودان بعد انتشار الإسلام واللغة العربية نتيجة لتزايد الوجود العربي والتصاهر بين العرب وسكان المنطقة.
تقع مدينة سنار وسط السودان عند التقاء عدد من الطرق التجارية الأفريقية، تتوسطها أنهار، النيل الأزرق، نهر الرهد، الدندر، تعتبر من المدن التاريخية الإسلامية المهمة، إذ كانت عاصمة للدولة السنارية، أكبر مملكة إسلامية سودانية، لعبت دورا تاريخيا، ثقافيا، دينيا، في التاريخ الإسلامي.
يطلق على المملكة أيضا "مملكة الفونج"، الذين يدور حول أصول أهلها الكثير من الخلاف، إذ يرى البعض أنهم من شعبة الشلك أو الشلوك، بينما يرى آخرون أنهم فرع من فروع الأسرة الحاكمة في مملكة برنو غرب السودان الكبير، فيما يرى طرف ثالث أنهم من أصل نوبي، بل يرجع بعضهم تلك الأصول إلى سكان الحبشة الذين هاجروا إلى المنطقة لظروف ما، قد تكون سياسية، دينية ومناخية.
يدعم ذلك أن تلك الروايات تختلف فيما بينها، فالبعض يقول إنهم من سلالة سليمان بن عبدالملك بن مروان، الذي دخل الحبشة وسكن فيها فترة، ثم هاجر إلى جبال الفونج وتزوج هناك، البعض يقول إنهم من سلالة عبدالملك بن مروان، آخر ملوك بني أمية الذي هرب إلى النوبة ومنها إلى باضع.
بدأت إمارة "الفونج"، في الظهور بعد القضاء على مملكة "دنقلة" المسيحية، بينما كان العرب يزداد عددهم في مملكة "علوة" المسيحية، من ثم تحالف عمارة دونقس أمير الفونج، مع عبدالله جَماع، زعيم وشيخ "القواسمة"، الذين ينتمون إلى قبائل "الكواهلة".
بهذا التحالف تم القضاء على مملكة علوة، قيام مملكة "العبد لاب" التي اتخذت مدينة "قِرِى" عاصمة لها، ثم انتقلت منها إلى "حلفاية"، شاركت الفونج في السيطرة على القسم الشمالي من البلاد.
كان "عمارة دونقس"، أول سلطان لمملكة "الفونج" الإسلامية، التي امتدت من النيل الأزرق إلى النيل الأبيض، اتخذ لقب الملك، "الكبير والمقدم"، بينما أصبح عبدالله جماع ملك قرى، لقب بالشيخ، تقاسما النفوذ داخل المملكة، التي امتدت من السواكن شرقا، إلى النيل الأبيض غربا، من هضبة الحبشة جنوبا، إلى الشلال الثالث شمالا، من ثم اتسعت حدودها تدريجيا حتى بلغت كردفان، في عهد السلطان عبدالقادر بن عمارة، حاصر جبل سقدي، جبل مويه، أخضع سكانهم للمملكة.
تعد تلك المنطقة مهدا تاريخيا وإرثا حضاريا، إذ شهدت ممالك وحضارات سودانية قديمة، منها مملكة مروى "كوش"، ثم الممالك المسيحية، "نوباتيا، المقره، علوه"، ثم كانت مملكة سنار، أول دولة عربية إسلامية قامت في السودان بعد انتشار الإسلام بين سكانه.
لم تكن سنار حاضرة أول سلطنة إسلامية في السودان فقط، بل صارت مركزا مهما للإشعاع الثقافي والإسلامي في أفريقيا، حتى عرف السودانيين، في عهد تلك المملكة، بـ "السنارية" أو "السنانير".
كما أطلق على المملكة ذاتها عدة أسماء، منها "مملكة الفونج"، "السلطنة الزرقاء" و"الدولة السنارية"، بعدما ازدهرت، ذاع صيتها، قوي مركزها، لمدة 360 عاما.
الغريب أن اسم "سنار" أيضا ثار خلاف بشأنه بين المؤرخين، حتى أن البعض يرجعه إلى اسم جارية كانت أول من سكن المنطقة، بينما يذكر البعض أن كلمة الفونج نفسها تعود إلى سيدة تسمى "فنجة"، من الجعليين العوضية، قيل من عرب البادية، تزوجها الشيخ عمارة دنقس فصارت لقباً له، كما لقب أولاده بالفونج نسبة لأمهم.
اتخذت سلطنة "الفونغ" مظهرا إسلاميا منذ بدايتها، إذ أسهمت في حركة الجهاد الإسلامي ضد الممالك المسيحية والوثنية، فتدفَّق المسلمون إليها وانتشر الإسلام في وسط السودان كله، ومنه انطلق جنوبا وغربا.
كما حاربت أهل جبال "النوبة" الوثنيين بسبب غاراتهم على "كردفان"، استمروا في تلك الحرب زمناً طويلا حتى انتشر الإسلام في كثير من هذه الجبال غربي السودان.
حاربت أيضا قبائل "الشلك"، قضوا على بعثة فرنسية قدمت إلى الحبشة لمساندتها في حربها ضد المسلمين، كما اشتبكوا مع الأحباش، بقيادة شيخ قرى التي كان يتولى إمارتها الشيخ محمد أبو اللكيلك، كبير الهمج، فانتصر على جيش الحبشة في عهد الملك "بادي الرابع أبي شلوخ"، كان لانتصارهم ردود فعل هائلة في مصر، الشام، الحجاز، المغرب، تونس، إسطنبول والهند.
لم ينشر الفونغ الإسلام بجهاد "الوثنيين، الأحباش والمسيحيين"، الذين كانوا يغيرون على المملكة الإسلامية فقط، بل بالدعاة أيضا الذين وفدوا إلى المملكة من "الحجاز، المغرب، مصر والعراق"، كما لعبت التجارة دورا مهما في هذا الشأن.
وقد استعانت دارفور بفقهاء سنار لنشر الإسلام بين سكانها، كما اتصل الفونغ بالحاكم التركي في موانئ البحر الأحمر "سواكن ومصوع"، الذى كان له ما يشبه الوكلاء في المملكة، كذلك اتصلوا باليمن وغيره من الأمصار الإسلامية، لتبادل الدعاة والتجارة، كما ازدهرت الصوفية، فانتشرت "الخلاوي"، التي أقامتها الجماعات الصوفية لتحفيظ وتدريس القرآن الكريم، علوم السنة، الفقه وتعليم اللغة العربية.
عامل ملوك الفونج رجال العلم، معاملة طيبة، احترموهم، احاطوهم بالرعاية والتكريم، فرحل إليها كثير من علماء المناطق النائية، عاشوا فيها، مما كان له أثر كبير فى نشر الإسلام وعلومه في السلطنة وما حولها.
آخر الأخبار