الثلاثاء 13 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

وديع شامخ: الشعر في العراق كسر ظهر العمود والقافية

Time
الأحد 14 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
القاهرة – السيد حسين:


يؤكد الشاعر والروائي العراقي المقيم في استراليا وديع شامخ أن العراق تخلّص من القوافي بفعل حرارة وفاعلية ومواهب الشعراء الكبار ، فلم يعد قردا يؤنبه ذيل ، فمنذ المفكر التنويري الشاعر جميل صدقي الزهاوي ولحد اللحظة، والعراق منجم كبير لا ينضب من الإلهام الشعري المشاكس. الشعر في العراق كسر ظهر العمود والقافية لأنه خرج من تنور الحياة العراقية اللاهبة بكل تراجيديتها حروباً وحصاراتٍ واحتلالاتٍ وامتهانا إنسانيا على كل صعد الحياة.
كل مبدع له حكايته الحميمة مع نصه الأول، ماذا عن خطوتك الأولى في أرض الكتابة؟
لم تكن رحلتي الإبداعية قد ابتدأت بنص مخصوص كما يفترض الجواب التقليدي، ولكنها كانت غابة من التجارب القرائية والعملية والانغمار في التقليد والتجريب والبحث عن صوتي الخاص ورعاية موهبتي وتشذيبها من مراهقتها، فقد أنتجت تلالاً من التجارب أحرقتها جميعا في نقطة الشروع الأولى، فلا أدري من أيّ نار ولد نصي الأول، يمكن القول أن مجموعتي الأولى " سائرا بتمائمي صوب العرش" 1995 عن دار المأمون – جامعة البصرة ، أعلنت ولادة صرختي الأولى في عالم الشعر.
كيف تقيم حركة الشعر داخل العراق في ظل التقلبات السياسية والاجتماعية ،هل هي في تقدم أم في تراجع؟
المعروف أن العراق مهد الولادات التجديدية في الشعر العربي المعاصر على يد السياب ونازك والبياتي ،ولكن المشهد الشعري العراقي لم يكن عقيماً، فقد امتدت الاقتراحات الشعرية النوعية في كل مرحلة، أو فيما يسمى في النقد العراقي " الأجيال" فجاءت الحصيلة مترعة بتجارب أغنت الحقل الشعري عراقيا وعربيا، ولم يكن الشعر العراقي بمنأى عن ظروف البلد السياسية والاجتماعية.
ومع كل هذا فالشعر العراقي ظل الحصان الأسود وفرس الرهان في تجاربه الشعرية المميزة في الشعر العمودي وتجربة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، أو في نص شعر التفعيلة كما في تجربة القصيدة المدورة للشاعر حسب الشيخ جعفر تعد فتحا جديدا في الشعر العربي، كما في تجارب الشعر الحر " قصيدة النثر "نرى ثراءً مدهشاً، وتجارب عميقة من شعراء من مختلف الحقب الزمنية – الأجيال ولم يكتف الشاعر العراقي بأنماط محددة بل تعداها الى النص المفتوح بكل تجلياته . الشعر العراقي بعافية وتجدد مستمرين رغم كل ظروف الاحتواء السياسي والاجتماعي.
كيف ترى وتقيم المشهد الأدبي والثقافي العراقي في ظل الصراع السياسي الدائر بالبلاد؟
المشهد العراقي الأدبي وخصوصا بعد انهيار النظام الشمولي، أصيب هو الآخر بنكوص مزدوج، الأول تمثّل في خيبة أمل المبدعين والمثقفين بطبيعة الساسة الجدد، الذين سرقوا الحلم العراقي في الحصول على الحرية والكرامة والعيش الرغيد الذي يستحقه العراقي وليس منّة من أحد، والثاني يتمثل في رجوع أدباء والكثير من ساسة العصر الديكتاتوري للظهور بعمائم ولحى فيزيقيا أم فكريا، لتأخذ ذات الصدارة في المشهد السابق قبل التغيير الكبير.
كما لم يشهد الواقع الجديد اعتذارا من أدباء ووعاظ السلطان السابق من الشعب العراقي، ولم تحصل مراجعة نقدية شاملة لمرحلة الدكتاتورية كي نبدأ بشكل ايجابي ومشرق كما حصل في أوروبا وألمانيا بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية. كل هذه العوامل صدمت المبدع الحقيقي وما زال المشهد ملتبساً.
ما الذي أعطاك المهجر ك وما الذي سرقه منك وما تأثيراته على شخصيتك وكتاباتك؟
أولا ،لا أعتقد نفسي في مهجر لأن المهجريين الذين سبقونا وخصوصا اللبنانيين كانت لهم خصوصية في الهجرة والاستقرار والخطاب أيضاً. أما أنا فاعتقد أنني في "منأى" جغرافي فقط، ووجودي خارج العراق ليس مناسبة للبكاء والوقوف على أطلال الوطن، أنا في حوارية دائمة مع الثقافة العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص، ولقد حصلت من وجودي في " المنأى " على حرية عالية ودفق وغزارة إنتاجية وعافية إبداعية ونضوج رؤية ودروس يومية انغمر فيها من خلال تفاعلي مع المجتمع الأسترالي أيضا، ومع حصادي في التأليف الشعري والتاريخي والروائي والنقدي، فأنا الآن أعود طالباً لماجستير في جامعة سيدني لدراسة الإعلام بنظرياته العالمية الحديثة، كل هذه الحصيلة هي نتاج الوجود في حاضنة آمنة ومشجعة، وأن وجودي في استراليا وجود تفاعلي وتبادلي منتج، سواء في الحراك الثقافي أو الإعلامي،كما أعمل منسقاً للصالون الثقافي في منتدى الجامعيين العراقي– الاسترالي وننظم أكبر مهرجانيين شعريين وهما مهرجان الجواهري للسنة السابعة ومهرجان مظفر النواب للشعر الشعبي بسنته الثالثة، ونقيم أيام الثقافة العراقية بالتعاون مع المؤسسات الأسترالية.
صدر لك في مجال الشعر، ديوان "سائرا بتمائمي صوب العرش"، "دفتر الماء"، "ما يقوله التاج للهدهد"، "مراتب الوهم"، " ثم مصور شمسي" ،و"قل ولا تقل" حدثنا عنها وأي منها الأقرب إليك؟
في مساري الشعري هناك تطور حلزوني وصولاً الى الذرى والمنحدرات معا، فكل مجموعة تمثل عندي تجربة خالصة أشذب شجرة نصوصها لتكون فناراً في الرحلة نحو العمق التالي، فما أردته في "سائرا بتمائمي صوب العرش" هو قرع أجراس الشعر التي أرتديها، وكأني أحمل معولي وأزميلي بلغة متوثبة ونافرة لأقول "إنما جئت لأختلف ". ولعل الشاعر والناقد ريسان الخزعلي قد أنصفها في مقالة مهمة صدرت في جريدة "العرب "اللندنية بعنوان " النور في قصيدة الظل" . في دفتر الماء 2000 عن دار مدى – بغداد، كنت أغوص في تجربة الماء والموقد معا، وكان غاستون باشلار شفيعي، كانت مجموعة رشيقة امتازت بلغتها الواخزة وصورها الشعرية وأسئلتها العصية وجودياً وجمالياً، وقد نالت حظها من المتابعة والنقد
في "مراتب الوهم" و"ما يقوله التاج للهدهد " خرجت من تجربة الاستنساخ لأتعامل مباشرة مع دور نشر في دمشق، هناك تطور ونضج في التعامل مع إخراج النص الشعري عبر تقنيات مهمة في قصيدة النثر، حوار، فراغات ، أسئلة ، عمق فلسفي ، استعارات ، كنايات ، صور ، تكرار ، وهي لا تتتماثل مع وصايا النقد الفرنسي بحسب سوزان برنار وشروطها التوهج،القصر،المجانية.
تجربتنا العراقية في كتابة النص الحر – قصيدة النثر – عميقة جدً ولها خصوصية عراقية لا تخلو من إسقاطات أدونيس أو توفيق صائغ وانسي الحاج مثلاً، ولكنها شكلت تجربة مهمة في المشهد الشعري العربي لخصوصية المشهد العراقي ثقافياً وإبداعيا وسياسياً واجتماعياً . وقد لا قت المجموعتان اهتماما نقديا لافتاً من النقد العراقي والعربي. وقد كرمت بحفل توقيع باذخ أُقيم لي في سيدني ولأول مرة أقبض ثمناً على توقيع عملاً شعرياً ، وهذا امتياز كبير للشعر وللشاعر . وجاءت مجموعة " مصور شمسي " لتضيف لبنة في المسار البحثي للتجربة التي أكتبها بحرارة الشعر وهدوء الحكيم ، ولعل ما قال عنها الدكتور الناقد الكبير حاتم الصكر كان غنيا جدا .
في " قل ولا تقل " هناك انزياح لتمثّل ظاهرة صوتية كان رائدها المعلم مصطفى جواد في برنامجه الإذاعي الشهير "قل ولا تقل"استعرته قناعا فقط ومضيت بالشعر الى إسقاط التابوهات، لا بطريقة القمع والوعظ الإرشادي، بل بطريقة ايقاظية حوارية جمالية. وكانت تجربة أخرى مضافة للوصول بالشعر الى مناطق غير تقليدية كما أرى.

ملهم الشعراء
هل لا يزال العراق ملهماً للشعراء، وهل لا تزال القافية العراقية تُشوى على جمر المعاناة؟
العراق تخلّص من القوافي بفعل حرارة وفاعلية ومواهب الشعراء الكبار ، فلم يعد قردا يؤنبه ذيل ، فمنذ المفكر التنويري الشاعر جميل صدقي الزهاوي ، والعراق منجم كبير لا ينضب من الإلهام الشعري المشاكس . الشعر في العراق كسر ظهر العمود والقافية لأنه خرج من تنور الحياة العراقية اللا هبة بكل تراجيديتها حروباً وحصاراتٍ واحتلالاتٍ وامتهانا إنسانيا على كل صعد الحياة .
هل يقلقك تراجع الشعر عن حضوره في المشهد؟
هذه إشاعة إعلامية باهتة للأسف، ربما يكررها العقل العربي المسكون ببديهيات مرحلية وتقاسيم غير منضبطة، فمثلا الشعر ديوان العرب، والرواية جنس غربي مثلا،ومن هذه الثنائية غير المتوازنة تاريخيا وفق التجنيس الإبداعي، صار لابد من سبق وسباق ، الرواية ديوان العرب. للأسف نحن مغرمون بهكذا إقصاء وطمر وموت للآخر نابع من طبيعة المجتمع العربي في الغزو والاستئثار .
لايوجد في الغرب مثل هذه المباراة، هناك تكامل وتحاور وتجاور للفنون، لا وجود لوأد جنس إزاء الآخر. الإبداع موضوعة روحية خالدة وصيرورتها نابعة من وهج جمرات ومواهب مبدعيها في مختلف الحقول، هناك شكسبير الكلاسيكي ينبعث في مسرح عظيم كل موسم، وهناك لكل عصر فرسانه من المبدعين يستعادون بشكل مذهل للمتلقي المعاصر وبتلاقح مذهل. من يستطيع أن يزيح شعراء المعلقات مثلا، أو بشكل أدق شعراء مهمين مثل أبي نؤاس،أبي العلاء المعري،شعراء المتصوفة، شعراء العرفان، أبي تمام، المتنبي، عروة بن الورد، السياب وغيرهم عن مسيرة الروح الشعرية عراقيا وعربيا وعالميا ؟ الشعر لا يموت ولا يسرقه أي جنس أدبي آخر .
صدر لك رواية "العودة إلى البيت"، حدثنا عنها.
دخولي إلى عالم الرواية لم يكن لركوب موجة الرواية وسيادتها في سوق التلقي، ولا هروبا من الشعر لإيجاد مساحة للتعبير عجز عنها النص الشعري. الرواية مغامرة المبدع، و عالم الرواية فضاء للروح التواقة لولوج الجمال من أبواب مختلفة، في روايتي "العودة الى البيت" لم أفكر بأي شكل عندما كتبتها ، مارست حريتي في التداخل والتناغم الاجناسي الإبداعي، فكان القص مدخلاً، وهام بي خيالي أولا، ولكني أوقفت هذا الدفق الشعري وسرت مع شروط السرد أخطط وبشكل هندسي منظم لمفهوم كتابة رواية مغايرة، أو على الأقل رواية ناجحة .في "العودة إلى البيت" حاولت أن تكون لي لمسة شخصية كما في العمل الشعري. وبما أن الرواية ترصد تاريخ العراق اجتماعياً وسياسياً منذ فترة الستينات وحتى سقوط نظام صدام حسين، فقد استخدمت "المونتير" كحيلة سردية استعرتها من السينما ليكون مرافقا للأحداث ومصححا لها أو حاذفا لبضعها، لأن شخصيات الرواية يروون أحداثاً مختلفا عليها، فلا بد من وجود رقيب تنتجه العملية السردية وليس مقحما من خارجها. كما امتازت الرواية بانها أعطت للمكان والزمان البطولة والأشخاص يؤدون أدوارهم بطرق مختلفة. لا وجود للبطل المطلق ولا الراوي كلي العلم. كُتب عنها الكثير بوصفها تجربة روائية ناجحة لشاعر وهذا يكفيني.
هل استطعت التعبير عن كل ما تشعر به بكل حرية؟
لا أكتب شيئاً مفروضاً أو مضطراً لكتابته وخصوصا في العمل الإبداعي، إذ لا معنى للإبداع وهو مسوّر بالوصايا.
ما طبيعة المواضيع التي تلهمك وتستفزك للكتابة عنها؟
في الشعر ليس لي أجندة محددة، أتبع روحي في ساعة المواجهة، ولكن هذا لا يعني ان فطرتي أو موهبتي تسوقني . هناك صناعة وقصدية ترافق إنتاج النص. في السرد سواء روايات أم مقالات ، فهناك تغلب الصنعة والتخطيط المنظم المسبق في اختيار الموضوعات.
ثمة من يعتبر أن النقد العربي مجامل أحيانا، هل أنت مع هذه النظرة؟
النقد العربي ابن البيئة ،يؤثر ويتأثر بها، والنقاد من بني البشر أيضا وليسوا ملائكة، وكل يمثل ثقافته وأمانته، ولا إطلاق في الأمر، لدينا نقاد نفخر بهم عمقا وثقافة وكانوا سببا في تسويق النصوص الإبداعية.
هل تتعبك الكتابة، هل هي فعلاً كما يصفها البعض كجلد الذات؟
الكتابة مشروع حياة وخيار جمالي فردي وخلاص روحي ووجودي، ولكن لا علّة واحدة وراءها طالما اختار المبدع أن تكون الكتابة حياته . أنا اكتب كي لا أموت.
هل لديك مشاريع جديدة؟
لدي الكثير طبعا في مختلف الحقول ، في الشعر هناك مخطوطات تنتظر النشر " من يشتري عقلا بدرهمين ، شهوات الكائن الوديع ، كيف ارسم حلما في دائرة الرأس " في حقل الرواية "شارع الوطن "، في حقل النقد كتاب عن تجربة الكاتب الكبير محمد خضير " نزهة في حدائق الوجوه، محمد خضير وبستانيو العالم ".

آخر الأخبار