الأربعاء 28 مايو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

نحن ومصر خصام على الورق وداد عبر القلوب؟

Time
الثلاثاء 11 أغسطس 2020
View
5
السياسة
حسن علي كرم

لم يعتد المصريون في كل الأزمات التي تعرضت لها بلادهم على مدى تاريخها الحديث، ان سعوا الى حرق اعلام الدول المعادية، فالثقافة المصرية لم تصل لحرق الاعلام، في التاريخ الحديث، تعرضت مصر على التوالي للاحتلال التركي، فالاحتلال الفرنسي، ثم الاحتلال البريطاني، وفي كل هذه الاحتلالات كان المصريون بكل فئاتهم ومكوناتهم، مسلمين وأقباطا، يقاومون الاحتلال، لكنهم لم يحرقوا اعلاماً، وعندما قام الضباط الاحرار بثورة يوليو 1952، كان المصريون جاهزون نفسياً ووطنياً لاستقبالها وتبنيها، لذلك نجحت الثورة وسار رجالها على تحقيق أهدافها.
في المقابل سعت الدول الاستعمارية، فرنسا وإنكلترا الى افشال الثورة، واستمرار هيمنتها على اهم مرفق اقتصادي وطني، وهي قناة السويس، التي تشكل المعبر الستراتيجي للعالم، ولا سيما أوروبا مع بلدان الشرق، ولم يكن امام عبدالناصر إلا تأميمها، وتخليص مصر من الهيمنة الاستعمارية، والعدوان الثلاثي (أكتوبر 1956) كان الضريبة الاولى التي دفعتها الثورة من اجل مسيرة وطنية خالصة، لا ينازعها فيها الدخلاء والاستعماريون.
الكويت في تلك الازمة لم تكن بعيدة عن مصر وما كابدتها من عدوان جائر، فالموقفان الرسمي والشعبي كانا مناصرين لمصر، رغم ان الكويت في اثناء ذلك كانت مكبلة باتفاقية الحماية مع بريطانيا احدى الدول العدوانية على مصر.
ليس الان وقت نبش التاريخ، ولا في هذة المقالة المكان المناسب لنبشه، لكن يبقى التذكير، بل لعله تكرار الى ما يربط الكويت ومصر من مصير مشترك وتاريخ طويل، وهنا ايضا لا نحتاج الى تكرار ما تكنه الكويت والكويتيون من إيثار وشغف بمصر، وغير ذلك ما هو الا زبد ما يلبث أن يُزال بزوال مناسبته.
ذلك ان الامر المؤكد الذي لا يحتاج الى إثبات الكويتيين، شعباً وحكومة، لا يريدون خسارة مصر، بل لا يكنون اي عداء او كره لها ولشعبها، لكن هناك من يسعى عمداً، او جهلاً، او موعوزا من الغير، لاثارة الفتن وبث الكراهية، فحرق العلم الكويتي، وفي ميدان عام وفي مشهد تلفزيوني.
بغض النظر عن كل ما يمثله ذلك المشهد من استفزاز وحنق لدى الكويتيين يبقى جريمة واهانة وليس هناك متسع للتنازل والتسامح، والمغفرة، فالموضوع اكبر من حرق علم، او التمثيل بحرق علم دولة لا عداء بينها ومصر، ولا اعتادت الساحة المصرية ولا تاريخ شعبها النضالي ان اقدموا على حرق اعلام دول معادية، فمن أولى في الظروف الحالية بحرق علمه اسرائيل ام الكويت، اثيوبيا ام الكويت، تركيا ام الكويت مثلاً؟
لا شك ان هناك امرا غامضا في مسألة حرق العلم، فكيف وصلت الجرأة بصبية مراهقين لتصوير مشهد يحرض المارة على حرق علم الكويت مقابل 500 دولار، وهذا المبلغ للمصري يمثل ثروة؟
سألت احد الاصدقاء عن رأيه في الحدث فقال: التنفيذ بأيد مصرية والأموال اجنبية، انت تعلم هناك متأمرون على الكويت من داخل الديرة ومن خارجها.
أضاف: عليك ان تتابع جيداً ما يكتب عن الكويت، سواء عبر الصحافة، او التغريدات، او القنوات التلفزيونية، فهناك تركيز قوي على الكويت، وتبقى الكويت مستهدفة الى زوال الغمة السوداء التي تغطي سماء المنطقة، و هذا لا يبدو قريباً.
الأمنيون المصريون لم يتغولوا في التحقيق كعادتهم، في مثل هذه المناسبات التي لا تخص مصر مباشرة مع مقدم حادثة حرق العلم، وكان واضحاً عند استدعائه مجرد اجراء عابر وسد حنك، وكان المفروض التعمق في التحقيق لعله أراد من وراء حرق العلم اثارة فتنة، وضرب العلاقة المتجذرة بين الكويت ومصر، لان ليس للشارع المصري تجربة حرق الاعلام لدول معادية، او غير معادية.
في المقابل، الكويت من خلال سفارتها تحركت لتعرب عن غضبها على تلك الاساءة داعية السلطات المصرية الى التحقيق والإجراءات المناسبة ضد مقترفي الجريمة، لكن السؤال: هل هذا يكفي، التحقيق على الواقف مع المتهم، و"ماتعملهاش ثاني مرة، يلا روح بيتكم"؟
لم يسبق ان حرق علم الكويت الا في حادثتين، الاولى في العراق ابان الاحتلال العراقي للكويت، والحادثة الثانية في طهران عندما تم اقتحام السفارة الكويتية، لكن لا مقاربة بين حرق علم الكويت في العراق أو ايران وحرق العلم بمشهدٍ كوميدي وسط القاهرة.
منذ ظهور وباء "كورونا" العلاقة بين الكويت ومصر "متورمة"، ويبدو ان في النفوس خفايا كانت تنتظر المناسبة لتنفجر، ولعل احد أسباب ذلك هو تدفق العمالة المصرية غير القانوني على الكويت، والأزمات التي واكبت اثناء حجز وحجر المقيمين في محاجر صحية، ومنعهم من الخروج او مغادرة البلاد.
الكويت لعل لسوء الادارة، او لنواياها الحسنة وقعت في شر حسناتها، خلقت مشكلات من لا شيء، كان عليها منذ اليوم الاول لازمة "كورونا" ان تكون حاسمة وحازمة دون تردد او مجاملة، ففي الأزمات تظهر حنكة الرجال، وفن الادارة.
ما كان كل ذلك ليحدث لو كان هناك ادارة حصيفة وحازمة وحاسمة، ولا تجامل على حساب صحة المواطنين وامن الوطن، لكن عندما يكون هناك تخبط يغيب العقل وتغيب الحنكة.
الان هناك الازمة التي نشبت مجدداً مع مصر، ومع بداية ظهور "كورونا" استجدت ثانية، والسبب ان القرار الكويتي كان خجولاً وافتقر للوضوح، فقرار منع عودة المقيمين كان ينبغي ان يكون واضحاً وحاسماً بلا مجاملات او تردد.
مصر موبوءة وترتيبها في الوباء الثاني عربياً وترتيبها متقدم عالمياً، والسماح لآلاف المصريين العودة من دون شروط الفحص، والتأمين الصحي، وشهادة الخلو من الفيروس، هذا يعني انك نقلت الوباء الى الكويت، وتصور ماذا سيحدث من كوارث صحية في الكويت، وتحويل مستشفياتها الى محاجر صحية.
كان من الخطأ منذ البداية استثناء مصر، وكان ينبغي معاملتها كأي دولة من الدول المصنفة موبوءة، الكويت اخطأت، وسوف تخطئ إذا فتحت الاجواء وسمحت بعودة المصريين، المعاملة بالمثل التي اعلنتها الحكومة المصرية هذا ما نطلبه نحن من حكومتنا ايضاً، بلا مجاملات او أي اعتبارات.
لم يكن امام الحكومة الكويتية غير التعامل بوضوح وشفافية مع مصر، هناك عدد كبيرة من العمالة ليست الكويت بحاجة لهم، ولا ينبغي السماح بعودتهم، في المقابل ينبغي اجراء صارم مع تجار البشر وتجار السخرة. مطلوب تنظيف الكويت من المقيمين المشبوهين والأميين وغير الماهرين، فهذه فرصة لا تتكرر، نظفوا الكويت من العمالة الهامشية والأمية وغير الماهرة، ولا تلتفتوا للضغوط، قرار وقف السفر بين البلدين لا ينبغي ان يصل الى المساومات والابتزاز، او العناد!

صحافي كويتي
[email protected]
آخر الأخبار