ناصر ضيف الله قديحانطفأت شمعة أخرى من شمعات المخلصين للقضية الفلسطينية وانكسر احد أقلامها في الشتات بعد ترجله عن صهوة الكلمة، فبرحيل الحاج درويش مصطفى عبد النبي (أبا فتحي) الذي توفاه الله في الكويت اخيرا تاركا وراءه بصمات وطنية واجتماعية واضحة من العطاء والاحترام ومحبة الناس ومسجلا بحروف من نور في سجل التاريخ الوطني الفلسطيني مبادئ الرجل المناضل الصالح الوفي الذي أفنى عمره في خدمة وطنه وأهله ومحبيه، فلم يبخل يوما في تقديم النصيحة، او ابداء الرأي، أو إصلاح ذات البين، او مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم، فكان دائما مبادرا وسباقا، وكانت ردة فعل محبيه واضحة في تشييع جنازته بمقبرة الصليبخات والعزاء حيث تجاوز المشيعين عشرات المئات ممن عرف الفقيد.العم درويش عبد النبي الذي احتضنه تراب الكويت بعد مسيرة عقود قضاها في العمل الوطني مع زملائه المناضلين الأوفياء لوطنهم، ذلك الإنسان الذي لم يبخل بعطائه ولا بقلمه لمناصرة القضية الفلسطينية، التي كانت الشغل الشاغل والنبض الحي في وجدانه للتعبير عن عشقه لفلسطين، تعرفت اليه ببدايات عملي بالصحافة والاعلام، حيث كان خير معين لي في الإرشاد والتنوير، وتحديد المسار، ويشد على يدي ويقف الى جانبي، كيف لا وهو المتمرس في العمل الأدبي والكتابة الصحافية والخبير في التحليل السياسي، والمشارك في الحلقات النقاشية المتخصصة بالشأن الفلسطيني، وكان ذا رأي سديد، وهو أيضا عضو الأمانة العامة للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وكاتب مقالة سياسية في صحف "السياسة" و"القبس" و"الوطن"، وقبلها في جريدة "أخبار فلسطين".كان المغفور له يتغنى بالوطن في جميع جلساته وسهراته، مع مختلف فئات المجتمع الكويتي والجالية الفلسطينية المقيمة على ارض الكويت، معتبرا فلسطين من أجمل قصائد الشعر في ديوان الكون، فكانت له كروح الجسد والدم الثائر دوما في عروقه.رحل أبا فتحي الأب والعم والأخ الكبير والصديق الوفي والكاتب والمعلم والجندي الأمين في نضاله، والانسان البسيط في حياته، والعامل بجد واجتهاد بلا كلل او ملل لأجل قضيته حتى يرى علم فلسطين مرفرفا فوق أسوار القدس. نعم ترجل فارس من فرسان الكلمة لأجل القضية الفلسطينية فكان صاحب فكر وطموح وتمنيات لا تنتهي للرقي بالعمل الوطني رغم قلبه المكسور والحزين على ما يحدث داخله من انشقاقات وانقسامات بين الأخوة في النضال والفكر، وتباعد الرؤى بينهما فكان يردد دوما "وأسفاه على وطن أخشاه".
أقسم بالله لو اجتمعت حروف الأبجدية أجمع على أن تفي حقك يا عم درويش ما فعلت ولو تبعثرت الكلمات لما استطعت لملمتها لثقل معانيها، حيث تتصارع الكلمات بين الحزن الذي يلجمها وبين وفائها لهذا الانسان الذي عاشرته وتبادلت معه بعض أفكاره ومبادئه.العم درويش عبد النبي كان مستمعا جيدا لأبناء جاليته، وهمومهم محاولا معالجة مشكلاتهم والتخفيف عن ألامهم بالتعاون مع بعض رجالات الدولة الكويتيين وبعض رجال الأعمال والمثقفين الفلسطينيين المقيمين على هذه الأرض الطيبة، فلم يتعال يوما ولم يتكبر أو يتأفف، بل كان متواضعا وكريما فاتحا بيته للجميع.لقد كان مدرسة في التعامل مع الآخرين، وسماع وجهة نظرهم، وترسيخ مبدأ ان الكلمة الطيبة والعمل الصالح والدعوة إلى تبادل الرأي والنصيحة أساس الاحترام بين الناس وكسب مودتهم ومحبتهم، وهذا ما زرعه في حياته ليحصده في آخرته باعتراف من تعامل معه عن قرب، فلم تكن الأيديولوجيات محل إعراب لديه.لقد كان العم أبا فتحي فعلا مدرسة نبعها الأخلاق والمودة فتارة كان يحث الصحافيين الفلسطينيين على استكمال المشوار ليكونوا قلم حق ودفاع عن قضيتهم، وتارة يعلمهم كيف يجعلوا من القلم صديقا لهم، وكيف يطوعوا الكلمات لخدمة أفكارهم، لذلك كان ينصحهم دوما بقراءة القرآن الكريم.صحافي فلسطيني مقيم بالكويت