الأربعاء 30 أبريل 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

هجوم الفايكنغ على الأندلس

Time
الجمعة 14 أكتوبر 2022
View
5
السياسة
محمد الفوزان

أطلق مصطلح الـ"فايكنغ" على الشعوب التي جاءت من إسكندنافيا بين القرنين الثامن والقرن الحادي عشر، والتي تتألف اليوم من ثلاثة بلدانٍ (النرويج، الدنمارك، السويد)، كما أطلق عليهم لقب النورسيين أو الشماليين.
كانت الأندلس في هذه الفترة تحت حكم عبد الرحمن الثاني الملقب بالأوسط، (فهو الأوسط بين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر)، وقد حكم من سنة (206هـ=821م)
وكان من عادة الـ"فايكنغ" في الهجوم على البلاد التي يريدون احتلالها أن يبدأ الهجوم بحريا أولاً، ثم يتحول بريا، لذلك فقد بدأ هجومهم على الأندلس من الجهة الغربية، بعد أن خرجوا من سواحل انكلترا في سفنهم الطويلة، ورسوا بها عند مدينة "أشبونة" (لشبونة حاليا) بـ54 سفينة كبيرة عليها آلاف المقاتلين الأشداء.
وكان في المدينة قس صغير يُدعي ألفونسو، كان شديد الكراهية للحكم الإسلامي، ويرى بالمسلمين محتلين حكموا إسبانيا من دون وجه حق، ورغم أنه تعلم العربية، وأصبح من فئة المستعربة، وهم الذين تعلموا العربية وتشربوا فنونها، إلا أنه كان حاقداً شرساً يبث الكراهية في المجتمع.
ألفونسو ساعد الـ"فايكنغ" أثناء احتلالهم المدينة، ودلهم على عوراتها وثغراتها، فدخلوها وعاثوا فيها فساداً، وقتلاً ونهباً، ثم غادروها بعد 13 يومًا، بعد مقاومة قادها عبد الله بن حزم وسكان المدينة.
بعد أشبونة ركب الـ"فايكنغ" نهر الوادي الكبير، ومروا على مدن قادس، وشذونة، وكان هدفهم أشبيلية كبرى حواضر الأندلس وأغنى مدنها، بعد أن دلهم الخائن ألفونسو على طريق الوصول إليها، ونظراً لضعف الاتصالات وقتها، لم يتسن للسلطة في قرطبة أن تطلع على الأحداث السريعة في غرب الأندلس.
اقتحم الـ"فايكنغ" المدينة في صفر سنة 230هـ (نوفمبر 844م)، فمكثوا فيها سبعة أيام يقتلون وينهبون ويحرقون البيوت والممتلكات لبث الرعب في قلوب الناس، خصوصا أنهم قد أحرقوا جامع أشبيلية الكبير، كما أنهم خربوا القصور الأموية ونهبوا ثرواتها.
وصلت أخبار هجوم الـ"فايكنغ" إلى الأمير عبد الرحمن الأوسط فأسرع بإرسال السرايا وقوات الإنقاذ لنجدة أهل إشبيلية، وقدم على الخيل عيسى بن شهيد الحاجب، وتوجه بالخيل عبد الله ابن كليب وابن رستم وغيرهما من القواد والمتطوعين، ونفر بهم القائد العسكري نصر الفتى.
في المقابل أخذ الـ"فايكنغ" يأتون مراكب على مراكب لشد أزر بعضهم بعضا، وجعلوا يقتلون الرجال، ويسبون النساء، ويأخذون الصبيان، وكانت بينهم وبين المسلمين ملاحم، واعتركوا مع المسلمين، فانهزم المسلمون، وقتل منهم ما لا يحصى. ثم عادوا إلى مراكبهم، ونهضوا إلى شذونة، ومنها إلى قادس، وذلك بعد أن وجه الأمير عبد الرحمن قواده؛ فدافعهم ودافعوه؛ ونصبت المجانيق عليهم، وتوافدت الأمداد من قرطبة إليهم.
انهزم الـ"فايكنغ" وقتل منهم نحو خمسمئة؛ وأصيبت لهم أربعة مراكب بمن فيها؛ فأمر ابن رستم بإحراقها وبيع ما فيها من الفيئ. ثم كانت معركة "تابلادا" الفاصلة بالقرب من أشبيلية يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر سنة 230 هـ (نوفمبر 844 م)، قتل فيها منهم خلق كثير، وأحرق من مراكبهم ثلاثين مركبا. وصلب من الـ"فايكنغ" بأشبيلية عدد كثير، ورفع منهم في جذوع النخل التي كانت بها، وركبت فلول الـ"فايكنغ" مراكبها، وساروا إلى أشبونة للسيطرة عليها مرة أخرى، لكنهم فشلوا، فاضطروا للرجوع إلى قواعدهم في شمال فرنسا وسواحل انكلترا مرة أخرى.
استفاد مسلمو الأندلس من هذا الحدث بتأسيس البحرية الأندلسية، وذلك عندما أمر بإنشاء ترسانة بحرية في أشبيلية صارت بعد ذلك من أكبر ترسانات أوروبا في صناعة السفن.
أخذت البحرية الأندلسية في النمو والازدهار حتى أصبح للأندلس أسطولان: شرقي في البحر المتوسط وقاعدته "المرية"، وغربي في المحيط الأطلسي (بحر الظلمات) وقاعدته أشبونة، وفي عهد عبد الرحمن الناصر (300هـ-350هـ) ستصبح البحرية الأندلسية صاحبة اليد العليا في الحوض الغربي للبحر المتوسط، وبالتالي اكتملت سيادة المسلمين على البحر المتوسط كله.
الجدير بالذكر أن الـ"فايكنغ" قد حاولوا معاودة الهجوم على الأندلس سنة 355 هجرية، وسنة 385 هجرية، لكنهم لم يستطيعوا أن ينزلوا من مراكبهم أصلاً بسبب يقظة البحرية الأندلسية.
$ إمام وخطيب

[email protected]
آخر الأخبار